هل تبدد حلم السوريين بالحرية؟!
هل تبدد حلم السوريين بالحرية؟!
● مقالات رأي ٣١ يوليو ٢٠١٨

هل تبدد حلم السوريين بالحرية؟!

وكأن الأمر كان بالأمس رغم كل الجراح التي عصفت بنا في السنوات العجاف، حين كنت عاملاً في إحدى المحلات بالعاصمة عمان عام 2011، وأنا الذي أسكن هذه المدينة منذ أربعة عشر عاماً. قرأت خبراً على شاشة التلفاز عن مظاهرات في مدينة درعا، كان المشهد مغايراً، لم نعتد نحن السوريين رؤيته في بلادنا، أعتقد أن آخر مظاهرة خرج بها الشعب السوري كانت ضد الاحتلال الفرنسي؛ ولكن أن نرى مظاهرات مناوئة لحكم البعث؛ إنها قيامة الساعة.

ومن هول المشهد أصبحت أصيح على العجوز "عمي أبو حسين بدنا نرجع لسوريا"، وهو الذي خرج من مدينته حماة عام 1982 بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم أنه لم يقرب منها. كان يحدثني ذاك العجوز كثيراً عن حماة وسوريا، فلم يكن يمر يوم دون أن يروي لي قصة من قصصه في سوريا والحنين الذي يأسر المرء. لكني تعجبت يومها من ردة فعله، كنتُ متحمساً وربما متأثراً بما حدث في تونس ومصر، إلا أنه لم يعطي أية أهمية للحدث وقال بالحرف قبل أن يعود إلى عمله: (لك عمي الزلمة قوي). وأدلى مرةً أخرى سطلاً من الماء البارد على أشواقه الهائجة. كنت مثله في الحنين، في آخر زيارة لي إلى سوريا في كانون الأول 2009، وبعد أن وصلت إلى قرار نهائي بعدم العودة إلى الوطن مرةً أخرى حتى لا أخدم في الجيش الذي أبغضه منذ صغري وخرجت ولم أعد إلى اليوم. لكن بعد خروجي أصبحت أفكر بشكلٍ شبه يومي وأسأل نفسي متى سأعود وكيف، فلا مفر سوى أن أسلم نفسي للجيش. حين بدأت الثورة السورية شاركت في غالبية الاعتصامات أمام السفارة السورية، وعاد الحلم يتجدد والأمل يكبر، غداً كلنا سنعود. عملت في الكثير من النشاطات، وكنت شاهداً مثل كل السوريين على مذبحة الوطن، وكان الجرح يكبر ولا يندمل وكنا نكبر معه باليوم عشرات السنين بالعذابات والأسى.

لقد كنتُ شاهداً على أول موجة نزوح قدمت إلى القرى الأردنية المحاذية لسوريا، وكنت أحد الشاهدين على افتتاح مخيم الزعتري، كما كنت شاهداً على زوال حكم الأسد من منطقة تلو الأخرى، حتى بات الوطن كالعشب الأخضر يلمع بريقاً، والجماهير في الصباح والمساء تصدح: (يلا إرحل يا بشار). أنا الذي أدمعت عيناه أمام السفارة السورية عندما صدحت مع المعتصمين: (يا حافظ قوم وشوف صرنا نسبك عل مكشوف). وكان حلم العودة إلى الوطن من المنفى يكبر ويكبر، نعم منفى لا غربة، لأني لم أختر العيش خارج الوطن طواعية. وها أنا اليوم كباقي السوريين شاهدٌ على عودة سلطة النظام إلى "مهد الثورة" وها هو الجامع العمري يعود مجدداً إلى المشهد وكأن أحداثه الأولى كانت يوم أمس حقاً. شهدنا خسارة مدينة تلو الأخرى كما كنا شهود على تحريرها. لقد ذرفنا في الأولى دمعاً من السرور، وفي الثانية ألماً.

ها أنا أعود مجدداً إلى ذاك الشعور قبل سبع سنوات، والسؤال ذاته يراودني، متى سأعود وكيف! وأنا أرى من دمر بلدي يرفع رايته فوق جثامينا، ونرى مرتزقته وحلفائه يرفعون إشارات النصر من فوق ركام حضارتنا، وحتى سمائنا أصابها الجفاف. ويؤسفني القول إن قلوب من كان معنا قد انقلبت علينا، اليوم اكتشفنا أن من كنا نرفعه فوق الأكتاف صارخاً: (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد)، كان أول من يعود إلى حضن العبودية، لقد اخطأنا توظيف ثقتنا وكنا عاطفيين لدرجة السذاجة ولم نعترف بأخطائنا منذ اليوم الأول.

المشهد اليوم معقد للغاية بطريقة جنونية، أبكي وبكل ما للكلمة من معنى دماً على الثورة والوطن، ولكن لأني أؤمن بالعدالة الإلهية وأؤمن بأن الثورة حق، وأني كنت على الحق، والخوف الذي نزعناه من قلوبنا لن يعود. لأن الأسد سقط منذ سقط الخوف من قلوبنا. فالصيحة التي تنطلق من الحنجرة لا تعود، ونحن من قلنا: (حرية للأبد غصبن عنك يا أسد). الثورة لا تموت وهناك ثكالى ويتامى وجرحى ومقهورين ومعتقلين ومنفيين، ووطنٌ من بابه حتى محرابه مدمر، كله بسبب الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس، ومرتزقته الطائفيين. الثورة لا تموت لأن ما بني على الحق سينتصر به، وإن الباطل كان زهوقا، وما النصر صبر ساعة.  الثورة لا تموت إلا إذا عاد مشعل تمو وغياث مطر وهاجر الخطيب وزينب الحمصي وغيرهم من ملايين الشهداء. وقتها سأكتب بنفسي نعوة الثورة.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: محمد عبد الستار إبراهيم
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ