هل فعلاً تخلى الأكراد عن حُلْم الدولة الكردية؟!
هل فعلاً تخلى الأكراد عن حُلْم الدولة الكردية؟!
● مقالات رأي ٣٠ أكتوبر ٢٠١٤

هل فعلاً تخلى الأكراد عن حُلْم الدولة الكردية؟!

لأن الكرد في العراق وفي سوريا وفي تركيا قد احتلوا واجهة الأحداث في هذه الدول الثلاث وأيضا في المنطقة، بعدما فرضت «داعش» نفسها كعامل رئيسي ليس في هذه المنطقة فقط وإنما في العالم كله، فإن مسألة إقامة دولة قومية كردية إنْ في هذه البلدان الثلاثة، ومعها إيران أيضًا، أو في واحدة منها فقط، قد كثُر الحديث عنها في الأيام الأخيرة، وإن فكرة إنشائها وإقامتها قد أصبحت مطروحة ومتداولة على نطاق واسع في بعض الدول العربية وحتى في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
ولعل ما تجب الإشارة إليه ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة الهامة، التي يجب فتح ملفها والحديث عنها بجدية الآن، هو أن الكرد، هذا الشعب العظيم، قد دفعوا ثمن معادلات ما بعد الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وحُرموا من أن تكون لهم دولتهم القومية أو دولهم القُطْرية على غرار كل هذه الدول العربية التي تجاوز عددها عشرين دولة، والتي استند إنشاء بعضها إلى تقسيمات اتفاقية سايكس - بيكو سيئة الصيت والسمعة.
لقد كان أمرا طبيعيا أن يندمج الأكراد مثلهم مثل أشقائهم العرب والأتراك والإيرانيين، وأيضا «الأمازيغ»، في نسيج الدولة الإسلامية الشاملة، إنْ في زمن الخلافة الأموية وإن في زمن الخلافة العباسية وأيضا إنْ في زمن الخلافة الفاطمية ولاحقًا في زمن السلطنة التركية والدولة الصفوية، لكن عندما بدأ عصر القوميات بعد الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وبعد إقامة شعوب هذه المنطقة لدولها الوطنية والقُطْرية فإنه ظلم ما بعده ظلم أن يُحرم هذا الشعب الكردي من حقه في أن تكون له دولته المستقلة التي تشكل حاضنة لثقافته، والتي تعبر عن وجوده الفعلي على خريطة الكرة الأرضية، وتضع حدًّا لتشرده وتشتته وذوبانه حتى في المناطق التي من المفترض أنها أجزاء من وطنه التاريخي.
لقد حُرم العرب من أن تكون لهم دولتهم القومية الواحدة الموحدة بعد انهيار السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، لكنهم وفي كل الأحوال قد تمكنوا من أن تكون لهم لاحقًا دولهم القُطْرية والوطنية في الإطار العربي العام وفي إطار هذه الجامعة العربية، وبخاصة بعد استكمال استقلال بعض أقطارهم التي تأخر استقلالها حتى بدايات ونهايات ستينات القرن الماضي، لكن الأشقاء الكرد والأشقاء الفلسطينيين قد حُرموا مما حصل عليه أشقاؤهم أو انتزعوه انتزاعا، والحقيقة أننا إذا أردنا أن نكون منصفين فإنه علينا أن نعلن وعلى رؤوس الأشهاد أن هذه المرحلة من تاريخ هذه المنطقة يجب أن تكون بالضرورة مرحلة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ومرحلة تقرير المصير للشعب الكردي الذي عانى كثيرًا والذي غُيبت هويته الوطنية والقومية على مدى نحو قرن بأكمله.
لقد كانت المرة الوحيدة التي شعر فيها الكرد بأن لهم دولة، مثل دول العالم كله، عندما - بمساندة الاتحاد السوفياتي في زمن جوزيف ستالين - تم إنشاء ما سمي «جمهورية مهاباد» في عام 1946 التي لم تدُم إلاّ أحد عشر شهرًا، والتي كان رئيسها قاضي محمد الذي أعدم لاحقًا بقرار من الشاه الإيراني رضا بهلوي، وكان وزير دفاعها الملاّ مصطفى بارزاني الذي استطاع الانسحاب بمقاتليه بأعجوبة ليكمل مسيرة شعبه النضالية في العراق، وليحقق بالتالي كل هذا الذي تحقق في كردستان العراقية في عهد نجله مسعود بارزاني الذي كان ولا يزال القائد الطليعي لهذه المسيرة الطويلة التي أخطر ما فيها أنها باتت تواجه كل هذه التحديات الصعبة التي تواجهها الآن.
إن ما تجب الإشارة إليه ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة الهامة أن الزعيم القومي للكرد في كل مناطق وجودهم وانتشارهم مسعود بارزاني لم يفكر فعليًّا في إعلان إقليم شمال العراق دولة مستقلة إلاّ في عهد نوري المالكي، غير الميمون، حيث اضطر، في ضوء ممارسات رئيس الوزراء العراقي الأسبق التي لا تستطيع احتمالها حتى رواسي الجبال، إلى التلويح بإجراء استفتاءٍ عام للشعب الكردي في هذا الإقليم ليقول رأيه بهذا الأمر الذي في نهاية المطاف سيتحقق لا محالة، فالتاريخ يسير إلى الأمام وليس إلى الخلف، وهذه الفرصة التاريخية التي باتت تلوح الآن من المفترض أن يتم استغلالها لأن عدم استغلال فرص التاريخ وفي اللحظة المناسبة قد يحولها إلى كوارث سيطول أمدها، وبخاصة بالنسبة إلى شعب لم يعد يشبهه على وجه الأرض إلاّ الشعب الفلسطيني الذي قدم تضحيات لم تقدمها بعض الشعوب التي مرت بهذه التجربة القاسية.
ومرة أخرى: هل لحظة أنْ يكون للشعب الكردي، الموزع بين أربع دول رئيسية، إيران والعراق وسوريا وتركيا، دولته القومية أو دولته الوطنية قد حانت بالفعل؟ ثم هل لعبة الأمم ستُنصف هذا الشعب العظيم هذه المرة وستنصف الشعب الفلسطيني أيضا وستسفر كل هذه المتغيرات التي تشهدها هذه المنطقة عن تحقيق ما لم يتحقق لا بعد الحرب العالمية الأولى ولا بعد الحرب العالمية الثانية ولا بعد كفاح السنوات الطويلة الذي كانت محرقة «حلبجة» في عام 1988 إحدى محطاته الرئيسية المرعبة؟!
إن المعروف أن الولايات المتحدة، التي تقود هذا التحالف العالمي تحت راية مواجهة الإرهاب وتنظيم «داعش»، والتي هي في حقيقة الأمر تسعى لإقامة كتلة كونية لمناهضة إمبراطورية فلاديمير بوتين وقَطْع الطريق على مسيرة الصين التصاعدية، قد عارضت الاستفتاء الآنف الذكر الذي لوح به الزعيم مسعود بارزاني، وإن المعروف أيضا أن إيران لا يمكن أن توافق على قيام دولة كردية لا عندها ولا في شمال العراق ولا في تركيا ولا - بالطبع - في سوريا، وهذا هو موقف الأتراك الذين يرون أن قيام دولة كهذه سيؤدي إلى تمزُّق دولتهم أكثر من ذلك التمزق الذي حلّ بها في الحرب العالمية الأولى!!
إنّ هذا هو واقع الحال، وهو واقع لا يجوز أن يستسلم الأكراد له وأن يضيّعوا هذه اللحظة التاريخية السانحة.. إنها فرصة يجب التقاطها، وهنا فإنه ما يجب أن يقال للعرب كلهم: أليس من الأفضل يا ترى أن تساهم الدول العربية كلها وفي مقدمتها العراق في إنشاء دولة هذا الشعب الشقيق الذي يجب أن يبقى شقيقًا وصديقًا وإلاّ فإن أي دولة كردية ستقوم في المستقبل ستكون بمثابة شوكة في الخاصرة العربية؟!
لقد قال رئيس الاتحاد الديمقراطي الكردي (السوري)، التابع لحزب العمال الكردستاني - التركي بقيادة عبد الله أوجلان، الذي يعتبر مواليًا لنظام بشار الأسد: «إن الأكراد قد تخلوا عن حلم الدولة»... فهل هذا صحيح؟.. ثم باسم مَن يتحدث السيد صالح مسلم محمد؟!
كان عبد الله أوجلان، المعتقل الآن في جزيرة إمرالي القريبة من المدينة التاريخية الجميلة إسطنبول، يسعى وربما لا يزال يسعى لإخضاع كل الأقاليم الكردية، بما فيها إقليم شمال العراق، لتطلعاته وتوجهاته، والمعروف أنه قد حاول ومِن سجنه تحويل هذا الإقليم إلى قاعدة خلفية للحرب التي كان يشنها حزبه، حزب العمال الكردستاني - التركي، على تركيا. لكن مسعود بارزاني المعروف بواقعيته واعتداله ودقة حساباته قد تصدى لهذه المحاولة وبالقوة في بعض الأحيان لأنه كان قد بدأ هذه النهضة الهائلة في أربيل وفي السليمانية وفي دهوك وفي باقي المدن والمناطق الكردستانية – العراقية، ولا يجوز قطع الطريق عليها وتدميرها، ولأنه لم يكن مستعدًّا وهو لا يزال غير مستعدّ لمواجهة عسكرية مع دولة رئيسية هي تركيا هو في أمسّ الحاجة إليها، وبخاصة في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة والحاسمة، ولأنه أيضا دأب على اتباع سياسة تدرُّجية ومراحلية ولا يمكن أنْ يقبل بحرقها بالاستجابة لنزوات ومغامرات انتحارية، لا هذا الوقت هو وقتها ولا هذا الزمان هو زمانها.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: صالح القلاب
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ