مؤتمر الرياض يعرقل مخططات إيران في سوريا
مؤتمر الرياض يعرقل مخططات إيران في سوريا
● مقالات رأي ٦ ديسمبر ٢٠١٥

مؤتمر الرياض يعرقل مخططات إيران في سوريا

يكتسب مؤتمر الرياض، الذي سيجمع أطراف المعارضة السورية السياسية والعسكرية منتصف الشهر الحالي، أهمية كبيرة سواء لجهة دفع محادثات فيينا في سوريا وتذليل العقبات في طريقها، أو تطوير أداء المعارضة السورية التي ظهرت طيلة السنوات الماضية بأضعف أداء.

الأهمية تلك انعكست خطراً داهماً على النظام السوري والأطراف الداعمة له، وخصوصاً الطرف الذي يشاركه الرؤية إلى حد التطابق أي إيران. كان لافتاً إعلان الأخيرة على لسان حسين أمير عبداللهيان نائب وزير خارجيتها، أن اجتماع المعارضة السورية في الرياض من شأنه أن “يضرّ” بمفاوضات فيينا بشأن الصراع السوري.

تصريحات إيران تنطلق من رؤية مشتركة مع النظام السوري تتمثل في أن المطلوب من محادثات فيينا هو توحيد المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب المتمثل بالمعارضة السورية. بكلمات أخرى، تبتغي طهران ودمشق من مفاوضات فيينا أن ترسم مسار هزيمة فصائل الثورة السورية، وذلك بتفريغ تلك المفاوضات من محتواها ومن البيان الختامي الذي تم التوصل إليه. ولتحقيق تلك الغاية، وضعت إيران استراتيجية متعددة المستويات لجعل محادثات فيينا تخرج بنتائج لا تمت بصلة إلى التسوية المنشودة.

تمثل المستوى الأول في تكثيف العمليات العسكرية في سوريا وانتزاع مساحات جديدة من الأراضي التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية بسرعة وبسلاسة قد تشكل ضربة معنوية للمعارضة وللداعمين لها، وتهيئتهم لقبول تنازلات أكبر في محادثات فيينا.
وفي هذا السياق تحدثت تقارير عن أن قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، كان قد أقنع موسكو أثناء زيارة سرية بأن تندفع إلى ميدان الحرب في سوريا بأسلحتها النوعية التي يمكن أن تحدث تبدلاً في ميزان القوى العسكرية. وهو ما فعلته موسكو بالتزامن مع إرسال إيران للآلاف من الجنود للمشاركة في المعارك الحاسمة.

لكن السلاسة في انتزاع مناطق تخضع لسيطرة المعارضة كانت مفقودة تماماً، بل كانت الصعوبات أكثر من أن تحصى، وتخللتها “مجزرة الدبابات” في حماة واستعادة المعارضة لمناطق كانت قد خسرتها قبل عام، وأخيرا سقوط الطائرة الروسية فضلاً عن مقتل العشرات من الإيرانيين. جاءت النتائج معاكسة لما أرادته طهران، إذ أثبتت أن الحسم العسكري أو الإخلال بميزان القوى مهمة مستحيلة في سوريا، وأن المسار السياسي حتمي، سواء اليوم أو بعد سنوات.

المستوى الثاني لمخطط إيران والنظام السوري تمثل في الفكرة الداعية إلى أن يقوم المبعوث الدولي للصراع السوري، ستيفان دي ميستورا، وبالتشاور مع مجموعة العمل الخاصة بسوريا، باختيار وفد المعارضة السورية فيما يقوم النظام السوري باختيار وفده.
    
    

والحال أن إيران وروسيا لديهما وفد سوري “معارض” كان قد شارك في مؤتمرات سابقة من إعداد البلدين قبل أشهر، وقد جرى تعويم غالبية أعضاء ذلك الوفد من قبل أجهزة أمن النظام السوري، ويراد لهم أن يكونوا “الوفد المعارض” في محادثات فيينا. تشارك إيران النظام السوري في هذه الرؤية، في حين يبدو أن روسيا اتخذت موقفا أقل تشنجا وتريد لهم أن يكونوا مجرد جزء من الوفد المعارض. يبدو الهدف هو اختراق المعارضة السورية بكتلة وازنة من المعارضين “الوهميين” للتأثير في مجرى التفاوض.

المستوى الثالث هو اختيار قائمة بالمجموعات الإرهابية في سوريا، وقد كان الطموح الإيراني الروسي هو تصنيف غالبية فصائل المعارضة السورية المسلحة ضمن قائمة الإرهاب ليصادق عليها المشاركون في فيينا، وهو ما سيعطي الحرب ضدها شرعية أكبر. بالمقابل يقر حلفاء النظام بشرعية وجود بعض الفصائل الصغيرة التي لا يمكن أن تؤثر في مجرى التفاوض.

يأتي مؤتمر الرياض ليقطع الطريق على خطط إيران بشكل خاص وروسيا بدرجة ثانية في تحقيق الهدفين الأخيرين المشار إليهما. ذلك أن المؤتمر وجه الدعوات للمعارضين السوريين الذين يعلنون عداءهم لنظام الأسد وتحميله مسؤولية ما آلت إليه الأمور ويطالبون بتغيير حقيقي في بنية النظام، الأمر الذي سوف يقلص من تواجد “المعارضة الوهمية” في الوفد المفاوض.

كما سيساهم مؤتمر الرياض في توحيد المعارضة السورية ودفعها للاتفاق على وثيقة مبادئ تخص الحل السياسي في سوريا وآليات التفاوض مع النظام والخطوط الحمراء التي لا يمكن التنازل عنها. وهو عمل جبار من المنتظر أن تكون له آثار هامة على أداء المعارضة السورية بصورة عامة وحتى لو تعطل مسار فيينا في وقت لاحق.

الإنجاز الأكبر للمؤتمر يتمثل في دعوته ممثلين عن الفصائل العسكرية الفاعلة على الأرض ولهذا الأمر أهمية مزدوجة. الأولى هي تشكيل جسم معارض تتناغم فيه الرؤية السياسية مع القوة العسكرية، وتكون لقراراته فاعلية وحظوظ أكبر للتطبيق على الأرض، وهو ما افتقدته الثورة السورية منذ اندلاعها. الأهمية الثانية هي دعوة أكبر فصائل العمل العسكري ذات التوجه الإسلامي وخصوصاً حركة أحرار الشام وجيش الإسلام، ما يمكن أن يشجعها على تخفيف حدة الخطاب المتطرف والطائفي، وتبني خطاب وطني مقابل ذلك.

المصدر: العرب الكاتب: سلام السعدي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ