معركة جنوب سورية: من يحرّك ماذا؟
معركة جنوب سورية: من يحرّك ماذا؟
● مقالات رأي ٢٣ فبراير ٢٠١٥

معركة جنوب سورية: من يحرّك ماذا؟

انهالت الاتهامات من النظام السوري وحلفائه (إعلام حزب الله وإيران) على الأردن، في الأيام الماضية، بتهمة أنّه يحرّك الجبهة الجنوبية، ويقود عمليات المعارضة، من أجل السيطرة على كل درعا والوصول إلى تخوم دمشق.

وعلى الرغم من أنّ هذه الاتهامات غير صحيحة، كما يعرف النظام السوري، إلّا أنّها ليست مجّانية، ولها أهداف سياسية وإعلامية، في مقدّمتها التغطية على العملية العسكرية الكبرى، غير المسبوقة، التي يقودها حلفاء دمشق، بقيادة الجنرال الإيراني المعروف، قاسم سليماني، مع مليشيات تابعة لفيلق القدس (الحرس الثوري الإيراني)، ويشارك فيها حزب الله اللبناني مع أبرز قياداته العسكرية، لتغيير الواقع الحالي، بعدما أحرزت المعارضة السورية المسلّحة تقدماً عسكرياً ملحوظاً في القنيطرة وريف درعا.

الغاية من إقحام الأردن في الهجوم الإعلامي والسياسي وضع ضغوط شديدة، وقيود على الموقف الرسمي الأردني الرافض قيام محور النظام السوري بهجوم عنيف شامل على درعا، لما لذلك من آثار مباشرة وخطرة على الأمن الوطني الأردني الذي حافظ، خلال الأعوام الماضية، على "معادلة" عسكرية- أمنية مقبولة في جنوب سورية، عبر تهدئة تلك الجبهة، وبناء حالة من التوازن، بما يحدّ من آثار ذلك على الحدود الأردنية.

تتمثل خطورة ما يحدث، اليوم، على الأردن في جوانب استراتيجية مهمة، في مقدمتها القلق من أن يؤدي هجوم دموي كبير، كما يحدث حالياً في ريفي دمشق ودرعا، إلى الضغط على عشرات آلاف السوريين الصامدين إلى الهرب من نيران المعارك المحتدمة باتجاه الأردن، ما يعني ضغوطاً شديدة على الأمن والاقتصاد والوضع الديمغرافي- الاجتماعي.

من ناحية أخرى، إنّ انهيار قوات المعارضة أمام هذا الهجوم الشرس من عدة محاور سينقل المعارك إلى مقربة الحدود الأردنية، وسيؤدي إلى وصول إيران وحزب الله والمليشيات الشيعية الموالية لطهران إلى مناطق قريبة جداً، كانت، في الأعوام الماضية، ساكنة نسبياً، ما قد ينقل جزءاً أساسياً من الأزمة والمشكلات العسكرية والأمنية والسياسية إلى الحدود الأردنية مباشرةَ، وينهي نظرية "الوسادات" التي اعتمد عليها الأردن كـ"مصدّات" للأزمات في جنوب سورية وغرب العراق.

يعرف النظام السوري، تماماً، أنّ الأردن حافظ على حدوده الشمالية، وحرم المعارضة المسلّحة في حوران من السلاح النوعي، ولم يفتح الأبواب لجبهة قاتلة، كما حدث على الحدود التركية، لكن هذه المعادلة إذا ما تغيّرت، وأصرّ المحور الإيراني على البدء بـ"لعبة الموت" في جنوب سورية، فإنّه يمارس، بذلك، ضغوطاً شديدة على صانع القرار في عمّان، ليدافع عن الأمن الوطني، في مواجهة تداعيات ذلك، وهو ما كان الأردن قد حذّر حلفاء دمشق الروس منه قبل أشهر، بما في ذلك من تغيير جذري في قواعد اللعبة السياسية.

من الواضح أنّ القرار الأردني يتمثّل بعدم الانجرار لأي تورط في أي دور في ما يحدث في سورية، وليس من مصلحة الأردن، أمنياً واستراتيجياً، ذلك. وهذا الموقف لن يتغيّر، فمن المستبعد، على الرغم من قساوة الهجوم الحالي أن تكون هنالك تغييرات جذرية، إذ إنّ المعركة بالنسبة للمعارضة السورية وجودية، ربما تحدث تغييرات يريدها النظام السوري، سياسياً وعسكرياً، في مثلت ريف دمشق، ريف درعا والقنيطرة، لحماية دمشق وإضعاف الحاضنة الشعبية في ريفه، خصوصاً بعد الهجوم الصاروخي غير المسبوق لجيش الإسلام على العاصمة.
"تبدو النتيجة الموضوعية لضعف القوى المسلحة الحالية في الجنوب هي تحول ولاء فصائل وجزء من الحاضنة الاجتماعية نحو داعش"

إلّا أنّ الهاجس الرئيس الآخر يتمثّل، اليوم، في أنّ انهيار المعارضة المسلحة في جنوب سورية سيعزز من احتمال تمدد داعش إلى تلك المناطق، ونقل المعارك في شمال سورية وشرقها إلى الجنوب، بما يحمله ذلك من تغيير كامل على قواعد اللعبة، منذ بدء الصراع المسلح في سورية. وذلك، بالنسبة للأردن، خطّ أحمر غامق، في ظل الحرب الراهنة مع هذا التنظيم، تحديداً بعد استشهاد الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، وما تبعه من إعدام الأردن سجناء محكومين بالإعدام، محسوبين على التنظيم، وشنّ غارات جوية مكثّفة على معاقله، وزيادة جرعة الدور الأردني في التحالف الدولي، أمنياً وعسكرياً.

خلال الفترة الماضية، كانت درعا والمناطق الجنوبية بعيدة عن يد تنظيم داعش، لأسباب عديدة. لكن، مع تغيّر الاستراتيجيات الدولية والإقليمية، والمعاناة التي يجدها الجيش الحرّ والفصائل المسلّحة في تأمين السلاح والمال، نما حضور جبهة النصرة في الجنوب، وأصبح لها نفوذ كبير هناك، بل أصبح من أهم معاقلها الأساسية.

وعلى الرغم من العداء والخلافات بين النصرة والأردن، وخروج الجبهة عن الخطّ الذي رسمه الأردن لمعادلة الجنوب، إلّا أنّ مشكلتها مع الأردن لا تصل إلى العداء الذي وصلت إليه علاقة الأردن بداعش، فيما تبدو النتيجة الموضوعية لضعف القوى المسلحة الحالية في الجنوب هي تحول ولاء فصائل وجزء من الحاضنة الاجتماعية نحو داعش الذي يملك المال والخبرة المسلّحة، وأخذ يتمدد في المناطق السورية بسرعة كبيرة في الشهور الماضية.

خلاصة الأمر؛ لعبة الموت الحالية في الجنوب السوري لن تؤدي إلى حسم عسكري، كما يطمح محور النظام السوري، بل إلى انهيار القواعد التي حكمت تلك المعادلة سابقاً، والدخول في حالة من الفوضى الأمنية والعسكرية وتغيير السياسات والاستراتيجيات الإقليمية!

المصدر: العربي الجديد الكاتب: محمد أبو رمان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ