معتقلون .... للبيع
معتقلون .... للبيع
● مقالات رأي ٣٠ ديسمبر ٢٠١٤

معتقلون .... للبيع

قتادة شاب عشريني من أحياء دمشق , عمل منذ بداية الثورة على تنظيم المظاهرات السلمية , تمّ اعتقاله في السنة الثانية من بدء الثورة .
في اجتماعاته السريّة مع أصدقائه كان هناك اتفاق , بأن من يعتقل منهم لا يشي بأصدقائه إلا بعد أن يصل بهم التعذيب إلى قلع الأظافر , يقول بابتسامه ساخرة " لم أكن أنوي إعطائهم المعلومات من الظفر الأول , لكنهم مع إصراري وصمتي , رفع المحقق عن عينيّ العصابة وقال لي : اليوم إن لم تتحدث سأرسلك إلى جميل حسن ... لقد جعلوني أعيد حساباتي .
في مرحلة الثورة كان فرع الجويّة بقيادة "جميل حسن"هو الأكثر دمويّة , الداخل إليه هو غالبا مشروع شهيد , جميل هو أحد أعمدة النظام الدمويّة التي بني عليها النظام الأسدي منذ الثمانينات و وفقا لقراءة الطيار عبد الناصر العايد لممارسات هذا الفرع فهو يرى أنّ
"جميل حسن مستقل كثيرا بقراراته عن بشار الأسد وهو من يدير سياسة الدولة بالمجمل.
والجدير بالذكر أنه تجاوز المدة القانونية بأربع سنوات حتى الآن وفقا للقانون السوري كان يجب أن يحال على التقاعد منذ خمس سنوات لكنه لم يُتقاعد بعد".
تأسّست شعبة المخابرات الجوية عام ألف وتسع مئة وثلاث وستين , لهذه الشعبة مهام أساسيّة أولها الدفاع عن رئيس الدولة وتأمين الحماية له , وهي كذلك مسؤولة عن أمن مطار دمشق الدّولي , و تأمين الحماية والسريّة لضباط الطيران والحفاظ عليهم من القوى الجاسوسية .
لكن حقيقة الجهاز لم تكن كذلك وفقا للطيار المنشق عبد الناصر العايد
"هو جهاز أنشأه حافظ الأسد كونه ضابط في القوى الجوية وعندما ترقى لوزير دفاع كان لديه أداة تنفيذية أمنية تسمى المخابرات الجوية وهي جهاز صغير أنشأه في نهاية الستينات , عندما قام بالانقلاب ,و أوكل مهمة هذه الشعبة إلى ضابط يدعى (محمد الخولي) برتبة ملازم أول ,أعطاه حافظ الأسد صلاحيات واسعة جدا وفي عهدته تضخم الجهاز كثيرا وأصبح لديه فروع كثيرة داخل دمشق وخارجها ,كان يعتمد على هذا الفرع بكل المهمات الأمنية ذات الحساسية العالية جدا,التي يوكله بها حافظ الأسد مباشرة,أيضا يتولى هذا الفرع حماية حافظ الأسد في المواكب الخارجية والداخلية ,وخلال الخمسة عشر عاما الماضية وأكثر, كان هو الرقيب على أجهزة الأمن الأخرى."
كلنا يعلم بالقصة الشهيرة , عندما طلب "جميل حسن"من بشار الأسد أن يطلق يديّه بمليون قتيل وينهي الاحتجاج من بدايته , و أضاف أنه مستعد لمواجهة محكمة الجنايات الدولية بنفسه .
عمليا فرع المخابرات الجويّة هو القوة الأمنية الأبرز في مواجهة الثوار و قمع الانتفاضة و الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان , لديهم مطلق الصلاحيات كما يرتؤون .
قلة من الشبان تخرج من أفرع المخابرات الجوية على قيد الحياة , ومن يخرج يسارع بالحديث عن فظائع شهدها هناك , يزن وعلاء نماذج قليلة كتبت لها حياة جديدة بخروجها , يزن جرجي عوض , اعتقل من قبل المخابرات الجوية , مع أربعة من أصدقائه ,اثنين منهم تمّ تحويلهم إلى صيدنايا ولا يعلم عنهم حتى اللحظة ايّ شيء , كان اعتقالهم بشكل عشوائي من الشارع
"غرف الدراسات عبارة عن غرفتين صغيرتين تستخدم في ساعات الازدحام ,عندما أدخلوني إليها , كان فيها مئة وستين معتقل وهي لا تتسع لأكثر من أربعين أو خمسين معتقل في يوم من الأيام تعطل شفاط الهواء لمدة ساعتين ووقع أكثر من عشر شبان بغيبوبة ,اثنان منهم لم يعودوا لا أعلم إن كانوا توفوا أم لا".
حاليا وفقا لمعتقلين مفرج عنهم حديثا أعداد المعتقلين وصلت في القاعات خمس مئة وأربعين معتقلا , أغلب المعتقلين فيها , أقدامهم متقيحة من شدّة التعذيب , بشكل يومي يستشهد هناك أكثر من ثلاثة أشخاص .
يضيف يزن "من يذهب لمبنى التحقيق القديم يصبح مشروع شهيد , التعذيب شديد جدا هناك , الجلادون وحوش حقيقية لا تشبه البشر ".
"فكرت بالانتحار وحاولت عندما نقلوني من القاعة إلى الزنزانة وكان رقمها إحدى عشر كانت تتسع لأربعة أشخاص وضعوا فيها 24 شخص معاناة لا تحتمل , , كان هناك رجل في الزنزانة بقدم مبتورة وكانت تنزف دماً باستمرار, أسندها الرجل على خصري".
خرج يزن من معتقلات الموت بعد خمسة أشهر ونصف , بعد أن ثبتت براءته , يتساءل حتى اليوم لماذا تمّ اعتقاله وبأي ذنب عذّب .
لكن مع تواجد عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون الأسد، ومع ظهور عشرات المقاطع المصورة لعمليات تعذيب في الفروع الأمنية، فضلاً عن غياب الكثير من المعتقلين واختفائهم , بدأ الأهالي يبحثون عن أي وسيلة لإنقاذ أبنائهم من الموت المحتم ,وهنا جاء دور أزلام النظام ليجنوا أموالاً ضخمة من ابتزاز أهالي المعتقلين .
"علاء" شاب فتيّ من درعا , نموذج عن شباب تمّ بيعهم من المعتقلات , تمّ اقتياده من قطعته العسكرية ، دون أي تهمة موجهة إليه، وبعد شهر من اختفائه، علم والده مكان وجوده ، وبدأ والده من خلال وسطاء التفاوض مع الضابط الذي اعتقلوه لإخراجه
"تعرضت خلال فترة اعتقالي لكل أنواع التعذيب , وضعوني في الممر وكل من يمر من جانبي يقوم بركلي وضربي وشتمي ...... لم أخرج بعفو , والدي تواصل مع سلسلة من الضباط اتفق معهم على خمسة مئة ألف ليرة سورية, مقابل إخراجي من السجن بعد خروجي تمّ تسليم المبلغ للوسيط .
أمضيت ثلاثة أشهر بعد خروجي من المعتقل أعالج جروحي ,كان جهازي المناعي بحالة انهيار.
خلال مدّة التفاوض والاعتقال تعرض علاء لأشد أنواع التعذيب والتجويع والإساءة النفسية دون توجيه تهم محددة له , لمجرد كونه من درعا مهد الثورة هو ذنب يستحق التعذيب حسب قوله .
"رموني بالمنفردة ثلاثة أيام دون ماء أو طعام هي مكان صغير جدا لا تستطيع فيه الحراك , وفي اليوم الرابع أعطوني زجاجة ماء ورغيف خبز واحد, كان التعذيب يومي لمدة ساعتين ليلا , يمنع علينا النوم ,كنا نتعرض لإرهاق نفسي وجسدي .
"لم أستطيع التوقف لمدة شهرين ونصف ,بسبب الجروح والتقرحات في قدمي ,كنت أحبو للحمامات كالأطفال ,هم يدفعون بالمعتقل لينهار نفسيا , أمضيت في المعتقل أسوء أيام حياتي".
يعمد وسطاء النظام ومبتزوا الأهالي إلى تعظيم التهم للمعتقل، للإيحاء بأن ابنهم أو ابنتهم لا يمكن أن يكتب لها الخروج من المعتقل إلا بدفع المبالغ الكبيرة.
وتكمن المصيبة لدى أهالي المعتقلين، بعد اجتهادهم في جمع المبلغ المطلوب لقاء الإفراج عن أبنائهم أو مجرد معرفة مصيرهم، ليتفاجؤوا فيما بعد بنبأ استشهادهم تحت التعذيب.
أضف إلى ذلك الآلاف من الحالات التي يتمّ بها تسليم أوراق المعتقل ورقم قبره , وبعد مدّة يخرج من المعتقل من يطمئن أهله بأن ابنهم حيّ يرزق .
فاطمة سعد رئيسة رابطة الدفاع عن المعتقلات تخبرنا عن سبب هذه الممارسات
بسبب عدد الوفيات الكبير وبسبب الأعداد الهائلة من المعتقلين لدى النظام , يتم توثيق المعتقل على انه توفي و يقومون بتسليم أوراقه , ثمّ يتم الاكتشاف أنّ هذه الأوراق لا تخص صاحب الجثّة , وقد حدثت أكثر من حالة من هذا النوع .
هناك عشرات الحالات التي وثقت وفقا لمركز الإحصاء , يتعمد فيها النظام سياسة التضليل , حيث يقدم أوراق وفاة لأهل المعتقل , ليتوقفوا عن البحث عنه والمطالبة به .
عندما خرج الناس في درعا , كانوا ينادون بالحرية , والكرامة , وحملوا شعارا لهم , واحد ... واحد .....واحد , الشعب السوري واحد .
ترى بعد كلّ هذا العنف داخل المعتقلات , هل سيخرج علاء ويزن و آلاف الشبان , لينادوا بوحدة الشعب السوري .
أيّ حقد وغضب يحملونه في ضلوعهم .

المصدر: شبكة شام الكاتب: إيرس محمد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ