هل يُكتب تاريخ أوباما بدماء أطفال سورية؟
هل يُكتب تاريخ أوباما بدماء أطفال سورية؟
● مقالات رأي ٢٦ سبتمبر ٢٠١٦

هل يُكتب تاريخ أوباما بدماء أطفال سورية؟

لم يدرك الرئيسان هاري ترومان وجورج بوش الإبن أن التاريخ يُسجل فعلتيهما، حين قرر الأول استخدام السلاح النووي في هيروشيما وناغازاكي، والثاني غزو العراق من دون أن يحسب حساب اليوم التالي لإسقاط صدّام.

فقد وضعهما التاريخ جنباً إلى جنب مع حكام مجرمين تسببوا بإراقة دماء أبرياء، على رغم أن كلاً منهما كان في حالة حرب. فعل الأول فعلته في حرب عالمية ضارية لم يكن ضحايا هيروشيما وناغازاكي إلا جزءاً صغيراً ممن قُتلوا وأُصيبوا فيها. وكان الثاني في أجواء مشحونة بتوتر حاد عقب هجمات أيلول (سبتمبر) 2001.

ومع ذلك لم يجد التاريخ عذراً لأي منهما. القرارات والسياسات المؤدية إلى سفك دماء أبرياء تُشين الرؤساء الأميركيين أكثر من غيرهم بسبب منظومة القيم التي أرساها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة. ولهذا وُصم رؤساؤها الذين تورطوا خلال مرحلة الحرب الباردة باعتداءات وانقلابات عسكرية بأنهم دمويون، على رغم أن ما اقترفوه كان أقل بكثير مما ارتكبه قادة بلدان أخرى لا تتبنى منظومات قيمية مماثلة لما أرساه مؤسسو أميركا.

لم يعرف أي من الرؤساء الأميركيين الذين دانهم التاريخ، وكُتبت أبحاث عن عدوانيتهم ودُبجت قصائد في هجائهم، ما كان ينتظره قبل مغادرته البيت الأبيض. فكل منهم كان منغمساً في أزمة محتدمة أو حرب أو معركة.

لم يتمتع أي منهم بالاسترخاء الذي نعم به أوباما، عندما تابع أنباء الصواريخ والقنابل والبراميل المتفجرة التي تقصف أرواح سوريين أبرياء بينهم أطفال في أعمار الزهور، وشاهد «فيديوات» تقطر منها دماؤهم، فلم تحرك هذه المذابح ضميراً في داخله، ولم تُذكّره بما تقادم من قيم أميركية. ولا يساوره اليوم أي شعور بالألم أو الندم لتركه تحالف الطغاة الأكثر شراسة يرتكب مذابحه في سورية، ثم ساعد الرئيس الروسي راعي هذا التحالف في محاولة غسل يديه من خلال «اتفاق» أتاح له أن يظهر في صورة «إنسانية»، من دون أن يقدم شيئاً للسوري في حلب أو غيرها.

ومن عجب ألاَّ يعرف أوباما أن هذا «الاتفاق» جعله شريكاً شبه رسمي، ومن موقع ذيلي، لبوتين الذي لا يعنيه حكم التاريخ. فهو يعتقد بأنه يصنع تاريخاً جديداً للأمة الروسية يعيد إليها أمجادها. وليس معقولاً أن يكون للتاريخ الذي يصنعه حكم عليه أو رأي فيه. لذلك فهو معني أكثر بالجغرافيا وساحاتها التي يتمدد فيها أو يصل نفوذه إليها.

وإذ يعتقد هذا النوع من الحكام أن كل ما يفعلونه مشروع لتحقيق ما يظنونه أمجاداً قومية يتغنى بها إعلامهم، تصبح جثث الأطفال السوريين بالنسبة إلى بوتين مجرد جسر يعبره في الطريق إلى هذه الأمجاد.

لكن الأمر يُفترض أن يكون مختلفاً بالنسبة إلى أوباما. لذلك من المدهش أن يختار مشاركة بوتين المغموس كله، لا يداه فقط، بدماء أطفال سوريين. لم يُضبط أوباما مرة واحدة معترضاً بوضوح، ومن دون مناورات لفظية، على فائض العنف الروسي في سورية بلغة تعبر عن موقف مبدئي ضد القتل والتجويع الممنهجين. لم يتهم أوباما بوتين أبداً بارتكاب جرائم في سورية. وحتى عندما استغل الأخير قصف «قوات التحالف» موقعاً لجيش الأسد في دير الزور يوم 17 الجاري، وجعل منه فضيحة دولية لواشنطن، اكتفى بردود متهافتة من بعض أركان إدارته، ثم جاءت ردود إدارته فاترة عندما شاركت طائرات روسية بقصف قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة في حلب بعد يومين. كان أقصى ما ذهب إليه أوباما عندما تعثرت محاولة صوغ «الاتفاق» الأخير في البداية قوله: «إذا لم نحصل على اتفاق، تكون روسيا أظهرت أنها طرف غير مسؤول يُدعّم نظاماً مجرماً»، وكأنه قدم لتوه من كوكب آخر ولا يعرف أن صديقه الروسي صُنو هذا النظام.

ولم يكف أوباما عن إثارة دهشة من لا يستوعبون إصراره على المضي في مد يد العون لبوتين. ففيما أسرع، ووزير خارجيته الذي صار ظلاً لنظيره الروسي، لمنح بوتين «شهادة» دولية في حسن السير والسلوك، كانت فرق إغاثة تُخرج مزيداً من جثث الأطفال من تحت الأنفاق في حي السكرية شرق حلب، بعدما قصفته طائرات روسية. وحدث ذلك بينما توصل مُحَّققون دوليون إلى أدلة على مسؤولية وحدات تابعة للأسد عن شن هجمات بالكلور العام الماضي، فبدا أوباما كمن يساعده للإفلات من أية محاسبة.

 وسواء اقتنع فعلاً بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان في سورية، أو أقنع نفسه بأنه قصَّر لأسباب خارجة عن إرادته، فأوباما يتحمل مقداراً غير يسير من المسؤولية عن دماء أطفال سورية. وبموجب ما قاله هو في خطابه الأخير أمام مؤتمر الحزب الديموقراطي في تموز (يوليو) الماضي، فـ «الخطأ ليس أن تخطىء، بل ألاَّ تتعلم من أخطائك وتحاول تصحيحها».

لذلك هو يتحمل المسؤولية عن شراكته الفعلية لبوتين ما دام مقتنعاً حتى اللحظة بأن لا خطأ في ذلك، وإلا كان قد بادر إلى تصحيحه. وهو يتحملها أيضاً إذا كان مدركاً الخطأ فيها، لكنه يجد نفسه أضعف من أن يصحِّحه. وقد يظن في هذه الحال أنه يستطيع أن يخدع التاريخ، عبر ادعاء أنه يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يغادر البيت الأبيض. لكن هذا ظن من النوع الذي يوصف في سياق آخر بأنه إثم، مهما قال لتبرير مشاركته الضمنية في سفك دماء أبرياء بينهم غير قليل من الأطفال. فله أن يقول ما يشاء، ويترك بوتين يفعل ما يريد، وفق ملاحظة ثاقبة أبداها بطل العالم الروسي السابق في الشطرنج غازي كاسباروف في سياق تعليقه على «الاتفاق» الأخير الذي رآه إحدى نتائج «علاقة مريحة» نشأت بين الرئيسين.

وهذه علاقة مريحة لبوتين فعلاً، ولكن ليـــس لأوباما الذي سيدفع ثمنها غالياً إذا كُتب تاريخه في الرئاسة، وبخاصة في فترته الثانية، بقدر كاف من الموضوعية. وعندها سيكون واجباً على اللجنة التي تمنح جائزة نوبل للسلام أن تتحلى بالشجاعة وتعترف بأن حصوله عليها في بداية ولايته الأولى كان خطأ تاريخياً جسيماً يستوجب التصحيح.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: وحيد عبد المجيد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ