من سيحارب إيران؟
من سيحارب إيران؟
● مقالات رأي ١٣ فبراير ٢٠١٧

من سيحارب إيران؟

على الرغم من أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يكاد يوزع اتهاماته وتهديداته على العالم كله، بما فيه الدول الحليفة لواشنطن، إلا أنه يمنح إيران حصة كبيرة من انتقاداته، ويتمحور هجومه عليها فيما يعتبره دعماً إيرانياً "للإرهاب"، وأنها دولة تنشر الدمار والفوضى في الشرق الأوسط. وتبدو هذه الحملة الترامبية مقدمة لمزيد من إجراءاتٍ عقابية ضد إيران، بعد أن جدّد بالفعل عقوبات سابقة كان يفترض أن يتم رفعها بعد الاتفاق النووي.

والتقطت بعض وسائل إعلام غربية الخيط، وراحت تناقش احتمالات وقوع مواجهة مسلحة، وهو ما تجاوب معه سريعاً المسؤولون الإيرانيون، بلهجة تصعيدية مضادّة، لتهيمن لغة التهديد والوعيد على مشهد التفاعلات بين البلدين.

السؤال، هل ترامب جاد فعلاً في ذلك التوجه لمعاقبة إيران، وتكبيدها كلفة سياساتها وتطلعاتها؟ هناك إجابتان: الأولى أخلاقية، تتعلق بمدى استحقاق إيران هذا. والثانية واقعية، تتعلق بقدرة ترامب على تحويل تهديده إلى إجراءات عملية.

من منظور الأخلاقية والجدارة، إذا كانت طهران جديرة بالمواجهة والحصار والعقاب، لأنها ترعى الإرهاب وتثير الفوضى والاضطراب الإقليمي، فهناك دول أخرى في المنطقة وخارجها، لا تقل عنها جدارةً في ذلك، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية نفسها. لذا، ليس شعار ترامب الذي يرفعه مسوّغاً للهجوم على إيران مقنعاً حتى لحلفاء واشنطن الغربيين أنفسهم. ليس معنى ذلك أن إيران دولة مثالية، أو تلتزم دائماً القيم والمبادئ الأخلاقية في سياساتها، لكنه يعني أن هذا البعد القيمي والأخلاقي لم يكن يوماً معيار توجيه بوصلة العلاقات بين الدول.

من ثم، ترتبط جدية ترامب في استهداف إيران مباشرة بقدرته، وليس برغبته في حشد قوة لمواجهتها. والمعروف للكافة، أن واشنطن في حالة انحدار منذ عدة سنوات، والاقتصاد الأميركي يعاني اختلالات هيكلية، كادت تعصف في عام 2008 ، ولا يزال يعاني من تبعاتها. كما أن الجيش الأميركي ليس في أحسن حالاته، نتيجة الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا والأسلحة ذات التقنيات الحديثة، على حساب العنصر البشري والكفاءة القتالية للفرد، فضلاً عن النواقص الأخلاقية والمشكلات النفسية والسلوكية التي تضرب المجتمع الأميركي، ووصلت تداعياتها إلى صفوف الجيش هناك.

وأخيراً، أعلنت واشنطن، قبل سنوات قليلة، أن مكامن التهديد الاستراتيجي لها تقبع هناك في أقصى الشرق الآسيوي، أي الصين بقدراتها وسياساتها. وبالفعل، رفعت واشنطن أيديها عن الشرق الأوسط، واكتفت بالتنسيق مع موسكو لتأمين إسرائيل. فيما هي غير معنية جدياً بالصراع العربي الإيراني الذي يمتد من سورية شمالاً إلى اليمن جنوباً. ولما كان ترامب قد أعلن، غير مرة، رغبته في تخفيف المسؤوليات العسكرية والمالية تجاه حلفاء واشنطن، بما في ذلك حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فإنه عندما يفكر في التعامل مع إيران بالقوة، سواء الاقتصادية أو العسكرية، لن يسهم في تلك المواجهة، لا بالأموال ولا بالجنود.

ولمّا كانت معظم الدول العربية هي المتضرّرة فعلياً من السياسات الإيرانية، وليست واشنطن، أو حتى إسرائيل، فمن الطبيعي أن ترامب سيتجه إلى تلك الدول لتضطلع بمهمة التعامل مع طهران، كل حسب قدرتها وإمكاناتها. تقدّم دول الخليج التمويل والغطاء الاقتصادي المباشر نقدا، وغير المباشر بسياسات تسعير النفط، ودول أخرى تقدم جيوشها لتحارب، أو إعلامها ليسوّق، أو قوّتها الناعمة لتبرّر المواجهة المطلوبة أمام شعوب المنطقة.

فليذهب ترامب إلى الحرب، إن كان صادقاً، أما الدول العربية، فحاجتها ماسّة بالفعل، لكن ليس لمزيدٍ من المواجهات والحروب، وإنما إلى استراتيجية شاملة وفعالة لموازنة طموح إيران وتطويق نفوذها الذي تحقق تحت سمع واشنطن وبصرها ورضاها، من دون الوقوع مجدّداً في شرك الخداع الأميركي والتورّط في حربٍ لا تتحملها المنطقة. لن يستفيد منها سوى واشنطن وتل أبيب.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: سامح راشد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ