ما سيكون بعد سقوط حلب ليس كما كان قبله
ما سيكون بعد سقوط حلب ليس كما كان قبله
● مقالات رأي ٢٥ ديسمبر ٢٠١٦

ما سيكون بعد سقوط حلب ليس كما كان قبله

أخص بهذا العنوان الفصائل الإسلامية المتشددة التي تتحارب على الساحة السورية، والتي ينطبق عليها قول ميكيافيلي: الدين ضرورة لا من أجل الفضيلة بل للسيطرة على الناس".

لا حاجة بنا لأن نؤكد أن الأصابع الخارجية كان لها دور كبير في استزراع تلك الفصائل وإنباتها عبر دغدغة المشاعر الدينية عند الناس مترافقة مع الدولار الأخضر، بانتظار أن تصبح تلك الفصائل كشجر العوسج الشوكي.

في البداية لا ننكر أن جزءاً من المجتمع السوري، تَقبّل هذا المنهج الديني في الثورة السورية، نظراً لإيمانهم العميق بقدرة الله تعالى في نصرة المؤمنين المظلومين، ووضعَ الأمل الأكبر في تلك الفصائل الدينية لإسقاط سلطة الأسد ونظامه الطاغي.

لكن تلك الفصائل مع السف أخذت تنهج منهجاً مغايراً لإرادة الشعب، فعاماً بعد عام بدأت رياحها تهبّ على طريقة تخالف تماماً ما تشتهيه سفن الشعب السوري، فكل فصيل بدأ يدير ظهره لرغبات الناس، ولا يلتفت إلى إرادتهم وطموحاتهم، بل صار يفرض عليهم بقوة الغلبة والسلاح مغالاته الدينيةَ التي ليست هي من الدين في شيء.

ثم بعد أن هيمن هذا الفصيل أو ذاك على عقول الناس ومقدراتهم، راح يكشف عن نواياه المتجسدة بالاستئثار والتمدد، سواء على حساب سلطة النظام، أو على حساب الفصائل الأخرى، ولاسيما الجيش الحر الذي كان المتضرر الأكبر من تلك الفصائل، فقد انهارت معظم قواته على يد تلك الفصائل التي تدعي أنها خرجت لتحارب سلطة الأسد.

من هنا بدأت مرحلة الانحدار الثوري أو الجهادي، فكان الصراع والاقتتال فيما بينهم سمة قبيحة تجري بين حين وآخر، وفي هذا المكان أو ذاك، والمؤلم أن ذلك الاقتتال الداخلي كان يجري في الوقت التي تكون فيه المعارك ضد سلطة الأسد على أشدّها، وفي أحلك الظروف.

كل ذلك كان يجري والشعب السوري يعضّ على النواجذ ويصبر، أملاً في أن يصلح الله الأحوال، وتعود تلك الفصائل إلى الطريق السوي، لكنها كانت تتمادى في غيها وتبتعد أكثر فأكثر عن الطريق المأمول، فيخرج الشعب بالمظاهرات الاحتجاجية المطالبة، إما بعدم الاقتتال أو الاندماج في جيش ثوري واحد، وكان المتظاهرون يرفعون علم الثورة رمزاً لوحدة الشعب ووحدة الثورة، لكن بعض الفصائل المتزمتة كانت تمزّق راية الثورة، كلما رأوها ترفرف عالياً في فضاء الوطن. أما لماذا.!؟. فلأن أفكار تلك الفصائل لا تريد تلك الراية ولا تريد الشعب ولا الوطن.. إنهم فقط يريدون تنفيذ المخططات التي وضعتها لهم الأصابع الخارجية، ومن أجل ذلك ساهموا مع النظام بتدمير الشعب والوطن، وهذا مختصر الكلام.

في تلك الأثناء اغتنم أعداء الإسلام الفرصة لمحاربة المسلمين باسم محاربة الإرهاب، فكل من يرفع السلاح ضد " حكومة الأسد الشرعية.!! "، هو إرهابي. وكان أول المتحمسين لذلك روسيا وإيران وأتباعها، دون أن ننسى أميركا وأوروبا وبعضاً من الحكام العرب.

والمشكلة أن تلك الفصائل بمسمياتها المفتعلة لم تأخذ بمبدأ سد الذرائع المعروف في الفقه الإسلامي، بل استمرت أيضاً في غيّها وطغيانها ضد الشعب السوري طمعاً في مصالح ذاتية تخص قيادة هذا الفصيل أو ذاك. وليس ما جرى في محافظة حوران والغوطة الشرقية أو في الشمال السوري ببعيد عنا، وهو يرتقي إلى الخيانة العظمى ضد الشعب والوطن.

وهذه الخيانة العظمى جعلت د. رياض حجاب المنسق العالم لهيئة المفاوضات، يخرج عن تحفّظه المعهود حين قال في إحدى تغريداته: الذين طعنوا إخوانهم من الخلف أو انسحبوا دون مقاومة يجب أن لا يكون لهم دور في أي كيان جديد ". في إشارة منه إلى جيش فتح الشام ( النصرة ) وأحرار الشام بشكل خاص.

وكان من نتيجة ذلك كله أن بدأت الثورة السورية في الانحدار، ولا أريد أن أقول الانهيار. وأصبح الأسد وأسياده الإيرانيون والروس يتمددون على حساب الأراضي المحررة، مع ما ترافق ذلك من قتل وتدمير، هو الإبادة التامة للإنسان والعمران، وكانت الطامّة القصوى وقوع حلب كلها فريسة بيد الأسد نظرياً، وعملياً بيد الإيرانيين بدعم روسي فاضح، وموافقة أمريكية مخاتلة وصمت عربي مريب.

وقد ساعد فيما وقعت فيه الثورة ذلك الشرخُ الهائل بين الفصائل المتزمتة من جهة وأعضاء الائتلاف المعارض من جهة أخرى، فليس هناك أية نقطة مشتركة بين الطرفين، ولا بينهم وبين الشعب السوري الذي تسلقوا على أكتافه. ولكن فيما يبدو أن أعضاء الائتلاف بعد سقوط حلب أقروا بعجزهم، وهم راضون بذلك، لأنهم مقتنعون بما استحصلوا عليه من مكاسب شخصية وفيرة طوال عمر الثورة، وها هم الآن يفكرون ويتحركون، وخير دليل على ذلك قيام البعض بإعلان انسحابهم من الائتلاف المعارض، ربما كخطة غير ذكية للبحث عن موطئ قدم في المرحلة القادمة، حتى لو كانت في ظل بقاء الأسد.  

والغريب أن الفصائل التي نتحدث عنها سارعت " بعد خراب البصرة " إلى تمثيل مسرحية هزيلة، وهي إعلان " الاندماج التام " فيما بينها، لكن بالعودة إلى ما نشر حول هذا الموضوع، وإلى ما صرح به بعض مسؤولي تلك الفصائل، لا يرى المتابع أي تغيير في نوايا تلك الفصائل ولا في مواقفها وأهدافها، وإنما هو نوع من ذر الرماد في العيون ولغو فارغ، كما في قول أحد القادة في إشارة إلى اندماج الفصائل: " نبشر أمتنا أن هممنا عالية وبأسنا شديد وصفنا واحد ". نعم هذا هو اللغو الفارغ، فأين كانت هممهم العالية وبأسهم الشديد وصفهم الواحد عندما كانت حلب الشرقية تباد وتستصرخ ضمائرهم المفقودة.!؟.

على أية حال، إن من يتابع الإعلام، ولا سيما في التواصل الاجتماعي، يدرك أن الغضب ضد هذه الفصائل بلغ ذروته القصوى، فالمظاهرات الشعبية التي تخرج والأفكار والمواقف التي تُطرح، هي خير دليل على أن الشعب السوري بدأ ينبذ ويرفض تلك الفصائل المتزمتة وكذلك الائتلاف المتثائب البالي، وأن رياح التغيير الشعبي بدأت تتجمع في النفوس، ولابد أن تنطلق عاجلاً أو أجلاً بثورة نقية ضد الثورة المنافقة، لتواصل الصمود ثم النصر على سلطة الأسد وأسياده. وهذا ما عبّرت عنه إحدى اللافتات التي رفعها بعض المتظاهرين:

" حلب ليست النهاية..

حلب بداية النصر. ".

 

 

المصدر: شبكة شام الاخبارية الكاتب: عبد الرحمن عمار
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ