ماذا لو كانت إيران مسالمة؟
ماذا لو كانت إيران مسالمة؟
● مقالات رأي ١٩ يوليو ٢٠١٦

ماذا لو كانت إيران مسالمة؟

منذ قيام ثورة الملالي والعالم لم يهدأ ولم تمضِ سنة على المنطقة بسلام دون أن تكون فيها حرب ساخنة، أو باردة، بين الملالي وكل من يجاورهم من مختلف الأطراف والأطياف التي لا تنتهج نهج طهران، ولا تقبل تدخلاتها، وثورتها، ولا توجد لديها قناعة بتصديرها للخارج.

إن تأجيج الحروب والصراعات المذهبية، والتدخل في شؤون الغير، وتمويل المليشيات الإرهابية، أعمال انخرط فيها النظام الإيراني لزمن مديد، والسؤال هنا: ماذا لو كانت إيران دولة سلام؟ ماذا لو راهنت على خيار التعايش والتعاون، وابتعدت عن كل أشكال التدخل والتغول ومحاولات التمدد الإقليمي على حساب الآخرين؟ دعونا نتخيل شكل المنطقة من دون مشاكل إيران، التي أدخلت أنفها في كل شاردة وواردة، ولم تدع بلداً قريباً منها ولا بعيداً، إلا وسعت فيه بالخراب والدمار.

إن الاستقرار والسلام الذي تطمح إليه المنطقة غير ممكن مع إيران في ظل وجود أجندات خفية وأيدٍ عابثة في حياة شعوب ودول المنطقة، رغبة في السيطرة وفرض نفوذ طهران، وسعياً لتغيير كل مفردات معادلة النظام الإقليمي بما يتماشى مع معتقدات الملالي وطموحاتهم.

وبالأمس القريب انفضت وانقضت فعاليات مؤتمر المعارضة الإيرانية الأخير بمشاركة أكثر من 100 ألف من أبناء الجاليات الإيرانية المنتشرة في مختلف دول العالم، الذين طالبوا فيها ورددوا بصوت واحد وواضح أمام الملأ «الشعب يريد إسقاط النظام».. وأي نظام كانوا يطالبون بإسقاطه؟ نظام «ولاية الفقيه»، بما هو، ومن حيث هو، جملة وتفصيلاً.

وبعبارة أخرى، فهذه السلطة المذهبية التي حكمت إيران وجرّت البلاد والعباد فيها نحو وحْل الصراعات والنزاعات ودعم الإرهاب، مع ممارسات أخرى لا تغتفر في حق الشعب الإيراني نفسه وشعوب الدول المجاورة بغية الوصول لأهداف استيطانية توسعية، لم تكترث ولم تبالِ بحق الجيرة، ولا حتى بالحقوق الإنسانية الأساسية، وأولها الحق في الحياة والأمان والعيش الكريم.

بل على العكس فنظام الملالي منذ قيام الثورة في عام 1979 وهو يرتكب ممارسات بالغة القسوة بحق الشعب الإيراني، مع نزعة ومسحة طائفية طاغية ومحاولة تشييع كل الشعب، طوعاً أو كرهاً، وتطهير طائفي في كثير من المناطق من السُّنة، بالجبر والإكراه. والحجم السكاني للسُّنة في إيران، حسب الإحصاءات المعلنة، أنهم يشكلون 10% من السكان، إلا أن المعلومات غير المعلنة، والمرجّحة، تؤكد أنهم يشكلون ثلث حجم السكان البالغ عددهم أكثر من 70 مليون نسمة، متوزعين بين التركمان والبلوش والأكراد، والعرب في الأحواز العربية.

ارتكب نظام الملالي الكثير من الانتهاكات بحق الإيرانيين من أبناء المجموعات العرقية والمذهبية الأخرى، فبدأ بالتنكيل بهم والسعي لتغيير ديموغرافية أراضيهم، بما يتماشى مع أهوائه، فسجلت وتيرة الإعدامات أرقاماً قياسية بحق كل من يخالفهم في الأحوازيين مثلاً بتهم واهية غير منطلية على أحد، ودون استيفاء أي شروط للمحاكمات القانونية أو المحاكم المستقلة.

وبدلاً من ذلك تتفشى الاعتقالات العشوائية ومحاولات فرض الثقافة الفارسية على الفئات الأخرى، واستقدام مئات آلاف المستوطنين من العمق الفارسي، وبناء المستوطنات لهم، وتوفير فرص العمل، وكل مستلزمات الحياة الكريمة، وفي المقابل شد الوثاق وخنق الرقاب ضد كل من يختلف عن مذهبهم. هذا عدا التدمير المتعمد للبيئة، عبر تجفيف وحرف مسار الأنهر الأحوازية، ما تسبب في العواصف الترابية في الفترة الأخيرة، وانتشار الأمراض المستعصية، مثل السرطان بكل أنواعه. وكذلك اغتصاب الأراضي الزراعية وتوزيعها على المستوطنين الفرس، وبناء مشاريع استيطانية إحلالية عليها، ونشر المخدرات بين الشباب الأحوازي، وحرمان الأحوازيين من فرص العمل.

وعلى صعيد نشاطها العالمي فقد نجحت في نشر التطرف الديني، وإشعال نار الطائفية في بعض الدول المحيطة بها، وتأجيج الصراع المذهبي، واحتضان الإرهابيين ودعمهم ومدهم بالسلاح والعتاد واستخدامهم كوكلاء حرب بدلاً عنها.

ولو جاء نظام عصري متطور يواكب العالم الحديث ويسعى للبناء والتعمير وتحقيق الحضارة، فدون أدنى شك، سيكون المستقبل أفضل لشعوب المنطقة والعالم، وسيضمن ذلك استقراراً حقيقياً وتنمية مستمرة وتحقيق نهضة مستدامة في جميع القطاعات. والعراق بلا شك سيهدأ ولن تجد الجماعات الإرهابية داعماً أو ممولاً للخراب والإرهاب، وستنتهي في الواقع كل مظاهر الصراع والنزاع في بلاد الرافدين. كما أن سوريا سيكون مصيرها أيضاً إلى الاستقرار بعد حرب أهلية طال أمدها وتجاوزت عامها الخامس بسبب دعم الملالي للإرهاب فيها، ومحاولة تأجيج الفتن لأغراض مذهبية عنصرية، وتحقيق أهداف توسعية على حساب الطرف الآخر راح ضحيتها أكثر من 11٪ من الشعب السوري، فضلاً عن إصابة الملايين ونزوح 45٪ من عدد سكان سوريا بحثاً عن مأوى أو ملجأ آمن.

وحتى الوضع في اليمن لم يسلم من عبث الفرس، حيث زرعوا الفتنة ودعموا رؤوس الإرهاب «الحوثيين» وعاثوا فيها فساداً إلى أن حولوها إلى جحيم، ولولا تدخل التحالف الحازم الحاسم لكانت البلاد الآن في عداد الخراب، كما آلت إليه حال بعض البلدان الأخرى التي ابتُليت بالتدخلات الإيرانية، وشرور الصراعات والحروب الأهلية.

المصدر: الاتحاد الكاتب: حمد الكعبي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ