«السيناريو الشيشاني» في الحرب الروسية على سورية
«السيناريو الشيشاني» في الحرب الروسية على سورية
● مقالات رأي ٣١ أغسطس ٢٠١٦

«السيناريو الشيشاني» في الحرب الروسية على سورية

استأنفت روسيا حربها المدمرة على سورية انطلاقاً من مدينة حلب. سبق لروسيا، ولفترة قصيرة جداً ادعاءها الانسحاب من الحرب في سورية، ولم يكن في الحقيقة سوى ادعاء كاذب. منذ فترة، تحتكر الطائرات الروسية سماء المدينة، وتمعن في تدميرها على من فيها من سكان مدنيين أو مقاتلين، وعلى بناها ومبانيها. يذكّر التدمير الروسي لحلب بما جرى لمدينة غروزني في الشيشان، والتي قادت تمرداً على السيطرة الروسية وطالبت باستقلالها عن الاتحاد، فكان جواب الرئيس الروسي بوتين مسحها من الوجود وتحويلها ركاماً وأطلالاً. يبدو أن هذا الأسلوب قريب جداً على قلب قائد روسيا في تعامله مع شعوب بلده وغيرها من الأوطان.

لا شك في أن روسيا تخوض حربها الخاصة لتأمين مصالحها في المنطقة ونفوذها على البحر المتوسط. آخر الهموم في عقل بوتين هو الشعب السوري أو النظام أو الرئيس الأسد نفسه، وإن يكن شعار التمسك بهذا الأخير ليس سوى شماعة تبرر له التدخل. يستفيد بوتين من التردد الأميركي ومن إخلاء الساحة وتركها في فراغ. هذا الفراغ ملأه بوتين كأفضل وسيلة للتدخل.

ما يدور في سورية هو عملياً حرب بين «الكبار» من القوى العظمى، حيث لا مكان فعلياً للقوى «الصغيرة» مثل إيران والميليشيات التابعة لها أو لتركيا وقواها أو لسائرالقوى الإقليمية. دور هذه القوى تأمين الغطاء لحروب الكبار. أما الشعب السوري وما يصيبه وما يعانيه، فلا يقع في حساب لا الكبار ولا الصغار. سورية مساحة لحروب بديلة ولتصفيات القوى العظمى لنزاعاتها الخارجية، والأكثرمن ذلك ميدان إجراء التسويات أو التمديد للحروب.

الجديد في الحرب الروسية المدمرة على سورية هو استخدام قاعدة «همدان» الإيرانية في انطلاق طائراتها لضرب مدينة حلب وغيرها من المدن. لا شك في أن الكثيرين ذهلوا من السهولة التي سمحت فيها إيران بانتهاك سيادتها والتسليم بوجود قوى عسكرية خارجية على أرضها. لا يقنع الكلام الإيراني عن أن السماح لروسيا باستخدام قواعدها الجوية لا يعني وجوداً عسكرياً على الأرض. فألف باء العلم العسكري الذي يعرفه الإيرانيون جيداً، أن وجود الطائرات في القواعد العسكرية يحتاج إلى قوى لوجستية وإلى قوى حماية لها. ومن يعرف العقلية الروسية العسكرية يعرف أن القيادة فيها لا تثق بحماية جنود إيرانيين لهذه الطائرات ولطواقمها العسكرية واللوجستية. إذاً القرار الإيراني هو مس بالسيادة اتخذته القيادة طوعاً، وهو فريد من نوعه منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، بل هو سابقة لم يجرؤ شاه إيران نفسه على السماح للأميركيين، أصدقائه وحماته، بإعطائهم هذا الحق بالتواجد العسكري.

ما بات واضحاً أن ما أملى على إيران شرب «كأس السم السيادي» هو فشلها الواضح في إنهاء الحرب العسكرية في سورية، وفي العجز عن السيطرة على مدينة حلب بعد أن تكبدت مع حلفائها والميليشيات التابعة لها خسائر جسيمة. يرى الإيرانيون أن هذا الحلف مع روسيا سينقذ ماء وجههم في حـرب طالت وستطول حكماً، وتوقعهم أن الجيوش الإيرانية مقبلةٌ على الغوص في رمالها ووحولها أكثر من أي وقت مضى. فهل يكون التدخل الروسي وسيلةً إنقاذ لإيران فعلاً، مثلما سيكون إنقاذاً للأسد ونظامه؟ الجواب في ما ستحمله الأيام المقبلة من مسار الحرب.

لا يقع في باب التكهن أن الروس ستفاجئهم تعقيدات في مسار الحرب وردود الفعل عليها. فالاستكانة للتردد الأميركي وعدم الانغماس في المواجهة قد لا يعني تسليماً لروسيا بحسم الحرب. عودنا الأميركيون على سياسة مراوغة لا تضع في الحسابات سوى مصالحها، ولا تأخذ في الاعتبار مصالح الأوطان والشعوب، كما هي روسيا.

يصعب أن تبقى أميركا خارج اللعبة، ويصعب أن تقبل بتسليم المنطقة لروسيا، وهي الخصم لها في أوكرانيا وأكثر من منطقة في العالم. تملك أميركا وسائل متعددة لوضع العصي في الدواليب الروسية، وليست مضطرةً للنزول إلى الأرض للقيام بذلك. قد نرى الأميركيين فجاةً يغذون قوى معارضة بأسلحة نوعية تهدد الطيران الروسي، وقد يكون العقل الأميركي في وارد إغراق روسيا بأفغانستان أخرى. هذه التوقعات تنبع من معرفة العقل العسكري الأميركي، ومن الإشارات الاعتراضية التي بدأت تبثها الإدارة الأميركية احتجاجاً على العمليات العسكرية الروسية في سورية. ستظهر الأسابيع المقبلة ما إذا كانت التسوية على سورية قد نضجت لدى الكبار، أم أننا أمام مراحل جديدة من الحرب. قد يكون التوقع الثاني هو الأرجح.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: خالد غزال
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ