من يعبث بخريطة «سايكس- بيكو» ولماذا؟
من يعبث بخريطة «سايكس- بيكو» ولماذا؟
● مقالات رأي ٢٢ ديسمبر ٢٠١٤

من يعبث بخريطة «سايكس- بيكو» ولماذا؟

من الواضح أن تغييرات طرأت على خريطة «سايكس- بيكو» في أعقاب اندلاع حرب الإرهاب في العراق وسورية وعليهما.
تقارير صحافية مصدرها أمريكا وأوروبا تشير إلى سيطرة «الدولة الإسلامية ـ داعش» على نحو ثلث مساحة العراق، وان «الدولة» و»النصرة» تسيطران أيضا على نحو ثلث مساحة سوريا. سواء كانت هذه التقارير دقيقة او مغالية فإن الأهم من المساحة المسيطر عليها هو عدد السكان والمواقع الإستراتيجية المشمولة بالسيطرة، ذلك ان معلومات متعددة المصادر تتقاطع في ان عدد سكان محافظات غرب العراق وشرق سورية، التي باتت تحت سيطرة «الدولة الإسلامية» يناهز العشرين مليوناً.
إلى ذلك، فإن المناطق التي تسيطر عليها «الدولة الإسلامية» عابرةٌ للحدود التي رسمتها خريطة «سايكس – بيكو» بين العراق وسورية. فهي تقع بين نهري دجلة والفرات، وتحتوي بحيرات وسدوداً مائية وآبار نفطٍ ومصافي ومرافق مائية وكهربائية عامة. كما يشكّل امتدادها الجغرافي اسفيناً يفصل جيوسياسياً جنوب شرق سوريا عن جنوب غرب العراق وبالتالي عن ايران.
ثمة رأيان في الجهة التي تعبث بخريطة «سايكس ـ بيكو» على النحو المبيّن آنفاً. الاول يشير إلى «الدولة الإسلامية» تحديداً ويدلل على صحة حكمه بالبيانات المتعددة الصادرة عنها، التي تشي بأن مخططها يرمي للسيطرة على بلاد الرافدين وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، بما فيها السعودية وإمارات الخليج واليمن. كما أوحت أخيراً بأن مخططها يشمل ايضاً ليبيا ومصر وتونس. ويكتسب هذا الرأي صدقية إضافية بالمحاولات المتكررة التي يقوم بها أمراء «الدولة الإسلامية» ودعاتها للاستحصال على بيعة من قادة التنظيمات «الجهادية» في شتى بلاد العرب لـِ»الخليفة» ابي بكر البغدادي.
الرأي الثاني يعتبر الولايات المتحدة الجهة التي تعبث بخريطة «سايكس– بيكو» ، ويقدّم أدلة لافتة في هذا المجال. فهي دعمت تنظيمات «جهادية» عدة ناشطة في شرق سورية وشمالها، وسارعت إلى دعم اقليم كردستان العراق ذي الحكم الذاتي عندما تعرّضت عاصمته اربيل لهجمة من قوات «الدولة الإسلامية» خلال الصيف الماضي، وسرّبت مذّ كان نائب الرئيس الامريكي جو بايدن عضواً في مجلس الشيوخ، مخططاً يرمي لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، كردية وسنيّة وشيعية، ودعت لإنشاء وتسليح وتدريب «جيش عشائري خاص» للمحافظات السنيّة في غرب العراق واستدعت وفداً منها إلى واشنطن للبحث معه في تفاصيل التنفيذ، واشتركت بشخص سفيرها السابق في كرواتيا (الخبير في اجراءات تقسيم يوغسلافيا السابقة) في وفد اوروبي– امريكي زار محافظة الحسكة السورية، لحث القوى الكردية الناشطة فيها على التعاون مع سلطات اقليم كردستان العراق، بعيداً من حكومة دمشق، وسكتت إن لم تكن شجعت «لواء اليرموك» التابع لـِ»الجيش السوري الحر» على الانضمام ميدانياً إلى قوات «الدولة الإسلامية» في مناطق الجولان السورية المجاورة لخط الفصل مع منطقة الاحتلال الإسرائيلي، وتغاضت عن توريد السلاح والرجال إلى التنظيمات «الجهادية» في سورية عبر تركيا.
سواء كانت «الدولة الإسلامية» أو الولايات المتحدة هي الجهة التي تعبث بخريطة «سايكس بيكو»، فإن ذلك لا يحول دون تلاقي الطرفين وتعاونهما على تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي، لأن إقامة دولة انفصالية بين دجلة والفرات من شأنها تحقيق مصالح وازنة لكلٍ من الولايات المتحدة و»الدولة الإسلامية» على النحو الآتي:
اولاً، إضعاف كلٍ من حكومتي بغداد ودمشق، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، الامر الذي ينعكس ايجاباً على هدفين ثابتين لواشنطن، هما حماية مصالحها في المنطقة ودعم أمن «اسرائيل»، بالإضافة إلى هدف ثالث هو تفكيك بلاد الرافدين وبلاد الشام والسيطرة عليهما من دون أن يمسّ ذلك بالضرورة بمصالح «الدولة الإسلامية».
ثانياً ، تمكين التنظيمات «الجهادية» كما تلك التابعة لـِ»المعارضة السورية المعتدلة» من اقامة «منطقة عازلة» على طول خطوط الفصل الممتدة على مدى 75 كيلومتراً من الحدود مع لبنان في الغرب إلى الحدود مع الاردن في الجنوب. إن اقامة هذه المنطقة العازلة تخدم مصالح الولايات المتحدة و»اسرائيل» و»الدولة الإسلامية» بدعمها أمن «اسرائيل» وإضعاف أمن سورية ما يفيد الدولتين الاولى والثانية، وايجاد موطئ قدم وموقع تقاطع مع «اسرائيل»، ما يفيد الدولة الثالثة ويمكّنها من المشاركة في اي مفاوضات لتقرير مستقبل المنطقة.
ثالثاً، فصل سورية جيوسياسياً عن ايران بإقامة دولة ـ اسفين فاصلة في محافظات العراق الغربية ومحافظات سورية الشرقية تمتد من الحدود مع تركيا في الشمال إلى الحدود مع الاردن في الجنوب ما يؤثّر سلباً في دور سورية كحلقة ربط استراتيجية بين ايران وقوى المقاومة المتعاونة معها في لبنان وفلسطين المحتلة.
رابعاً ، فصل الاردن عن العراق وربما عن سورية ايضاً، الامر الذي يبقيه اسير ارتباطٍ جبري مع «اسرائيل»، استراتيجياً واقتصادياً، فضلاً عن وضع «الدولة الإسلامية» الموجودة على حدوده الشرقية والشمالية في مركز قوي لدعم القوى الإسلامية المؤيدة لها في الداخل الاردني.
خامساً، تهديـد قـوى المقاومة في لبنان بدعم القوى «الجهادية» المواليـة لـِ»الدولة الإسلامية» لإقامة «منطقة عازلة» عبر الحدود اللبنانية – السورية بين منطقة القلمون السورية ومنطقة البقاع الشمالي اللبنانية، ومحاولة التمدد شمالاً للوصول إلى منطقة عكار وبالتالي إلى البحر المتوسط.
قد تبدو هذه المخاطر والتحديات بعيدة المنال او تنطوي على قدْر من المغالاة، لكن احتمال قيام تعاون مباشر او غير مباشر بين الولايات المتحدة و»الدولة الإسلامية» يبعث فعلاً على القلق ويستدعي التفكير الجدّي بخطة متكاملة للمواجهة.
درهم وقاية خير من قنطار علاج.

المصدر: القدس العربي الكاتب: د. عصام نعمان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ