مؤسسات الثورة المدنية "ممالك كرتونية" تتقاذفها مراهقات العسكر
مؤسسات الثورة المدنية "ممالك كرتونية" تتقاذفها مراهقات العسكر
● مقالات رأي ١٢ يونيو ٢٠١٧

مؤسسات الثورة المدنية "ممالك كرتونية" تتقاذفها مراهقات العسكر

مع دخول الثورة السورية عامها السابع ومرور المناطق المحررة بعدة مراحل وصراعات داخلية حاولت فيها الفصائل العسكرية إثبات وجودها وفرض هيمنتها على معظم القطاعات عسكريةً كانت ام مدنية دون مراعاة أية أنظمة أو قوانين او أعراف لتثبت أنها قادرة على القيام بكل الأعباء المدنية في الوقت الذي كانت فيه تقع بالمحظور وتتهاوى في مستنقع الحياة المدنية وتقوده الى جملة من الاستقطابات الداخلية المعقدة و التي نقلت صراع إثبات الوجود العسكري المحموم الى صراع مدني يختبئ خلف بطانة عسكرية .

ومع دخول منطقة الشمال السوري في مرحلة التهدئة الأخيرة قبل حولي شهرين وتوقف المعارك والأعمال العسكرية ، تحولت الجهات العسكرية الى الالتفات الى الشؤون المدنية لإثبات وجودها وهيمنتها عبر مؤسساتها، لينتقل صراع النفوذ الجغرافي ويتحول الى شبح يلاحق المدنيين بعد أن باتت تظهر الى السطح عورات الولاءات العسكرية من قبل تلك المؤسسات المدنية ، وبدأت تظهر ملامح الصراعات بالتشكيلات المدنية والتي تغذيها مرجعيات عسكرية بغية بسط نفوذها التام على ما تبقى للمدني من حقوق يمارسها دون استقطابات العسكر .

وفي الشهور الأخيرة لوحظ توجه محموم الى تشكيل المجالس المحلية و العشائرية والأهلية ومجالس الشورى، ففي كل قرية او بلدة او مدينة تجد فيها مجلسين محليين متناحرين بالتوازي مع مجلس للشورى وآخر أهلي وعشائري جميعها بنيت على أساس تقديم الولاء لأحد قطبي الصراع في الشمال السوري ( هيئة تحرير الشام و حركة أحرار الشام ) ليحظى كل فريق بدعم من أحد الأقطاب ويروح التشكيل الموازي للتسبيح في فلك القطب الآخر ، وينتقل الصراع العسكري لينعكس سلباً على الحياة المدنية في ظل الأحلام المراهقة للفصائل العسكرية على ما تبقى من جغرافيا المناطق المدمرة .

ولم يقتصر الأمر على مجالس الإدارة المحلية فحسب ، بل قام كل فصيل عسكري بتشكيل محاكم ودور قضاء وسجون بالإضافة الى هيئات خدمية تنموية تقوم على استثمار بعض من المكتسبات والفتات التي بقيت في المناطق المحررة، كالكهرباء والمياه والمطاحن والحبوب والافران وحتى وصل تنازعهم  للتدخل بقطاعات حساسة كالتربية والتعليم وحتى الإغاثة، الأمر الذي وصل الى مرحلة التضارب بالتعطيل على الآخر عن طريق العبث بالممتلكات العامة التي تديرها مؤسسات موازية للقطب الآخر، ليبقى المواطن هو المتضرر الأكبر والأكثر تعرضاً للحرمان والخسارة في ظل عدم مبالاة الجهات العسكرية التي تدعم كل مؤسسة .

وباتت الساحة المدنية خلال الأشهر الماضية ساحة صراعات باردة واستقطابات شعواء على ممالك كرتونية تعتمد اللامركزية و تفتقد الى الدعم والخطط والموازنة وتتحكم في قرارها شخصيات عسكرية لا تملك الكفاءة والخبرة وتصدر بيانات وقرارات تشير الى سذاجة وحماقة وجهل القائم على صياغتها، وسادت عليها أجواء النكايات والمناحرات والإكتساب المادي من خلال استغلال حاجة المدنيين لما وضعت يدها عليه الفصائل العسكرية واعتبرته من موروثها الجهادي الحصري .

وليصبح الطابع العام المتحكم في الحياة المدنية هي مؤسسات شكلية محمية ومدعومة من قبل الفرقاء العسكريين، في ظل بقاء القرار الأول والأخير للجهة العسكرية دونما الاستئناس برأي الخبرات المدنية المتاحة في المناطق المحررة، وضاربةً بعرض الحائط التجارب المريرة للشعب السوري من قانون الطوارئ الذي انتهجه الأسدين الأب والإبن خلال نصف قرن من الزمن على الشعب السوري وإعطاء الجهات العسكرية والأمنية مطلق الصلاحيات في التسلط على رقاب المدنيين ومؤسساتهم التي تحولت الى مؤسسات صورية تنفذ ما تمليها عليه الأفرع الأمنية دونما اعتراض  .

وفي إضاءة على بعض المؤسسات الثورية التي لم يكن للجهات العسكرية يدٌ فيها فهي - على قلتها - إلا أنها الوجه النير للحياة المدنية فعلى سبيل المثال لا الحصر كسبت الثورة رصيداً قيماً من خلال مؤسسة الدفاع المدني " القبعات البيضاء " و ووزارة الصحة من حيث إظهار الصورة النيرة للوعي في الإدارة المدنية ، وكان ذلك نتاجاً لعدم سماحها للمراهنات والمراهقات العسكرية بالعبث في تشكيلها وادارتها والتدخل في شؤونها ، فأظهرت نموذجاً يحتذى به من العمل المؤسساتي المحايد والقادر على القيام بأعماله على أكمل وجه دونما التحييز الى طرف ما في المنطقة المحررة وجعلت مؤسساتها من المواطن المدني وتلبية حاجاته البوصلة الأساسية لمسيرها محققةً ما عجزت عنه كل مؤسسات العسكر الواهية والغوغائية ، وكانت واحةً خضراء وسط ساحة من الممالك الهلامية التي تبنى على الرمال والتي لم تنتج لرعاتها حتى اليوم إلا الوهم و السراب .

ومن خلال التجارب الأخيرة ونجاعتها ونجاحها كان لزاماً على الشعب السوري أن يصل الى مرحلة من الوعي، يزدري فيها ولوغ العسكر في مستنقع الحياة المدنية، والتوعية من عدم تحويل المدنيين  الى قطبين متناحرين أسوة بصراعات العسكر ، وعدم ترك المجال لتعزيز القطبية والصراع وتحويله من الساحة العسكرية الى التناطح في الساحة المدنية ، حيث لا نتيجة لها إلا أن يزهق فيها ما تبقى من الحياة المدنية تحت اقدام بساطير العسكر المتصارعة.

المصدر: شبكة شام الكاتب: محمد الأموي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ