مبادرات خلّبيّة في الشأن السوري
مبادرات خلّبيّة في الشأن السوري
● مقالات رأي ١ يناير ٢٠١٥

مبادرات خلّبيّة في الشأن السوري

يطرح مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، مبادرة تجميد تدريجي للقتال في مناطق مختلفة من سورية، بدءاً بمدينة حلب، في مسعى يستهدف نشر الأمن في أكبر عدد من مدن سورية، وتطبيع أوضاعها وإمدادها بما تحتاج إليه من طعام وشراب ودواء، وأخذها نحو خطوة تالية، تتصل بالتفاوض على حل سياسي.
بدورهم، يطرح الروس مبادرة في زمن ليست المسألة السورية فيه أولوية أميركية، تركز واشنطن فيه على العراق ومحاربة الإرهاب، و"تدفش" القضية السورية إلى وقتٍ لا يعرف اليوم أحد متى يأتي، إن كان سيأتي أصلاً. يأمل الروس أن تمكنهم حركتهم من بلوغ حل ما، في زمن يظنون أن دور أميركا السوري يتراجع فيه، لأسباب بينها ما يعطونه من أولوية للحرب ضد الإرهاب، ولدورهم في العراق، والتحسن النسبي في أوضاع النظام العسكرية، وحاجة أوباما إلى تفاهم استراتيجي جديد مع إيران التي تضغط على إدارته، وتستغل خوفها من التورط في نزاع معقد وطويل في المنطقة عموماً، وسورية والعراق خصوصاً. ويعتقد الروس أن انشغالات أميركا تتيح لهم حرية حركة طليقة نسبياً، تخدم مخرجاتها مصالحهم بالدرجة الأولى، وأن هناك فرصة لنجاحهم في استدراج حضور معارض كثيف إلى موسكو، مع تفادي التخلص من بشار الأسد مدخلاً إلى الحل السياسي، أو شرطاً له، مع ما يمكن أن يفضي إليه ذلك في ظل أوضاع، هم الذين سيرسمون معالمها، بما يعنيه ذلك من أرجحية ينالونها على الصعيدين، السوري والإقليمي، بينما يتورط الأميركيون في حربٍ لا يعرفون متى تنتهي، وما إذا كانت ستنتهي حقاً.
إذا كان ما يقدمه دي ميستورا أقل من مبادرة، ويركز، في محاكاة للرؤية الروسية، على السوريين ودورهم المباشر في الحل، فإن الروس يكررون، اليوم، ما سبق لهم قوله منذ بدأ الصراع، وهو أن الحل يجب أن ينجزه السوريون فيما بينهم، وأنه لا يحق لأحد فرضه عليهم أو التدخل فيه، وأنهم لا يطلبون، لهذا السبب، تنحي بشار الأسد، لأن طلباً كهذا يعد تدخلاً أجنبياً يقرر الحل قبل التفاوض، وكلاهما ممنوع، فتنحي الأسد مسألة سورية وليس دولية، من صلاحيات المعارضة وحدها إقناعه به، إذا ما بقيت مصرة عليه، على أن لا يملي موقفها استقواءها بتطبيق اتفاق أو قرار دولي كجنيف واحد، على سبيل المثال، لأنه يقرر هو، أيضاً، نتيجة الحل قبل التفاوض، ويعتبر تدخلاً في الشؤون السورية!.

" الروس يكررون، اليوم، ما سبق لهم قوله منذ بدأ الصراع، وهو أن الحل يجب أن ينجزه السوريون فيما بينهم "

في منطق الروس، هناك ممنوعات ثلاثة، لا يجوز الاقتراب منها، هي: تحديد نتائج التفاوض بصورة مسبقة وخارج اتفاق الطرفين. تحديد أدوات الحل، كالقول بضرورة وجود "الهيئة الحاكمة الانتقالية" أداة تعمل لبلوغه. وجود مرجعية دولية سابقة للحل تعمل على تحقيقه، أو فرضه، في حال فشل الطرفان السوريان في التوصل إليه.
يجد الروس هذه الممنوعات الثلاثة في وثيقة جنيف واحد. لذلك يقولون بتجاوزها والامتناع عن جعلها إطارا للتفاوض، كما كان الأمر في جنيف 2، مع التأكيد، في المقابل، على أن بلوغ نتائج مطابقة لجنيف، عبر تفاوض سوري مباشر، وبدون شروط مسبقة، يعتبر أمراً مقبولاً في نظرهم. بكلام آخر: يقول الروس: اذهبوا وانخرطوا في تفاوض مع النظام، ليس هدفه محدداً مسبقاً، وليس فيه تحديد، أيضاً، للأداة التي ستوصلكم إليه، ولآلية بلوغ مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، وهي توافقكم مع أهل النظام على مشاركتهم برضاهم في الهيئة الحاكمة الانتقالية، كما يقول نص وثيقة جنيف.
على ماذا سيتفاوض المعارضون مع النظام، إن كان شرط دخولهم إلى قاعة المفاوضات تخليهم المسبق عن الانتقال الديمقراطي هدفاً يتم التفاوض في إطاره وقبوله المسبق، برضا الطرفين، وعن الهيئة الحاكمة الانتقالية كاملة الصلاحيات أداة ترسم الخطوات الضرورية لبلوغه وتنفذها، وعن قبول الطرف الآخر بالتعاون مع المعارضة كآلية تفاوضية؟ وعلى ماذا سيتفاوضون، إذا كان الروس يسقطون مرجعية التفاوض الدولية، على الرغم من أن موافقتهم على قرار مجلس الأمن رقم 2118، تلزمهم بالتطبيق الحتمي لجنيف واحد؟ وماذا يعني إسقاط المرجعية الدولية وإحلال مرجعية روسية محلها، غير الإبقاء على النظام وإفشال الحل السياسي الدولي الذي كانوا قد قبلوه هم والنظام، ويعلنون، الآن، تخليهم عنه، لصالح تفاوض مباشر، هدفه، كما قال ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي والممثل الخاص للرئيس بوتين، "إصلاح النظام"، أي التحاق المعارضة بالأسد، والتنكر لآلام الشعب وللثورة ولحرية الشعب السوري الواحد؟
سيكتشف الذاهبون إلى موسكو أنهم يقبضون على سراب، وأن القصد من لقائهم مع النظام ليس حرية شعبهم وأمنه، بل شقهم والتلاعب بهم، واحتواء بعضهم (أرجو أن لا يكون هؤلاء كثراً)، وان هذا هو الهدف الحقيقي المضمر للتفاوض، فضلا عن "حرقهم" وطنياً، وتحويلهم إلى أعداء لوطنهم، يضعون يدهم في يد الأسد، ويؤخرون سقوطه. عندئذ، سيندم من لن يفيدهم ندم، وسيكتشفون أنهم خُدعوا، لأنهم كانوا راغبين في أن يُخدعوا.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: ميشيل كيلو
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ