معركة الباب في نظر تركيا والنظام السوري
معركة الباب في نظر تركيا والنظام السوري
● مقالات رأي ٢٦ أكتوبر ٢٠١٦

معركة الباب في نظر تركيا والنظام السوري

تسير التطورات العسكرية في محافظة حلب نحو مزيد من التصعيد ضمن مرحلة يمكن تسميتها بكسر العظم قبيل وصول رئيس جديد إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، وما يمكن أن يستتبعه ذلك من تغير في التعاطي الأميركي مع الأزمة السورية.

ولذلك يحشد النظام السوري وحلفاؤه قواتهم لاقتحام مناطق سيطرة المعارضة في الأحياء الشمالية الشرقية للمدينة وفي الأحياء الجنوبية الغربية وامتدادها في الريف الجنوبي الغربي، لا سيما نحو خان طومان ومحيطها.

وتبدو الأيام المقبلة على موعد مع دخول المعارك مرحلة جديدة بعد حصول ثلاثة تطورات:

الأول، فشل اجتماع لوزان، وما يعنيه ذلك من فشل روسي في تحصيل اتفاق أو هدنة تتوافق مع مصالح النظام.

الثاني، نجاح عملية «درع الفرات» في قضم مزيد من الأراضي لمصلحة فصائل «الجيش الحر» ومن ثم اقترابها نحو إطلاق معركة مدينة الباب.

ويبدو أن وصول عملية «درع الفرات» إلى هذه المرحلة قد استفز الأكراد بقدر ما استفز النظام الذي أعلن للمرة الأولى منذ بدء العملية أنه سيتعامل مع القوات التركية كقوات احتلال.

والغريب أن النظام لم يطلق مثل هذا التصريح منذ بدء عملية «درع الفرات» قبل نحو شهرين، لكن سيطرة فصائل «الجيش الحر» على دابق ثم التوجه غرباً نحو تل رفعت على غير ما هو متوقع، ثم إعلان الرئيس التركي أن بلاده مصرة على التوجه نحو الباب، تدل على أن النظام بدأ يشعر بتهديد حقيقي من العملية التركية التي إذا وصلت إلى الباب فإنها ستكون على تماس مباشر معه.

الثالث، معركة الموصل وتصريحات وزير الدفاع الأميركي عن ضرورة عزل تنظيم «داعش» في مدينة الرقة.

ولا تفضل روسيا والنظام وإيران انطلاق معركة الرقة من جانب حلفاء الولايات المتحدة، خصوصاً الأتراك و «الجيش الحر» وبعض القوى العربية داخل محافظة الرقة، لأن من شأن ذلك أن يمنح الأتراك سيطرة تامة على ضفتي الفرات، أي على شريط حدودي يمتد من أعزاز غرباً إلى تل أبيض شرقاً، وهي مسافة كبيرة جداً.

وفقاً لذلك، تتسارع خطوات الأطراف المتقاتلة، فبالنسبة إلى تركيا، الأولوية الآن هي لإكمال السيطرة على مدينة الباب، أو على الأقل السيطرة على محيطها الشمالي، قبل الضغط على منبج لدفع الأكراد إلى مغادرتها، وبالتالي إنهاء الترابط الجغرافي الكردي ليس فقط بين شرق الفرات وغربه، وإنما أيضاً تقطيع التواصل الجغرافي للأكراد في غرب الفرات وحصرهم في أقصى الغرب نحو عفرين وأجزاء من مدينة حلب.

أما بالنسبة إلى النظام وإيران وروسيا، فالأولوية الآن لمدينة حلب عبر خطين، الأول السيطرة على الأحياء الشمالية الشرقية للمدينة، والثاني قطع أي تواصل بين مدخل المدينة من الناحية الجنوبية الغربية والريف الجنوبي الغربي، أي منع أي تواصل للمعارضة في هذا الريف مع المدينة.

ولذلك شن النظام هجوماً على كتيبة الدفاع الجوي في ريف المدينة الجنوبي لخلق أسفين جغرافي بين المدينة والريف مع التحضيرات التي تجريها «جبهة فتح الشام» والفصائل الأخرى لشن هجوم على المدينة من الريف الجنوبي الغربي.

ولن تكون بلدة خان طومان بعيدة عن سيناريو المعارك بين الطرفين لما تشكله من أهمية كبيرة في معادلة الصراع في هذه المنطقة، فالبلدة تتمتع بموقع جغرافي هام كونها البوابة الجنوبية لمدينة حلب، وقربها من الأوتوستراد الدولي بين دمشق وحلب، فضلاً عن طبيعتها الجبلية.

أما الأولوية الثانية للنظام، فهي الحيلولة دون سيطرة فصائل «الجيش الحر» المدعومة من تركيا على مدينة الباب، ذلك أن السيطرة على الباب تعني وفق القاموس العسكري للنظام أن أنقرة ستكون مهيمنة على كامل الريف الشمالي والشمالي الشرقي لحلب.

وليس مفاجئاً أن التعزيزات العسكرية للنظام المرسلة إلى حلب كبيرة جداً، وبعضها جاء من مناطق بعيدة، مثل القلمون وحمص، وهي تتجه نحو موضعين هما الراموسة جنوب مدينة حلب، ومطار كويرس في الريف الشرقي لحلب.

المنطقة الأولى من أجل إحكام السيطرة على المنفذ الجنوبي لمدينة حلب قبيل الانتقال إلى مرحلة توسيع النطاق الجغرافي لقوات النظام في الريف، والمنطقة الثانية من أجل إطلاق معركة الباب قبل الأتراك.

لكن المشكلة التي يواجهها النظام في مدينة الباب هي ذاتها التي يواجهها الأتراك وفصائل «الجيش الحر»، وهي أن كلا الطرفين لا يملك القوة العسكرية الكافية للسيطرة عليها، فالمدينة تشكل الرقم الأصعب للتنظيم في عموم المحافظة، فهي عبارة عن قلعة متينة بسبب مساحتها ووزنها الديمغرافي، وبسبب الترتيبات الدفاعية التي جهزها التنظيم في المدينة منذ نحو عامين.

النظام ليس لديه هو وحلفاؤه العديد البشري والعسكري الكافي لإطلاق معركتين كبيرتين ومتزامنتين في حلب والباب، والأتراك لن يكون في مقدورهم تأمين الغطاء المدفعي للفصائل أثناء معركة الباب بسبب بعدها الجغرافي، في حين لا يمتلك «الجيش الحر» القوة البشرية والعسكرية وحده لدخول مثل هذه المعركة.

أما «قوات سورية الديموقراطية»، فقد أصبحت خارج معادلة معركة الباب بعد توسيع «درع الفرات» لمساحة سيطرتها الجغرافية في الريف الشمالي، بالتالي لم يعد للأكراد أي منفذ نحو الباب.

وعليه يمكن القول إن المشهد العسكري المقبل سواء في مدينة حلب أو في مدينة الباب لا يزال غير واضح بسبب تعقيدات التداخلات الإقليمية الدولية الحادة وتعقيدات موازين القوى المحلية وتداخلاتها.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: حسين عبد العزيز
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ