ملحمة حلب الكبرى
ملحمة حلب الكبرى
● مقالات رأي ٥ أغسطس ٢٠١٦

ملحمة حلب الكبرى

يحق للسوريين أن يعتبروا معارك فك الحصار عن حلب ملحمة كبرى، لأن الذين يحاصرون حلب هم محتلون جاؤوا من إيران ومن ميليشيات طائفية من «حزب الله» ومن العراق والأفغان فضلاً عن الاحتلال الروسي، وليس لقوات النظام السوري سوى دور لوجستي بسيط، تساعد فيه المحتلين على إحكام حصارهم لحلب، ولجعل ثلاثمئة ألف سوري من المدنيين أسرى بيد المحتلين الذين رأينا ما يفعلون بالمحاصرين في مضايا والمعضمية وغوطة دمشق حيث مات المئات جوعاً ومرضاً، وكان على العالم كله أن يبذل جهوداً ضخمة لإدخال حليب للأطفال وأدوية للمرضى. ونذكر أن الجهود الأممية لم تفلح في داريا بأكثر من الموافقة على إدخال الفلافل وتم بيعها من قبل شبيحة الحواجز للمحاصرين جوعاً. ولقد كان إعلان وزير الدفاع الروسي عن ممرات إنسانية تأكيداً أنه لا دور للنظام السوري فيه، ولذلك لم يُسمح لوزير الدفاع السوري بأن يصرح بشيء يتعلق بمجريات الحصار، وهذا ما جعل السوريين يرون فك الحصار بداية حرب تحرير من الروس والإيرانيين ومن الميليشيات التابعة لإيران، وقد ظهرت دعوات شعبية تطالب المعارضة الوطنية بإلغاء تسمية «مسلحي المعارضة» وإعلان اسم جديد هو «المقاومة السورية».

وهنا يبدو الخلل الاستراتيجي في الرؤية الروسية التي وقفت إلى جانب نظام راحل بدل أن تقف مع شعب باقٍ هو الذي يضمن لها مصالحها، ولو أن الروس تركوا الصراع يدور بين السوريين وحدهم -نظاماً ومعارضة- لكان الوصول إلى الحل السياسي أسهل، حيث يكفي أن يبتعد الأسد عن كرسي الحكم هو وثلة من أركانه ممن تسببوا بدمار سوريا عبر حلهم الأمني والعسكري الذي ظنوه حاسماً فإذا هو يدمر الجميع (وقد حذرنا النظام من حماقة هذا الحل قبل الواقعة فلم يصغِ أحد، وقد أخذتهم العزة بالإثم) ولكن روسيا تمسكت بالأسد لتفرضه على السوريين قهراً، بينما تمسكت المعارضة ببقاء الدولة ومؤسساتها فقبلت بمشاركة مع النظام في حل وسط، سماه المجتمع الدولي «بيان جنيف» ورسمت طريقه قرارات الأمم المتحدة عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي، وتضم هذه الهيئة المقترحة ممثلين عن النظام، وممثلين عن المعارضة، وممثلين عن الجهات المستقلة والتكنوقراط، وتكون هذه الهيئة ذات صفة تنفيذية بالإضافة إلى مهمة تشريعية هي إصدار الإعلان الدستوري. كما تكون مسؤولة عن تشكيل مجلس عسكري يضم إلى الجيش النظامي، الضباط المنشقين وممثلين عن الفصائل العسكرية المعارضة الوطنية، وهذا المجلس يقوم بإعادة الهيكلة، كما تقوم الهيئة بتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية، وبتشكيل حكومة، وتدعو إلى مؤتمر وطني شامل، يتولى مسؤوليات المستقبل، وتعد جمعية مختصة منه دستوراً جديداً للبلاد، يُعرض على الشعب في استفتاء برقابة دولية، وفي الوقت ذاته تقوم الهيئة بالدعوة إلى انتخاب برلمان جديد، تنجم عنه حكومة جديدة. وأما العقد الاجتماعي الجديد فيقوم على أساس المواطنة في دولة مدنية ديموقراطية.

ولم يكن رفض النظام لـ«بيان جنيف» وقرارات الأمم المتحدة مفاجئاً، فالنظام يبحث عن ضمان بقاء الأسد رئيساً، بينما تبحث المعارضة الوطنية عن بقاء سوريا ودولتها على قيد الحياة، وتدرك أن بقاء الأسد سيعني استمرار الصراع وتصاعده، ولن يكون معقولاً أن يقود الأسد المرحلة الانتقالية، وأن تقدم هيئة الحكم الانتقالي له الطاعة وهو المسؤول الأول عن الفاجعة السورية وعن قتل مليون مواطن واعتقال مئات الآلاف وقتل العدد الأكبر منهم تحت التعذيب، وهو المسؤول عن تشريد ملايين السوريين وهدم منازلهم بالطائرات والبراميل التي دمرت سوريا، والقبول ببقائه يمنحه فرصة التنكيل بكل من عارضوه، والانتقام من الشعب الذي خرج عن طاعته.

وقد اختار الأسد الحسم العسكري رافضاً بخطاب علني «هيئة الحكم الانتقالي»، وجاء حصار حلب انتصاراً هلّل له شبيحة النظام بوصفه فاتحة لحصار إدلب، وإنهاء للمعارضة الوطنية بذريعة مكافحة الإرهاب، وكانت الخطة التي حددت في بداية أغسطس 2016 أن ينتهي حلفاء الأسد من إحكام السيطرة على المعارضة العسكرية ومن ثم يدعون هيئة التفاوض إلى جنيف وقد فقدت كل قواها.

ومن هنا تأتي أهمية فك الحصار عن حلب، وقد بدت مهمة مركبة، فهي القادرة على إعادة التوازن، وهي القادرة على تحرير حلب من قبضة الاحتلال الثلاثي (روسيا وإيران والميليشيات الطائفية) وسيكون تحرير حلب إن شاء الله مصدر قوة في الحفاظ على حقوق الشعب الذي قدم ملحمة العصر من أجل كرامته وحريته.

المصدر: الاتحاد الكاتب: رياض نعسان آغا
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ