محصول شحيح لاجتماع الائتلاف السوري وهيئة التنسيق
محصول شحيح لاجتماع الائتلاف السوري وهيئة التنسيق
● مقالات رأي ٢١ يونيو ٢٠١٦

محصول شحيح لاجتماع الائتلاف السوري وهيئة التنسيق

جاءت اجتماعات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وهيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي، في بروكسل، في وقتٍ تشهد فيه المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تصعيداً عسكرياً كبيراً من النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، إضافة إلى انسدادٍ في المسار السياسي، بعد أن أفشل النظام والروس الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف 3، ما أجبر الهيئة العليا للتفاوض على تأجيل مشاركتها في عملية التفاوض، إلى حين توفير بيئةٍ مناسبة لها، بما يعني فك الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية والطبية إلى المناطق المحاصرة، وإطلاق سراح المعتقلين وإقرار النظام وحلفائه بأن الانتقال السياسي في سورية يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات.

وإذا كان مبرّر الاجتماعات التي تعد الرابعة في سلسلة اجتماعات بين الطرفين، هو "توحيد موقف المعارضة ورؤيتها للتطورات في سورية وآفاق الحل السياسي"، فإن التساؤل عن جدوى هذه الاجتماعات وغايتها، أي أنه، وبعد أكثر خمس سنوات من انطلاق الثورة السورية، وتحوّلها إلى حربٍ طاحنة، بدأها النظام الأسدي ضد الثورة وحاضنتها الاجتماعية، ما يزال كل من "الائتلاف" و"الهيئة" يحاولان إيجاد ممكنات توحيد موقفهما من الثورة، ورؤيتهما للتطورات الحاصلة في سورية.

ولعل الجديد الذي تمخضت عنه اجتماعات بروكسل هو دعوة الاتحاد الأوروبي إلى "تطوير دوره في دعم الحلِّ السياسي وإنجاحه، والمشاركة الفعالة في رعاية العملية التفاوضية"، مع أن القاصي والداني يدرك تماماً تبعية دور الاتحاد الأوروبي للدور الأميركي، المرهون بحسابات الرئيس باراك أوباما وإدارته من المسألة السورية برمتها، وأن لا حول ولا قوة للأوروبيين في الملف السوري، نظراً لأن الإدارة الأميركية أبعدت الأوروبيين عنه، وراحت تنسق مع الروس في إدارته.

غير أن المفجع هو أن محصول اللقاء شحيح جداً، ولم يكن بيانه الختامي في مستوى الضخ الإعلامي الذي رافق الاجتماعات، وتحوّل فيه كل من الائتلاف السوري وهيئة التنسيق إلى طرف ثالث في "الأزمة السورية"، حيث لم يجدا من القواسم والمشتركات سوى تأكيد "إدانتهما المجازر المروِّعة التي تشهدها سورية على يد الأسد وحلفائه، وخطط التهجير القسري، وحصار مناطق كاملة ومنع الغذاء والدواء عنها، واستمرار الاعتقالات وحالات الإخفاء القسري".

وبوصفهم طرفاً ثالثاً، لا مع النظام ولا مع الثورة، حسب لغة البيان وخطابه، "رأوا أن الشعب السوري، بمكوناته كافة، كان ضحية لإجرام النظام وعجز المجتمع الدولي عن توفير الحماية له، ما جعله عُرضةً للفوضى والتدمير والإرهاب في كل أشكاله، وشدّدوا على رفض أي احتلالٍ أو تدخل أجنبي". ولعل خطاب هذا البيان لا يختلف عن خطاب أيِّ حزبٍ أو تجمعٍ سياسي في أية دولة أخرى، غير سورية، ليس لديها سوى وصف ما يتعرض له الشعب السوري، وترفض بخجل أي تدخل أجنبي، من دون أن تسميه، وترفض كذلك أي احتلال من دون أن تسمي الدول التي تخوض حرباً للدفاع عن استمرار وبقاء نظام الأسد، حيث إن البيان لم يشر بكلمةٍ إلى ما تمارسه المقاتلات الروسية من قتلٍ للسوريين وتدميرٍ لأماكن عيشهم وسكنهم، ولا إلى إيران التي تزجّ آلاف المقاتلين من قواتها في القتال ضد غالبية السوريين، فضلاً عن زجّها مليشيات حزب الله اللبناني ومليشيات مذهبية أخرى، عراقية وأفغانية وسواها.

ويشير التقاء الجانبين، في هذا الوقت، إلى لقاء الضعفاء، حيث إن الائتلاف الوطني المعارض فقد وهجه وأهميته منذ أكثر من عامين، بفعل ظروفٍ ذاتيةٍ وموضوعية، لأنه لم يتمكّن من تشكيل مظلةٍ سياسية للسوريين أو لثورتهم، أما هيئة التنسيق فقد ولدت عاجزةً بحكم نشأتها وتركيبتها، وظلت تتعايش على رصيد شخصياتها السياسي، ولم تستطع أن تبني أي جسور تواصلٍ مع الناس في الداخل، لذلك توجهت إلى الخارج، وباتت تفتّش عن دور وظيفي لها، تمكّنت من استغلاله، خصوصاً بعد أن فقد الائتلاف دوره، وتقادمت وظيفته.

ولعل تساؤلاتٍ عديدة، تطاول مغزى اجتماع الطرفين، خارج إطار الهيئة العليا للتفاوض، مع أنهما ممثلان بقوة داخل الهيئة، وفي الوفد التفاوضي المنبثق عنها، ووقعا على بيان اجتماع الرياض للمعارضة السورية، الذي عقد في 9-10 ديسمبر/ كانون أول 2015، الذي أكد على "الالتزام بالحل السياسي الوطني وفق بيان جنيف (30 يونيو/ حزيران 2012)، والمرجعية الدولية، وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، وعلى قاعدة التوافقات الوطنية بين مكونات المجتمع السوري، من عربٍ وكردٍ وتركمانٍ وسريانٍ آشوريين وباقي الأطياف، بما يضمن مشاركتهم جميعاً، في بناء دولةٍ مدنيةٍ ديمقراطيةٍ وصوغ عقد وطني يُنظم الهوية الوطنية الجامعة للسوريين".

المشكلة أن كثرة اللقاءات والاجتماعات لقوى المعارضة السورية، كانت محصلتها صفريةً على الدوام، فيما يخص السير باتجاه دعم الداخل السوري، وممكنات الخلاص من الوضع الكارثي، نظراً إلى عدم قدرتها على التوصل إلى بنيةٍ جديدةٍ وقوية، تضع رؤيةً مشتركة، وتشكل قطباً ديمقراطياً، يوحّد الجهود ويدعم ويتواصل مع قوى الحراك، ويرتّب العلاقات مع القوى العربية والدولية. ولم تكُن المشكلة في تنوع الأطر السياسية للمعارضة السورية، ولا في الاختلافات الأيديولوجية، لكن أسباباً عديدة كانت تعرقل الوصول إليه، لعل أهمها العجز عن قيام المعارضة بالتأثير الفاعل في الأحداث، على الرغم من نزوع خطاب المعارضة إلى كشف هول المأساة السورية، حيث إن التركيز فقط على ما هو إنساني في الخطاب، واتخاذ موقف الضحية، يكشف فراغاً سياسياً وعدم القدرة على القيام بمبادرات. والنتيجة هي صدورها عن إفلاسٍ سياسي. إضافة إلى عدم وضع أي شروطٍ واضحةٍ للتعامل مع دول "مجموعة الدعم الدولية من أجل سوريا"، وكذلك دول "أصدقاء الشعب السوري" وسواها، وفقدان هامش المناورة السياسية، بما يفتح المجال للتفاعل مع التطورات. ولا ننسى أن حالة العطالة السياسية، الموروثة من عقود الاستبداد وانتفاء السياسة ومصادرتها في سورية، طبعت العمل السياسي المعارض بطابعٍ من الهامشية، وشوّهت الفعل السياسي، بوصفه ممارسةً تهدف إلى تغيير الواقع، وليس موقفاً أخلاقياً أو مبدئياً فقط، الأمر الذي يفسّر تعلق بعض المعارضين وتركيزهم على المواقف المبدئية فقط، مع غياب مقتضيات الفعل السياسي. يُضاف إلى ذلك غياب برنامج تغيير واضح لدى معظم قوى المعارضة وأحزابها، وتركيزها على الإرث الشخصي لبعض رموزها التاريخيين الذين تحولوا إلى ما يشبه أجساماً محنطة، بعد أن اطمأنوا إلى تاريخهم الذاتي، بل وحوّلوا السياسة إلى استثمار شخصي.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: عمر كوش
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ