ملف الجنود اللبنانيين الأسرى ورقة تفاوض إيرانية
ملف الجنود اللبنانيين الأسرى ورقة تفاوض إيرانية
● مقالات رأي ١٤ ديسمبر ٢٠١٤

ملف الجنود اللبنانيين الأسرى ورقة تفاوض إيرانية

حوصرت قضية الجنود اللبنانيين الأسرى لدى تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بكمّ كبير من الملابسات والتعقيدات، حيث لم تعد شأنا لبنانيا بل كادت صلتها باللبننة على مستوى الحلول والوساطات تكون معدومة.

يعود تفخيخ هذه القضية إلى تراكمات سابقة بكثير على وقوعها وتتعلق بشكل خاص بقضية المحتجزين الإسلاميين في السجون اللبنانية، وهي القضية التي لم تتم تغطيتها قانونيا ولا قضائيا، فارتدت تاليا شكل اعتداء سافر من طرف المخابرات السورية التي كانت تحكم لبنان آنذاك وملحقاتها اللبنانية وأبرزهم حزب الله على المكوّن السني.

هذه الأزمة المفتوحة انفجرت بعد تطور الأحداث ودخول حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري وأصبحت واحدة من علامات الصراع الذي ارتدى شكلا طائفيا.

بات هؤلاء المسجونون عنوانا للتنازع بين من يحملون لواء الدفاع عن السنة وبين حزب الله الشيعي حليف النظام السوري والذي يسيطر على الحكومة اللبنانية ويمنعها من إنجاز أي تفاوض جدي يمكن أن يؤدي إلى إنجاح عملية المقايضة التي تطالب بها الجهات الخاطفة. كل مرة تظهر فيها انفراجات في الملف تشي بقرب التوصل إلى حل يبادر الحزب إلى خطوات تصعيدية، لا تعيد الأمور إلى نقطة الصفر وحسب بل وتساهم في إضفاء تعقيدات جديدة عليها.

أبرز مثال على ذلك هو ما قامت به مؤخرا مخابرات الجيش من اعتقال سجى الدليمي التي قيل إنها زوجة خليفة داعش وآلاء العقيلي زوجة أبي علي الشيشاني، ما استثار ردود فعل غاضبة تسببت بإعدام الجندي علي البزال.

بات من الواضح أن حزب الله وإيران من ورائه لا يريدان لهذا الملف نهاية سعيدة، أو يريدان أن يدفع الجميع ثمنا باهظا مقابل تسهيل التوصل إلى حلول فيه. ولا يبدو هذا الثمن داخليا على الإطلاق بل يتصل بشكل مباشر بالحرب المستعرة في المنطقة والتي تتجاوز سوريا لتصل إلى العراق وإيران.

الثمن الذي تريد إيران الحصول عليه هو إجبار الجميع على إدراجها في سياق الحرب على الإرهاب، ومن ثمة تفكيك كل منظومات العقوبات الدولية ضدها وحلحلة ملفها النووي التي أعلنت مؤخرا عن موعد جديد لإعادة انطلاق المباحثات بشأنه، وإعادة العراق إلى دائرة نفوذها، وإعادة إحكام سيطرتها على الوضع الداخلي في إيران حيث تسببت العقوبات في أزمة اقتصادية خانقة جعلت إمكانية ظهور حركات احتجاج عامة وواسعة أمرا ممكنا.

تريد إيران أن تضع كل البيض في سلتها مقابل تسهيل موضوع الجنود الأسرى ودور حزب الله يقوم على السيطرة على عرسال وإقفال دروب التسلل على المقاتلين لرفع الضغط عن قوات النظام الأسدي التي عانت من خسائر كبيرة في الجبهات الجنوبية.

قضية الجنود الأسرى ارتبطت موضوعيا وميدانيا بعرسال فقد سبق المعركة التي أسر الجنود إثرها تصعيد سياسي وميداني وتحريض كبير ضد عرسال ثم انفجرت المعركة التي كان يراد لها أن تتوسع أكثر بكثير من الحدود التي فرضها قائد الجيش العماد جان قهوجي والذي خسر إثرها تأييد حزب الله كمرشح قوي لرئاسة الجمهورية.

حزب الله كان ينوي محاصرة مجموعات من المقاتلين بالقرب من عرسال، ودفعهم إلى اللجوء إلى داخل القرية، ثم دفع هؤلاء إلى فتح معركة مع الجيش يشارك هو فيها تؤدي إلى تدمير عرسال واحتلالها وتوصيفها كبلدة إرهابية. فعل ذلك ونجح في دفع بعض المقاتلين إلى داخل البلدة حيث شرعوا بإطلاق النار على الجيش.

ما لم ينجح في صناعته هو الصفة التي دخل فيها هؤلاء إلى القرية، فهم لم يدخلوا بشكل طبيعي ولم يكونوا مرحّبا بهم، بل دخلوا كغزاة وفتحوا معركتهم مع الجيش.

الحزب كان يرفض مبدأ المقايضة وكان يسعى إلى إخراج الجنود عبر عملية عسكرية وقد نشرت معلومات منذ فترة تفيد بأن الجيش اللبناني قد قام بمشاركة الحزب بعملية عسكرية لإنقاذ الجنود وقد فشلت تلك العملية وتسببت بمقتل واحد أو أكثر من الجنود الأسرى. بعدها أفادت بعض المصادر أن الحزب عمد إلى قصف مكان وجود الجنود كي يقضي عليهم ويتهم الجهات الخاطفة بتصفيتهم، كي يتسبب في حالة غضب وجنون عارمة تتيح له تنفيذ مشروع شيطنة عرسال.

كذلك تم إطلاق النار على وفد هيئة العلماء المسلمين وهو عائد من إحدى جولاته التفاوضية وقد اتهم الجيش اللبناني بأنه هو من أطلق النار. الالتباس شمل كذلك مهمة الموفد القطري حتى بات البعض يشكك في وجوده أصلا، ففي حين تشير معلومات تنشر في وسائل الإعلام اللبنانية مسربة من جهات حكومية حول تقدم في مسار التفاوض من خلال جهود الموفد القطري، كانت جبهة النصرة تصدر بيانات تقول فيها إن أحدا لم يفاوضها.

القشة التي قصمت ظهر البعير في هذا المسار كانت نجاح حزب الله في إطلاق سراح أسير لديه عبر عملية مقايضة مشبوهة تمت عبر مبادلة العقيد في الجيش الحر مرهف الحسين ومعتقل آخر كانا محتجزين وكان الأمن العام قد سلمهما الى حزب الله، وهو أمر يعمق تعقيد المسألة ويضرب مصداقية مدير الأمن العام عباس إبراهيم، ويضع على المحك مسألة استمرار نشاطه التفاوضي مع النصرة وداعش.

زيارة المالكي السريعة والغامضة إلى لبنان يمكن إضافتها إلى سلسلة التعقيدات التي تتراكم في قضية الأسرى، فقد رشحت معلومات تفيد أن السبب الفعلي لزيارته هو محاولة الإفراج عن نجله الذي ألقي القبض عليه في لبنان وبحوزته مبلغ هائل من المال المهرب يبلغ 1.5 مليار دولار أميركي، وهو الأمر الذي لم ينجح في تحقيقه فغادر لبنان سريعا خاصة أن المحامي اللبناني طارق شندب كان قد رفع دعوى قضائية ضده أمام النيابة العامة التمييزية بتهمة مشاركته في تفجير السفارة العراقية في بيروت في 15 يناير 1981.

هذا المعطى يرجّح أن المالكي كان يحاول مع حزب الله الإفراج عن هذه الأموال لاستخدامها في تمويل الحزب في اللحظة التي بات فيها يعاني من شح شديد في التمويل القادم من إيران ما تسبب بظهور بعض الحركات الاحتجاجية غير المسبوقة داخل الحزب. وفشل هذا التفاوض قد يكون سببا إضافيا لزيادة تعقيد مسألة الجنود الأسرى.

حزب الله كان قد بادل أسيره بعناصر في الجيش الحر. وتؤكد مصادر عديدة أن لا أسرى أحياء لديه من جبهة النصرة ولا من داعش في حين تشير المعلومات إلى وجود ثلاثة أسرى على الأقل له عند عناصر النصرة وداعش الذين يتمركزون في جرود عرسال القلمون، لذا فإن لا أوراق لديه للتفاوض وهو يستعمل ملف الأسرى بطريقة مواربة للتوصل إلى الإفراج عن عناصره واستعادة جثث قتلاه بشكل بعيد عن الأنظار، في حين أنه حين كان يملك خطا مباشرا للتفاوض فإنه لم ينتظر أحدا وبادر إلى إنجاز المقايضة بنفسه.

كذلك وفي قراءة أوسع تتصل بالنزوع الإيراني لاستغلال مسألة الجنود لتركيب سياقات تدخلها إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب نرى أنها دفعت بالنظام السوري وحزب الله إلى التضييق على الجيش السوري الحر وتفكيك قوته وإشغاله على جبهتين واحدة مع النظام وأخرى مع داعش. خسر الجيش الحر خلال هذه المواجهات الثنائية المكلفة الآلاف من عناصره وقوته، وكان النظام لا يحاول استعادة السيطرة على المناطق التي ينتزعها النظام من الجيش الحر، بل يتركها ويعمد إلى محاربة الجيش الحر في ما تبقى له من مناطق.

جل منطقة نفوذ داعش في سوريا الآن كانت سابقا واقعة تحت سيطرة الجيش الحر. هذا الأمر انعكس على طبيعة الوجود العسكري على الحدود المتاخمة للبنان التي انحسر فيها وجود الجيش الحر بشكل كبير وبات يشكل هامشا أمنيا وعسكريا، وباتت الغلبة بشكل واضح للمنظمات الخاضعة لتوصيف الإرهاب.

من هنا بات صراع حزب الله ضدها يؤمن مشهدا تحاول إيران من خلاله إغواء التحالف الدولي بضمها إليه من خلاله، وهو أمر حاولته في العراق ولكنه لم يلق انتباه التحالف، لذا فإنها تلجأ إلى الخاصرة الأضعف في المنطقة وتحاول استخدام ملف الجنود الأسرى من أجل تحقيقه. هذه هي طموحات إيران ولكن لا يبدو أن الرياح تسير وفق ما تشتهيه سفنها، فهناك تطورات عديدة يمكن استشفافها من بدء وصول الأسلحة الفرنسية إلى الجيش اللبناني وهبوط أسعار النفط إلى أدنى سعر قياسي لها منذ فترة طويلة.

وليس قبول الأسد بالمقترح الإيراني الذي يقضي بإجراء انتخابات لا يشارك فيها سوى استجابة لمعطيات تقول إن هناك نية للحسم ضد النظام باتت بشائرها تلوح عبر قوة بريطانية فرنسية تركية عربية، كما أن نجاح داعش في التوسع في العراق على الرغم من ضربات قوات التحالف واقترابه من الحدود الإيرانية يفرض واقعا جديدا يقول إن الضربة الإيرانية لداعش في العراق ليست سوى نوع من استثمار يائس ومحاولة مذعورة لتجنب تداعيات كارثية.

من هنا يمكن أن نلحظ في الفترة القادمة انفراجات في ملف الجنود الأسرى الذي بات ملفا دوليا مرتبطا بكامل أزمة المنطقة.

إيران لا تفهم سوى لغة القوة. هذا ما أثبتته التجارب معها، لذا يمكن أن نتوقع تشددا وعرقلة في ملف الجنود الأسرى يليه انفراج مفاجئ حيث لا يظهر وكأنه انعكاس لضعف إيراني.

المصدر: العرب الكاتب: شادي علاء الدين
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ