مخيم اليرموك.. محور الممانعة والمقاومة الحقيقي
مخيم اليرموك.. محور الممانعة والمقاومة الحقيقي
● مقالات رأي ١١ مايو ٢٠١٨

مخيم اليرموك.. محور الممانعة والمقاومة الحقيقي

حين أطلقت عين الممانعة والمقاومة برقها ومن بعد رعدها على مخيم اليرموك الذي كان عاصمة لفلسطين بالشتات، وهو ذاته الذي احتضن أبناء فلسطين. بعد نكبة 1948 والذي شكل إطارا لإعادة بناء حركة اللاجئين ومعينا لا ينضب من المناضلين والقيادات والكوادر الذين قدموا تضحيات جلى بالقضية الوطنية. هو الآن تحت الرماد، ومن لا يعرف من الأخوة العرب المخيم نقول له المخيم كان يمثل حالة تعني استمرار النضال في سبيل حق العودة فهو مخيم لاجئين أي مبعدين قسرا عن ديارهم وممتلكاتهم، المخيم يا سادتي هو تعبير سياسي وإنساني عن قضية الشعب اللاجئ والضائع في أصقاع الأرض والمنقسم حسب الجيوسياسية التي فرضت تضاريسها وأمكنتها عليه.
 
مخيم اليرموك كان حياة أهل التغريبة الأولى الذين دخلوا إلى الأرض السورية أرض الأمان والتي تربطها بفلسطين رابطة روحية وقومية، وتوزعوا على عدة مناطق داخل سورية تحت عنوان مخيمات فلسطينية نعم مخيمات وعادة ما تستدعي كلمة المخيم في وعي ما يعنيه الوطن ذاك البعد الذي فقدناه بدفئه وحمايته بالهوية والتي فقدناها أساسا ليستعاض عنها بالوثيقة التي تضعك في مكان الفيش والتشبيه، والشبهة والاتهام، وبالإجراءات التي تمنع عنك أبسط ما يستحقه الإنسان، وفي الجهة المقابلة وجوه وأسماء تمتد على امتداد نشوء المخيم وما قبله وجوه خطت التاريخ وأسماء ساهمت في إعادة صناعته بدمائها وتضحياتها لتبقى في داخلي كما في داخل الآخرين أملا لا ينسى.
 
المخيم يا سادة الممانعة والمقاومة، يامن مانعتم وقاومتم أكثر من أربعين عام دون إطلاق طلقة صوب من تقاومون، واكتفيتم بالنياشين والأوسمة يامن لم تستطيعون الرد وكنتم تحتفظون به لأجل لا يعلمه إلا الله، المخيم كان يعني لنا هوية اللجوء ورمزا للاستمرار بالمونولوج؟ الاجتماعي الشعبي الفلسطيني وهو رمز الألم وتجلياته وعنوانا للأمل والعودة هو الآن ركاما ورماد، المخيم الذي كان ذاكرة الفلسطيني وهو بداية العودة اليها وهو المسكون بأحلام آباء ما بعد النكبة هو صهوة المعرفة فقد أنجب أنموذجا للثقافة العربية فمنه المناضل والطبيب، والمحامي والقاضي والمهندس والفنان والأديب والشاعر والإعلامي والأستاذ الجامعي والمدرس والمهني، وهو نهاية النكبة وصحوة اللاجئ وهو الخزان لرفد العودة وهو مصدر استمرارها وهو الذي بدل الخيمة معنى ومسارا من موطن ألم إلى فجر أمل وهو بمثابة عمل دؤوب كخلية نحل وهو قلب طافح بالشوق وذاكرة الفولاذ.

مخيم اليرموك ياأصحاب المؤتمرات الخلبية والبهلوانية والشيطانية يامن تتسولون على دماء أبنائه وعلى أنقاضه لينالكم من المشروع الكبير بعض بقايا من لقمة قد تلوكها أفواه الشركات المتعددة الجنسيات والتي لسوف تبادر في إعادة إعمار ما كان يسمى بمخيم لكن بشكل متطور وحضاري ذو طابع راق؟! هذا هو المخطط لإنهاء المعضلة الكبرى التي تكمن في تواجد المخيمات، وهذا المشروع سيعمم على جميع المخيمات مخيم اليرموك الذي كان يلقب بالمدينة التي لا تنام نامت عيونه أخيرا بفضل نيران وقذائف أبطال التشارين والنياشين، صناديد الممانعة والمقاومة، نامت عيونه وللأبد كي يصبح سجينا داخل أسيجة الذاكرة وأرشيف التاريخ الذي سيعلوه الغبار، نام المخيم وهو يعرف تماما أن أغلب أبنائه تأبطوا التغريبة الثانية مكررين اللجوء وأيضا قسرا ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر داخل أقبية الظلام في معتقلات وسجون النظام القاتل والطاغي، نامت عيونه وهو ينظر من خلال أنقاضه إلى الوطن الأم وكم كانت أمنيته أن تكون صرخة العودة من خلاله، ولا أعرف لماذا الآن تعود بي الذاكرة إلى عام 2009 حين أجرين بعض الحوارات مع بعض الشباب الفلسطيني في دمشق وكان محور السؤال ماذا يعني لك المخيم؟!

وكان أغلب الشباب من الشريحة الجامعية ومنهم من كان خريجا، سألت الأول ماذا يعني لك المخيم وهو الآن طبيب لاجئ لأحد الدول الأوروبية فقال باختصار المخيم نهاية النكبة وبداية العودة، اما الشاب الثاني فقال بعد أن تنهد، إن المخيم يعني لي وطني الذي يقطن الذاكرة ويعني لي هويتي والانتماء وهو صلة الوصل بين الموطن والوطن الأم ومنه تبدأ صرخة العودة، أما الثالث، فقال المخيم يعني لي ظل فلسطين وزغرودة جدتي الكئيبة ثم قال لكل الأماكن عيدين لكن بالمخيم كل يوم عيد بالرغم من بدره الشائك يظل يضيء كافة النواحي، وانتقلت بالسؤال إلى أستاذ محامي فقال المخيم هو الوطن والولادة وهو الهوية والانتماء وهو البيت الجماعي الذي حوى الأهل والشعب وجمعهم تحت عنوان لاجئ وضمهم كأسرة واحدة خوفا.

من الضياع والتفكك وقد شكل حافزا للحياة والتقدم والصبر على البلاء وهو المنبر الثقافي لثقافة المقاومة ومن خلاله يبدأ العمل لاسترداد كافة حقوقنا وأهمها حق العودة، وبعد ذلك توجهت بالسؤال إلى أستاذ جامعي، فقال المخيم يعني القضية الوطنية الفلسطينية ويعني العودة إلى الديار والممتلكات، المخيم يعني قرارات الشرعية الدولية قرار العودة 194. المخيم هو الطموح والنضال والاستمرار نحو الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وهو نقطة ارتكاز للحفاظ على الشخصية الفلسطينية من الذوبان في المجتمعات الأخرى.

نعم عزيزي القارئ هذا هو المخيم الذي كان الجسد الذي ذاق مرارة التنكيل والقتل والتهجير وهو ذاكرة التعب، كما هو الهوية والانتماء والحافز المثابر لاسترجاع الحق المغتصب والذي من المفروض أن ننطلق منه براية الحب والعظمة للعودة إلى الديار، لكن للأسف نامت عيون المخيم تحت الرماد بفضل من كان يدعي تحرير القدس سيكون من دمشق. تحية إلى عيون دمشق الياسمين والى أهلها الصابرين على الظلم، الرحمة للمخيم ولأبنائه الذين كانوا يحلمون بالعودة، والحرية للمعتقلين داخل سجون الظلم، هذا هو المخيم وهؤلاء أبنائه الذين كتب عليهم اللجوء تلو اللجوء، وخير الكلام ما قل ودل.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: أسامة سعداوي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ