ماذا يحدث في الجنوب السوري؟
ماذا يحدث في الجنوب السوري؟
● مقالات رأي ٣٠ يونيو ٢٠١٨

ماذا يحدث في الجنوب السوري؟

هل ستدفن الثورة التي انطلقت بقوة من درعا عام 2011 في تراب درعا ذاتها؟ وهل الاستيلاء على الأرض يعني استيلاء على عقول الناس وقلوبهم؟ وهل انتصار نظام حكم على شعبه بالقتل والإبادة والتدمير يؤهله لأن يستمر في الحكم ؟ وهل بوسع النظام أن يفيد من الدرس التاريخي الضخم في ثورة الشعب فيعيد النظر في أسباب ما حدث، وأن يقدر أنه محى سوريا من خريطة المنطقة والعالم وجعلها أول دولة تحتلها عدة دول مجتمعة، مقابل أن يبقى الأسد رئيساً؟ وأقول نعم، كل ما حدث يبدو من أجل رجل واحد، والدليل أن المعارضة قبلت بالتشاركية مع النظام حسب بيان جنيف والقرارات الدولية، وقبلت بتشكيل هيئة حكم انتقالي بشراكة متوازنة مع من لم يرتكبوا جرائم من النظام، لكن النظام وروسيا وإيران لم يقبلوا.

ولئن كانت روسيا تبدو شديدة الوضوح في دعمها للأسد ونظامه، فإن الولايات المتحدة شديدة الغموض، لأنها أعلنت منذ البداية أنها تدعم الديموقراطية وتعادي الديكتاتوريات، وتقف ضد الاستبداد، وترفض أن يقتل رئيس شعبه لمجرد أنه طالبه بإصلاح سياسي، وأميركا هي الدولة الأعظم التي وقفت (علانية) إلى جانب ثورة الشعب السوري، وقدمت معونات لوجستية وعسكرية لفصائل من الجيش الحر للدفاع عن الشعب، ووصل بها الأمر في عهد أوباما إلى التهديد بشن حرب دولية ضد النظام بعد مجزرة الغوطة بالكيماوي، وفي عهد ترامب، قامت بهجومين عسكريين رمزيين، لكنني كنت وما زلت أعتقد أنها هي التي حافظت على بقاء النظام لمجرد أنها منعت السوريين من الوصول إلى مضادات الطيران فمنحت النظام وروسيا فضاء سوريا كله، ومن المعروف أن الطيران (وحده) هو الذي مكّن النظام من تدمير المدن وقتل الشعب.

ولقد تم اختصار القضية بين الرئيسين بوتين وترامب بأنها قضية دستور وانتخابات (كما في اتفاقية فيتنام بينهما)، وقد عارضت أميركا مؤتمر «سوتشي» دون أن تعارض قرارته، وقدمت نفسها ضامناً في الجنوب السوري، وقد صمتت حين أبيدت الغوطة، ومنعت الفصائل من (الفزعة) لأهل الغوطة، حفاظاً على اتفاقية خفض التصعيد في الجنوب، ولكن حين جاء الامتحان، وبدأ العدوان على الجنوب حتى بمشاركة إيران، تخلت الولايات المتحدة بوضوح عن فصائل الجنوب وأبلغتهم بأنها لن تناصرهم، وأذكر أنني قلت قبل عامين للصديق السفير مايكل راتني (على شكل دعابة) بعد أن تحدث إلينا مشجعاً في هيئة التفاوض في الرياض، وهو يجيد العربية ( لابد أنك تعرف مطربة لبنانية شهيرة اسمها صباح! قال نعم أعرفها، قلت: كانت لها أغنية شعبية تقول: وصلتونا لنص البير، وقطعتوا الحبلة فينا، إنكم تفعلون ذلك)، ضحك «راتني» وهو يعرف هذه الأغنية وقال (لا، لن يحدث ذلك).. لكن «راتني» عبر بعد عام من هذا الحديث- حين التقينا في باريس- عن أسفه لعدم وجود موقف واضح لبلاده، كان كيري قد عبر قبله عن أسفه قبل أن يغادر منصبه بيوم واحد فقط في حوار حاد بدأه الدكتور رياض حجاب، وبالمناسبة دار مثل هذا الحديث مع السفير الأميركي المبعوث لسوريا عام 2014 فحين عاتبته في واشنطن عن تخلي بلاده عن قضيتنا قال لي (تذكّرْ أننا في الولايات المتحدة لم نقم بهذه الثورة في سوريا) يومها قلت له ممازحاً (ألستم شركاء في المؤامرة الكونية ضد سوريا؟ النظام يتهمكم، بينما أرى أنكم بسياسة التخلي تدعمون النظام). قال (لا ندعمه ولكننا لم نقم بالثورة) وقد ترك الرجل منصبه سريعاً لأنه أدرك خلل موقف بلاده أواخر عهد أوباما.

وأما ما يحدث في جنيف من حديث عن الدستور فهو خلط للأوراق بهدف التهرب من تشكيل هيئة حكم انتقالي، ومشكلتنا اليوم ليست في الدستور الذي تشكل من أجله اللجان، (وأنا شخصياً من أنصار الإبقاء على دستور 2012 مع تعديلات عليه بما يتعلق بترسيخ بقاء الأسد) وقضيتنا لا يحلها دستور دون هيئة حكم غير طائفي، ولا مشكلة مستقبلية مع العلويين، فكثير من أهل السنة وسواهم أولياء للنظام مثل الكثرة في العلويين وسواهم، إنها قضية صراع بين الديموقراطية وبين الديكتاتورية، حولها النظام وحلفاؤه إلى مشكلات طائفية حين دخل «حزب الله»يبحث عمن قتل الحسين، وعمن سبى زينب، وحين قال لافروف ( لن نسمح لأهل السنة أن يصلوا للحكم )، وأخيراً كحلت التصريحات «إيرينا ياروفايا» نائبة رئيس الدوما بقولها، «تشن روسيا في سوريا حرباً ضد الإرهاب ليس لمصالحها الخاصة فقط، بل لمصلحة جميع اتباع الأرثوذكسية»، وهدف كل هذه التخاريف هو التعمية على مطلب واضح وحيد أعلنه الشعب من أول مظاهرة (نريد الحرية والكرامة)، وليت النظام قال يومها، (تعالوا ولكم الحرية والكرامة) لقد قال للأسف (تعالوا وقبّلوا البوط العسكري).

المصدر: الاتحاد الكاتب: رياض نعسان آغا
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ