هل من «درس» جزائري للسوريين؟
هل من «درس» جزائري للسوريين؟
● مقالات رأي ١٢ ديسمبر ٢٠١٦

هل من «درس» جزائري للسوريين؟

أما الآن وقد شارفت مدينة حلب على السقوط كلياً في أيدي قوات الحكومة السورية، فإن من الطبيعي أن تسعى فصائل المعارضة، على اختلافها، إلى استخلاص العبر من نكستها هذه. سيقول معظمها، على الأرجح، أن اللوم في المقام الأول يقع على روسيا وإيران. فالأولى وفّرت الغطاء الجوي للقوات الحكومية، فيما وفّرت الثانية عشرات آلاف المقاتلين الشيعة من جنسيات مختلفة، إضافة إلى آلاف «المستشارين» من الجيش النظامي و "فيلق القدس". وزيادة على ذلك، هناك من سيقول أيضاً أن اللوم يقع كذلك على الغرب الذي امتنع عن تقديم السلاح «النوعي» للمعارضين.

كل ما سبق صحيح، بلا شك. لكن ألا يقع اللوم أيضاً، ولو في جزء منه، على المعارضة نفسها؟ ومحور التساؤل حول هذا «اللوم» هنا يتعلق تحديداً بالعلاقة بين ما يُعرف بـ «المعارضة المعتدلة» وتلك «الإرهابية»، ومدى تأثير ذلك في «نكسة حلب» لاحقاً. وعلى رغم أن الروس تحديداً، هم من جادل على مدى شهور بضرورة «الفصل» بين هاتين المعارضتين (لتوريطهما ربما في صراع مسلح)، فإن الأميركيين، حلفاء المعارضة المفترضين، لم ينفوا أبداً هذا الواقع، لكنهم جادلوا بأن الفصل «غير ممكن» عملياً.

وسواء كان الفصل ممكناً أم لا، فإن «المعارضة المعتدلة» لا بد أن تُقر بأنها عجزت في نهاية المطاف عن اتخاذ موقف من «المتشددين» في الوقت الملائم. ويعود ذلك بالطبع إلى اعتبارات مختلفة ليس هذا مجال تعدادها، وإن كان أبرزها عدم القدرة عسكرياً، وسياسات النظام نفسه التي دفعت، بوحشيتها، المعارضين إلى الارتماء في أحضان المتشددين، كونهم الأقدر على رد الصاع صاعين.

لكن أحداث الجزائر، في تسعينات القرن الماضي، كان يجب أن تشكّل عبرة للمعارضة السورية (ربما لم يفت بعد أوان الاستفادة منها). بدأت تلك الأحداث مطلع عام 1992 عقب إلغاء نتائج الانتخابات التي فازت بها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، وسرعان ما تطورت إلى حرب أهلية. التحق آلاف الإسلاميين بالجبال وشكّلوا جماعات مسلحة سيطرت على مساحات شاسعة من الأرياف، ومدّت نشاطها إلى داخل المدن. وبحلول عام 1994 كان الإسلاميون يتحضرون للزحف إلى العاصمة. لكن خططهم وآمالهم سرعان ما انهارت لأسباب عدة بينها بلا شك فشل «المعتدلين» في فصل أنفسهم عن «المتشددين». والمقصود بـ «المعتدلين» هنا هم الذين حملوا السلاح لأن النظام حرمهم الفوز في الانتخابات. أما «المتشددون» فهم من حملوا السلاح لهدف مختلف تماماً كونهم لا يؤمنون أصلاً بالانتخابات والديموقراطية.

هذه الخلفية الجزائرية يمكن بسهولة إسقاطها إلى حد كبير على الحالة السورية، مع تغيير الأسماء. فـ «الجماعة الإسلامية المسلحة» هي «جبهة النصرة». وكما حصل مع مناصري «الإنقاذ» الذين رفضوا فصل أنفسهم عن «الجماعة» - على رغم تشددها - لمجرد أنها تقاتل النظام (الذي في الوقت ذاته اخترقها وتلاعب بها)، تكرر الأمر ذاته مع المعارضين السوريين الذين رفضوا تصنيف «النصرة» بالإرهاب بحجة أنها تقاتل النظام.

تسبب تطرف «الجماعة» الجزائرية في نهاية المطاف في إلحاق الهزيمة بـ «الإنقاذ» من خلال السماح للحكومة بالظهور بمظهر من يتصدى للإرهاب. وحتى عندما أدرك بعض قادة «الجماعة» خطأهم هذا في نهاية التسعينات وحاولوا تداركه من خلال «تغيير اسمهم» المرتبط بالتشدد (نشأت «الجماعة السلفية» بدل «الجماعة المسلحة»)، كانت الكفة قد مالت لمصلحة النظام الذي نجح في الوقت ذاته في إقناع شرائح من المسلحين الموالين لـ «الإنقاذ» بعقد هدن محلية وتسليم السلاح والمصالحة مع الحكومة. ويتكرر هذا الأمر اليوم في سورية من خلال عقد النظام هدناً محلية مع معارضين سلّموا سلاحهم و «نفوا» المصرّين على القتال إلى «قندهار إدلب». كما أن تغيير «النصرة» اسمها إلى «جبهة فتح الشام» لم يؤدّ، كما يبدو، إلى تغيير النظرة دولياً إليها بوصفها «إرهابية» نتيجة ارتباطها بـ «القاعدة».

ما نتيجة كل هذا السرد؟ النتيجة واضحة: خسرت «الإنقاذ» في الجزائر لأنها فشلت في أن تنأى بنفسها في الوقت الملائم عن «الجماعة».

هل تخسر المعارضة السورية اليوم نتيجة السبب ذاته، أي فشلها في النأي بنفسها عن «المتشددين»؟ سيقول بعضهم أن هؤلاء «المتشددين» هم من يحقق «الانتصارات» ضد الحكومة. قد يكون ذلك صحيحاً، لكن «نكسة حلب» لا بد أن تستعيد «الدرس الجزائري»، فلعل في تجربة «الإنقاذ والجماعة» عبرة للسوريين.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: كميل الطويل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ