مفاوضات «جنيف 5» وفرص وقف النزيف السوري
مفاوضات «جنيف 5» وفرص وقف النزيف السوري
● مقالات رأي ١٦ مارس ٢٠١٧

مفاوضات «جنيف 5» وفرص وقف النزيف السوري

تحط رحال كل من وفد النظام و «وفود» المعارضة من جديد في جنيف، في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، ضمن جولة خامسة من مفاوضات يفترض أنها ستتناول الانتقال السياسي المنشود، كمقدمة لمرحلة انتقالية ينتهي فيها، ولو شكلياً، الحكم الاستبدادي القائم.

يذكر أن هذا الانتقال أضحى بمثابة واحدة من أربع «سلال»، ما يشكل رزمة، يفترض أن توضع على طاولة المفاوضات في آن معاً بالتوازي، إذ تناقش الوفود كل «سلة» منها، وستقسم الوفود بدورها إلى أربع جماعات، على فرض أن الأوضاع نضجت، عند النظام والمعارضة، للانتقال إلى مرحلة ما بعد مجرد إبداء «النيات»، التي يعتمدها المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي ميستورا لفرض حل سياسي للصراع الدائر منذ ستة أعوام.

بيد أن ما يجدر أخذه في الاعتبار أن الجولة التفاوضية المقبلة لا تأتي ضمن معطيات جديدة، لا عند النظام ولا عند المعارضة، على رغم أنها، في الوقت ذاته، تأتي ضمن تغيرات نوعية كبيرة في تموضع القوى الدولية والإقليمية داخل الأراضي السورية من جهة، وفي سياق تغييرات في واقع العلاقات الدولية بين الدول الفاعلة أو المؤثرة في الصراع السوري من جهة أخرى، ما يعيد تأكيد حقيقة أن الحل السياسي أو العسكري ليس في أيدي السوريين، على رغم تعدد منصاتهم وولاءاتهم وجهات دعمهم، وهذا بالنسبة إلى النظام أو المعارضة على حد سواء.

إلى ذلك، من المفهوم أن يستمر النظام في تعنّته وذهابه نحو مزيد من العنف لكسب مزيد من المساحات، في ظل مساندة ومشاركة فاعلة من حلفائه الإيرانيين والروس والميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية وغيرها، ولكن من غير المقبول أن تستمر أطراف المعارضة في تشتتها واختلاف رؤاها، مع انعكاسات ذلك على مكانتها التفاوضية، في وقت تنتزع منها الفصائل المسلحة أوراق قوتها على الأرض، بل تتحول تلك الأوراق، مع تنازع تلك الفصائل أو تقاتلها مع بعضها، إلى نقاط ضعف في أكثر من مكان من غوطة دمشق إلى جنوبها إلى شمال سورية، إذ يشير ذلك إلى افتراق الملف السياسي عن الملف العسكري، أو على الأقل عدم قدرة السياسيين على إيجاد تقاطعات نفوذ على الفصائل المسلحة.

هكذا لم تعد المفاوضات اليوم بين المعارضة السياسية والنظام، أو بين أصحاب نفوذ على مساحات كبرت أو صغرت من الخريطة السورية، أي بين النظام وفصائل معارضة مسلحة، بل هي مفاوضات بين دول باتت تبسط سيطرتها في الميدان، وعلى مسارات الصراع مع دول تتنازع معها على هذا النفوذ، ما جعل العملية التفاوضية مجرد قناع لنزاعات ومساومات دولية، تتغير معالمها عن سابقاتها من الجولات التي عقدت منذ عام 2014 وحتى نهاية الجولة الرابعة في الثالث من هذا الشهر، ولعل هذا ما يجعل دي ميستورا يقر بذلك صراحة في إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي في 8 من الشهر الجاري بقوله «إن مستقبل سورية ليس في أيدي السوريين فحسب».

ولعل دي ميستورا في إحاطته هذه، يحاول أن يجد للسوريين منفذاً إلى طاولة التفاوض «الشكلية»، حيث يعلم الجميع أن التفاوض الحقيقي في مكان آخر وبين أطراف آخرين أيضاً، وذلك من خلال حرصه على وضع تصور كامل لما يمكن نقاشه داخل القاعات التي ستناقش «السلال» الأربع المقترحة، وهي: «الحوكمة»، وتعني إنشاء حكومة انتقالية تمثيلية وغير طائفية، وصوغ الدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب، على أن تنتهي هذه العملية في غضون 18 شهراً، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

ولم ينس المبعوث الدولي التلويح، للمنتظرين من الدول، بأن ملف إعادة الإعمار قد يدرج أيضاً كسلة إضافية، ربما لإثارة الشهية الاقتصادية ولجلب التشجيع على تسهيل إيجاد الحلول في السلل السابقة.

في هذا السياق، من المستغرب أن بعض أوساط المعارضة يحمل دي ميستورا مسؤولية تعثر العملية التفاوضية، وتحديد جدول الأعمال، وحتى تشكيله وفد المعارضة، في حين أن الرجل هو مجرد موظف، أو مسيّر، يعكس في مواقفه، أو في تسييره العملية التفاوضية، الإرادة الدولية، وتحديداً إرادات الفاعلين الدوليين والإقليميين في مسارات الصراع السوري، وهذا على ما يبدو ما لا تدركه هذه الأوساط أو تتصرف باعتبار أنها لا تدركه.

أيضاً، تأخذ هذه الأوساط ذاتها على دي ميستورا طرحه التوازي في نقاش القضايا السياسية، في حين يفترض أن النظام هو المتضرر من فتح النقاش في كل هذه المسائل دفعة واحدة، ما يعني أن المعارضة غير مهيأة لمناقشة هذه الأمور، أو أنها لا تعي أهمية فتحها كلها في آن معاً، لكشف النظام، هذا مع إدراكنا حقيقة أن مصير المفاوضات لا يتعلق بهذه الجولة أو تلك، ولا بالمفاوضات بين النظام والمعارضة، وإنما بمدى حسم الدول الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة موقفها، لجهة وقف الصراع السوري وإيجاد حل له. ضمن ذلك يبدو أن من مصلحة المعارضة القبول بالشروع ببحث كل الملفات، فهي لن تخسر شيئاً، سوى كشف حقيقة النظام، وعدم التسهيل عليه عملية التنصل من هذه القضايا. لكن قبول المعارضة لذلك يفترض أنها مهيأة، وأن لديها رؤية لكل ملف من الملفات المطروحة على المفاوضات، وهذا ما يدرك قادة المعارضة أنهم لم يعملوا من أجله على نحو صحيح، ليس خلال الأيام المنصرمة فقط بل خلال سنوات، حيث تتطلب هذه الرؤية الحصول على توافقات وطنية، كان من واجب «الائتلاف» العمل عليها، خلال الأربع سنوات ونصف السنة من عمره. هذا ينطبق على «الهيئة العليا للمفاوضات» أيضاً، التي كان من واجبها العمل على عقد «مؤتمر وطني» يوحد رؤية المعارضة للحل السياسي، وصوغ ورقة دستورية، وتنظيم عملية التفاوض وفق مشروع وطني يسقط المحاصصات الهوياتية، الطائفية والإثنية والفصائلية، المضرة، التي تمّ بموجبها تشكيل الوفود من أطراف المعارضة، التي تجلس تحت سقوف منصاتها، وعندها كان يمكن أن تُترك للنظام فرصة رفض هذا الترتيب، بدل أن تتبرع هي برفض ذلك عنه، أو إعلان تبرمها أو تشكيكها به.

يملك النظام كل الأسباب التي تجعل من مناقشة السلال الأربع دفعة واحدة خطراً على بقائه، الذي يعول عليه، من خلال إطالة عمر المفاوضات تارة، وتعطيلها تارة أخرى، في حين أن السير في خطوات التفاوض وفق ما وضعه المبعوث الدولي، يمكّن المعارضة من إنجاز ما عليها - في حال كانت رؤيتها متكاملة للحل السياسي- وتحقيق ما طالبت به المجتمع الدولي من التزام ضمانة ما يتم التوصل له.

ولعل الأهم الذي يجب الانتباه إليه أن التزام الفترة المحددة يقتصد الوقت الذي تمر عقاربه على أجساد السوريين حصاراً واعتقالاً وتعذيباً وتشريداً، ويدفع القوى الفاعلة الدولية والإقليمية باتجاه تحديد مواقعها النهائية على الخريطة السورية المرسومة بالدم، بأسرع وقت، وبأقل أكلاف ممكنة.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: سميرة المسالمة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ