هل تستعاد المفاوضات السورية؟
هل تستعاد المفاوضات السورية؟
● مقالات رأي ٨ يوليو ٢٠١٦

هل تستعاد المفاوضات السورية؟

أتوقع أن يكون إحياء مسيرة الحل السياسي أهم ما سيشغل المعنيين بها بعد عطلة العيد، فقد مرت فترة طويلة دخلت فيها المفاوضات في سبات، وبدا أن الهوة واسعة بين فريقي التفاوض (النظام وهيئة التفاوض العليا المنبثقة عن مؤتمر الرياض). فالنظام يرفض الحل السياسي شكلاً وموضوعاً، وقد جدد رفضه لتشكيل هيئة حكم انتقالي في خطاب بشار الأخير أمام مجلس الشعب، وهو يفتح المجال فقط لحكومة ائتلافية، ربما تضم بعض المعارضين الذين يختارهم وعلى الغالب سيختار أقربهم إليه، متجاهلاً كل ما حدث في سوريا، ومعتقداً أن القضية الوحيدة التي يواجهها هي الإرهاب وحده، وأما أسباب الانتفاضة السورية والحل الأمني الذي اختاره لمواجهة الشعب وقتل مليون مواطن واعتقال مئات الآلاف الذين مات كثير منهم تحت التعذيب في المعتقلات، وتهجير ملايين السوريين، وهدم منازلهم، وتدمير العديد من المحافظات السورية، فضلاً عن المجازر التي ارتكبها، فهي في نظره أمور ثانوية يمكن حلها بتوزير بعض المعارضين الذين هم موالون له في الحقيقة، ولكنه ألبسهم لبوس المعارضة كي يقدم منصات جديدة للسيد «ديمستورا» الذي لا يخفى عليه أن الهدف من وفرة المنصات هو خلط الأوراق وتمييع الحل السياسي، وهو الذي قال لأعضاء هيئة التفاوض في لقائه الأول بهم في الرياض (أنتم الوفد الوحيد الذي يمثل المعارضة، وهذا هو امتيازكم)، لكن روسيا سرعان ما صنعت معارضة دخلت ساحة المفاوضات لتؤيد النظام باسم المعارضة أيضاً، وهي ما تزال تعطل القرار الدولي، والمعارضة الوطنية تتمسك ببيان جنيف وبالقرارات الدولية التي تكررت ومنها القرار 2118/2013 والقرار 2254/2015 الذي حدد فترة ستة أشهر للوصول إلى حل، وقد بدا مؤسفاً أن يخفق مجلس الأمن في تنفيذ قراراته، وأن تكون روسيا التي أسهمت في القرار معطلة لتنفيذه.

ولقد كان مفجعاً أن يتم تجاهل مقترح الهيئة العليا للتفاوض حول هدنة في شهر رمضان وفي أيام العيد، فقد تصاعدت الهجمات على المدنيين، وبخاصة في محافظتي إدلب وحلب، وقضى مئات المواطنين تحت الأنقاض إثر القصف الذي استخدمت فيه روسيا قنابل عنقودية وفراغية وفوسفورية فضلاً عن عودة النظام إلى استخدام البراميل المتفجرة، وخلال الفترة الأخيرة تعطل إدخال المساعدات للمناطق المحاصرة، وتم التزييف حتى على الأمم المتحدة، وظهرت فضائح مخجلة، بل إن بعض قوافل المساعدات وصلت فارغة.

وما تزال بنود مرحلة ما قبل التفاوض التي حددها القرار الأممي في البعد الإنساني معطلة، فلم يطلق سراح المعتقلين ولم يفك الحصار، بل زاد عدد المناطق المحاصرة، كما أن النظام وروسيا وإيران وحزب الله تجاهلوا اتفاقية الهدنة الموقعة بين روسيا والولايات المتحدة، واستخدموا ذريعة مكافحة الإرهاب لتبرير قصفهم اليومي على المدنيين.

ولكون المنطقة تمر الآن بتحولات جديدة في خارطة العلاقات السياسية، ولاسيما بعد أن أعلنت تركيا عن مراجعة لسياساتها الخارجية وبخاصة مع روسيا وإسرائيل وربما مع مصر قريباً، فإن المشهد السياسي قد يشهد نوعاً من الحيوية إذا تمكنت تركيا من تخفيض حدة التوتر في المنطقة عامة، وإذا تمكنت من ترويض الجموح الروسي الذي وصل إلى طريق مسدود، وقد آن أن تدرك روسيا أن مغامرتها ضد الشعب السوري لن تحقق سوى مزيد من الجرائم ضد الإنسانية، وأن القضاء على الإرهاب، يبدأ بإنهاء مسبباته، فمن أطلق الحل العسكري فتح الساحة لكل من بيده سلاح، وجعل الدم وحده المباح، ولا حل لمشكلة الإرهاب إلا بتمكين السوريين من الاستقرار عبر حكم عادل يحافظ على بقايا الدولة السورية وعلى وحدة الوطن والشعب، ويحفظ للمواطنين حريتهم وكرامتهم، ويحقق العدالة الانتقالية، عندها سيتكاتف السوريون جميعاً لمقاومة الإرهاب، وهم يدركون أنه مصنوع للتعمية على قضيتهم.

المصدر: الاتحاد الكاتب: رياض نعسان آغا
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ