من أفسد نيروز الأكراد
من أفسد نيروز الأكراد
● مقالات رأي ٢٣ مارس ٢٠١٥

من أفسد نيروز الأكراد


من أفسد نيروز الأكراد

باسل العودات
عشية احتفالات أكراد سوريا بعيد (النيروز) وتجمّعهم في إحدى ساحات مدينة الحسكة (الهادئة بالمقاييس السورية)، دوّى انفجار إرهابي مزدوج مزّق أجساد العشرات من الأبرياء وجرح أكثر من مئة شخص، ولاقى العمل استنكارا من السوريين على اختلاف توجهاتهم.

بالنسبة إلى البعض، الحادثة عابرة ولا تستحق الوقوف عندها كثيرا، سوى الترحّم على الضحايا والأسف عليهم وشجب القتل، على اعتبار أن مثل هذا العمل الدموي ليس إلا جزءا بسيطا ممّا يجري في سوريا، من قصف وتدمير وقتل يومي للمئات بالصواريخ والمدافع وحتى بالكيميائي، ولهذا فإن مفخختين إضافيتين ستزيدان من عدد الضحايا الأبرياء ولن تزيدا من سوء الوضع الأمني السوري.

لكن، ولاعتبارات عديدة، من أهمها أن المستهدف هذه المرة هم الأكراد، وبمنطقة آمنة، لا بد من التوقّف عند هذه الحادثة بجدّية، فهي تحمل رسائل غير مباشرة ونصائح يجب إدراكها، قبل أن تصبح هذه العملية حدثا يوميا يتكرر ضد الأكراد.

قبل أن نبحث عن الفاعل، لا بد من الإشارة إلى محطات مرّ بها الأكراد (الضحية هذه المرة) خلال السنة الأخيرة، ستقودنا غالبا للفاعل أو لـ(ابن عمه)، محطات قلبت تاريخ أكراد سوريا وعلاقتهم بمحيطهم، وغيّرت مواقف وأحلام الكثيرين منهم.

قبل نحو عام ونصف، أصيبت علاقة الأكراد مع غالبية أطراف المعارضة السورية ـ السياسية والمسلّحةـ بانتكاسة، سببها القوة الكردية السياسية الأساسية متمثلة في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، الذي فرض بشكل سريع تواجده في شمال سوريا. واستلم بـ(سلاسة) مواقع كان النظام السوري يسيطر عليها، دون أن تراق قطرة دم. وأسس بشكل عاجل قوة عسكرية كردية (وحدات حماية الشعب) وأخرى لحفظ الأمن (الأسايش)، وهيمن على شمال شرق سوريا. واستمرت علاقة ملتبسة وغامضة تربطه مع النظام السوري. واعتبره الكثير من المعارضين حليفا للنظام. كما اتّهمته معظم الأحزاب الكردية السورية الأخرى (11 حزبا كرديا عضوا في الائتلاف) بأنه أقصى كل الأكراد واستفرد بالقرار الكردي السوري ووجهه بشكل لا يتعارض كثيرا مع مصالح النظام.

سرعان ما أقام الحزب إدارة ذاتية للمناطق الكردية شمال سوريا، لها حكومتها وبرلمانها، ورفض إشراك المعارضة السورية فيها إلا بشروطه (القراقوشية)، كما رفض ربطها باتفاق سوري شامل حول شكل الحكم المستقبلي لسوريا والوضع النهائي للأقليات، ورفض التنسيق مع الجيش السوري الحر.

أكّد كثير من المعارضين السوريين أن الحزب استمر بالتعاون مع قوات النظام ومع حزب الله اللبناني، وسهّل لهم مهمات عديدة. ولم يُنكر الحزب هذه الاتهامات إلا بشكل خجول وغير مباشر. كما اتهمه أهالي المنطقة بأنه بدأ بتغيير الديموغرافية السكانية، وأيضا تجاهل هذه الاتهامات على خطورتها وكأنها شيء عابر لا يستحق الوقوف عنده.

هذا الاستفراد بالقرار والحكم، والسيطرة العسكرية على المنطقة، قاطعه تدخّل تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان لفترة هادئا تجاه الأكراد ثم انقلب فجأة ضدهم. ووضع في استراتيجيته احتلال أهم المدن التي يكثر فيها الأكراد، فاحتل عين العرب (كوباني) كـ(عربون)، فأوقع هذا الحزب بأزمة عميقة مصيرية، كما وضعه أمام خيار وحيد بعد أن فشل النظام السوري في ضمان أمنه، فاضطر للتنازل وقَبِل التعاون مع الولايات المتحدة دون موافقة النظام.

اشترطت الولايات المتحدة أن يقبل زعيم الحزب قطع علاقته بالنظام السوري نهائيا كشرط أوّلي ليتلقى دعما أميركيا وموافقة على دخول بعض قوات البيشمركة الكردية العراقية لمساعدته في استرجاع المدينة، فتعهّد الرجل، وأوقف تصريحاته المعادية لأميركا. وأوقف تعاونه العسكري والاستخباراتي مع النظام. وتم بعد ذلك مدّه بالدعم الأميركي الهام لاسترجاع المدينة. وعادت كوباني للأكراد مدمّرة، لكنّه أصبح شريكا للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وحقق مكاسب على الأرض لها قيمة في الأسابيع الماضية.

تمدّد الأكراد في منطقتهم من جديد، ولكن هذه المرة ليس بدعم أو غض نظر من قوات النظام، وإنما بدعم أميركي، وهذا أغاظ النظام، الذي ينظر الآن للحزب الكردي على أنه الابن الضال، الطرف الذي يُنكر الجميل من وجهة نظر النظام. والدليل على حجم غيظه أن رأس النظام أشار في آخر مقابلة تلفزيونية إلى السلاح الذي كان النظام يعطيه لهذا الحزب والدّعم الكبير الذي قدّمه له خلال السنتين الأخيرتين.

خلاصة سريعة تعرض نحو سنتين من تجربة كردية غير واضحة الملامح بالنسبة إلى السوريين، لكنها تكشف خيطا قد يؤدي للفاعل، كما يفعل كل المحققين في الجرائم حين يلتقطون طرف خيط ويستنتجون، وعلى الرغم من تعدد الأطراف التي تتربص بالأكراد، إلا أننا هنا لا نجد صعوبة في توجيه أصابع الاتهام لطرفين، هما الأكثر تضررا وغيظا، الأكثر رغبة بالانتقام، ولا رادع عندهما لقتل أبرياء لتصفية الحسابات.

تنظيم الدولة الإسلامية والنظام السوري، طرفان متهمان ومدانان، وعلى عكس ما تفرضه مبادئ القانون، هما متّهمان حتى تثبت براءتهما، فكلاهما صاحب سجل غير مشرّف من العمليات السوداء.

لا شك بأن تنظيم الدولة الإسلامية يريد أن ينتقم من الأكراد نتيجة الضربات الموجعة التي تلقاها من التحالف الدولي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جزءا من هذا التنظيم ـ وفق المعارضةـ هو ذراع من أذرع الاستخبارات الإيرانية والسورية.

أما النظام السوري، فهذه فرصته للانتقام، وتوجيه رسالة غاية في الجدّية للأكراد، بأن خروجهم من بيت طاعته بالضرورة سيتبعه عقاب، والابتعاد عن النظام يليه درس تأديبي، سيفهمه قادة الحزب وحدهم، والأكراد الأصليون، الذين شهدوا ما قام به الحزب ولم يقبلوا لكنهم صمتوا خوفا من النظام ومنه.

ثم هناك أمران ثانويان، يزيدان من الشكوك بالطرف الأخير، الأول أنه بينما كان النظام السوري يمنع الأكراد طوال خمسة عقود من الاحتفال بالنيروز، هذه المرة، وبنفس الساعة التي تم فيها التفجيران، كان التلفزيون الرسمي يحتفي بعيد الأكراد، وتلبس مذيعاته زيا كرديا تقليديا (كاد المريب أن يقول خذوني). والثاني أن أول من نشر تبنّي تنظيم الدولة الإسلامية للعملية هو وسائل الإعلام المقربة من النظام، قبل أن تصل المعلومة لأيّ وسيلة إعلام أخرى، محلية أو دولية.

بكل الأحوال، هي مجرد احتمالات، أو اتهامات، وسيبقى الطرفان متهمان حتى تثبت البراءة، بعكس الدارج، لكن على الأكراد، وخاصة الحزب صاحب الإدارة الذاتية الإشكالية، أن يأخذ هذه الاتهامات محمل الجد، وأن يعي أنه آن الأوان لوقفة جدّية صارمة تجاه النظام وتهديداته، وتجاه قوى المعارضة (الوطنية) السورية الأخرى، وأن يضع نصب عينيه أن مصير الأكراد سيكون نفس مصير كل السوريين، إن نجوا نجا، وإن سقطوا سقط، فليس صعبا أن يصبح نيروز الأكراد نيروزا لكل السوريين.

   

المصدر: العرب الكاتب: باسل العودات
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ