ماذا لو لم يتدخل "التحالف" في اليمن؟
ماذا لو لم يتدخل "التحالف" في اليمن؟
● مقالات رأي ٢٩ مارس ٢٠١٧

ماذا لو لم يتدخل "التحالف" في اليمن؟

تغطيات إعلامية واسعة للذكرى الثانية لحرب اليمن في معظم الصحف العربية والعالمية، تحكي قصة مسوغات إنشاء «التحالف» لدعم عودة الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، وما آلت إليه الأمور حتى اليوم، والمكتسبات والخسائر، والموقف الدولي وقرار الأمم المتحدة 2216 الذي يعترف بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيساً لليمن ويطالب الانقلابيين بوضع السلاح.

لكن لم تذكر كل هذه القطع التحليلية سؤالاً افتراضياً مهماً عن ماذا لو ظلت الأمور كما هي، حينما تحالفت الأقلية الحوثية المدعومة من إيران مع فريق المعزول علي عبد الله صالح وبعض الفصائل الجنوبية وحاصروا القصر الرئاسي في صنعاء أثناء وجود الرئيس هادي، الذي نجح في الهروب إلى عدن ثم لحقوا به لاغتياله، فاستنجد بالسعودية للتدخل وحماية الشرعية، ثم غادر إلى الرياض حتى تتم مراجعة الأمور وتسويتها؟

رغم الجهود الخليجية الحثيثة في 2012 لحل الأزمة وتوزيع كعكة النفوذ بين الأطراف المتنازعة، لم ترضَ الأقلية الحوثية بعد أن أصبحت قوة عسكرية بانضمام الحرس الرئاسي لصالح، وتلقي دعم مباشر من إيران، حتى إن الرحلات الجوية بين طهران وصنعاء كانت تنقل أفراداً من الحرس الثوري الإيراني إلى اليمن تمهيداً لحشد عسكري قادم وتثبيتاً لوجود إيراني دائم في اليمن.

قبل ستة أشهر من بدء إنشاء «التحالف» الذي سمي «عاصفة الحزم»، كان الحوثيون يمارسون سلوك قطّاع الطرق؛ استولوا على مؤسسات ووزارات حكومية، واقتحموا البيوت ونهبوها في صنعاء، وحتى بعد توقيع اتفاقية السلم والشراكة، لم يتغير الأمر كثيراً، كان الحوثيون وصالح قد عزموا أمرهم على السيطرة وتهميش بقية الشركاء، ومع الاستعداد اللوجيستي الهائل الذي يمتلكه صالح من خلال سنوات طويلة من الدعاية بأنه يحارب «القاعدة» وإمداده من السعودية والولايات المتحدة بالعتاد العسكري، ومع وجود إيراني داعم للحوثي كانت المعركة بالنسبة إليهم محسومة، ولا سبب يدعوهم للتراجع.

حملت السعودية القضية اليمنية عبئاً على كتفها بعد أن سقطت صنعاء بيد المتمردين الانقلابيين، وانهارت الشرعية، وتجرأ الانقلابيون على تهديد الحدود السعودية بعد أن أخذتهم غطرسة التمكين وغرور القوة.

ببساطة يمكن تخيل الوضع في اليمن لو لم يتشكل تحالف عودة الشرعية. الهدف لن يتوقف عند الاستيلاء على اليمن، كانت هذه مقدمة لأمر جلل، يتجاوز الدولة المريضة بالفقر والغنية بالوفرة السكانية. أخطر ما يمكن أن يحصل هو التعاون مع تنظيم القاعدة، وهذا أمر وإن بدا بعيداً، لكن تثبته سوابق في عهد علي عبد الله صالح الذي مكّن قيادات «القاعدة» من الفرار من السجون ليضغط على السعودية والغرب لمزيد من الدعم، وعلينا أن لا ننسى أن صالح الذي شن حروباً ستة على الحوثيين انتهى به المطاف للتحالف معهم. وإيران التي رأت في اليمن لبنان آخر، لن تمانع في التعاون مع التنظيم الإرهابي الذي تؤوي بعض قياداته في طهران، وتعاونت معه في استهداف السعودية كما حصل في تفجير مجمع سكني للقوات الأميركية في مدينة الخبر السعودية. اليمن كان مرشحاً ليكون بؤرة لتصدير الإرهاب ليس فقط للسعودية بل لكل العالم، وأمثولة لسهولة إسقاط شرعية الدول وشرعنة الفوضى.

حينما قررت المملكة التدخل في اليمن أنشأت تحالفاً عربياً من عشر دول آمنت بهذا الخطر الذي سيعم أرجاء المنطقة، وتشكل «التحالف العسكري» من دولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت مشاركتها حجر أساس، إضافة إلى البحرين والكويت وقطر والسودان والمغرب ومصر والأردن والصومال، كما قدمت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا دعماً استخباراتياً.

عامان لم يمرا بسهولة على كل الأطراف، وقعت خسائر بشرية وبنيوية، ومع التغير الذي كان يحصل على أرض الواقع لصالح «التحالف»، تراجعت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في صيف 2016 عن التعاون الاستخباراتي. وبدا أن أوباما، الذي كان ميالاً لإيران، مقتنع بأن خسائر الحرب البشرية سببٌ كافٍ لأن يرفع يده عن الموضوع اليمني، في الوقت الذي كانت طائرات الدرون الأميركية تلاحق عناصر تنظيم القاعدة وتصفيهم رغم وقوع ضحايا مدنيين.

الحقيقة أن مدة الحرب طالت، بالنظر إلى إمكانيات «التحالف» الهائلة، وكان السبب الوحيد الذي أدى إلى إطالة أمد الحرب هو محاولة «التحالف» تجنب وقوع ضحايا مدنيين، ولكن كعادة الاستراتيجية الإيرانية التي نعرفها في لبنان وسوريا، كان الانقلابيون يتمركزون داخل المدن الآهلة بالسكان، مما صعّب على «التحالف» حسم معارك مهمة أولها تحرير العاصمة وميناء الحديدة.

ومع أن الإدارة الأميركية الجديدة متحمسة لحسم معركة اليمن لصالح الشرعية فإن «التحالف» اليوم بالنظر إلى خريطة اليمن استطاع تحرير 85 في المائة من الأراضي اليمنية، وانحسر وجود تنظيم القاعدة في مدينة المكلا. عودة الأميركيين للمشهد اليمني سيسرع من وتيرة الحسم، وهذا ما بدأ فعلياً قبل يومين حينما ضربت مدفعية الجيش الوطني ولأول مرة دار الرئاسة في صنعاء ومحيطها العسكري وميدان السبعين.

إدارة ترمب قررت مواجهة إيران في كل مناطقها، وعلى رأسها اليمن، أمّنت الحدود البحرية لمنع تهريب التمويل العسكري الإيراني للانقلابيين، وأعادت الدعم الاستخباراتي والعسكري. يرى فريق ترمب أن هزيمة الحوثيين هي ضربة موجعة للإيرانيين وحلمهم بالتوسع في المنطقة، كما أنه يعطيها الفرصة للتفرغ للقضاء على تنظيم القاعدة الذي تقلصت مناطق نفوذه.

«عاصفة الحزم» ليست معركة لعودة الشرعية فحسب، بل حماية للمنطقة من تنامي مفهوم الميليشيا العسكرية على حساب الدولة.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: أمل عبد العزيز الهزاني
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ