... والحربُ في الموصل تُقرأ بالحربِ في حلب!
... والحربُ في الموصل تُقرأ بالحربِ في حلب!
● مقالات رأي ٢٦ أكتوبر ٢٠١٦

... والحربُ في الموصل تُقرأ بالحربِ في حلب!

إذا أردنا أن نفهم الحرب في الموصل، علينا أن نفهم الحرب في حلب وتلك الحرب في صنعاء. وإذا شئنا الدقّة علينا أن نتجاوز سطح الأحداث وغُبارها إلى ما هو تحت. وهذا مهم في ثقافة مُصابة بالتسطيح وبثنائية الأسود والأبيض و «معي» و «ضدي». فقد رأيت شيوعيين يهتفون لانتصارات الحشد الشعبي في الموصل وحلب. ورأيت قوميين يفعلون الأمر ذاته كأن المعارك معاركهم هم وكأن لا فرق بين شيوعي أو شيعي أو أصولي إلا بالاسم! ورأيت قوماً يُسقطون على هذه وتلك من حروب عقائدهم المندثرة وعُقَدِهم وأمانيهم وإرهاصاتهم وعجزهم. وهو عجز عام تجسّد في هذه الحروب وفي التعاطي معها.

في الموصل - وبحجة وجود «داعش» - وهي حجة - يتمّ إخضاع سُنّة العِراق لشيعته وتصفية نزعة ظاهرة إلى استعادة السنة زمام الأمور على الأقل في جزء من العراق الذي عرفناه. أما الوجود الأميركي أو غيره فهو هناك لالتقاء مصالح مع القوى المسيطرة راهناً في هذا البلد الذي تزيد موارده عن طاقته وعن قُدرته على استثمارها. أما الوجود التركي فهو يعكس، أيضاً، نوعاً آخر من المصالح وفي مقدمها إجهاض مشروع الدولة الكردية المستقلّة أو المستقلّة على نحو ما في شمال العراق تكون متواصلة جغرافياً وبشرياً بالتجمع الكردي في جنوب تركيا وشرقها. وهي تسعى في الوقت ذاته لضمان حصّة في موارد العراق بالضغط العسكري والحضور الفعلي لتعطيل المشاريع الأخرى أو التهديد بنسفها في حال لم تتمّ مراعاة المصالح التُركية. أما إيران - فمهما يكن - ستظلّ صاحبة الحظ المضمون في نسبة عالية للاستفادة من أي تطور ينشأ هناك. ففي كل الأحوال، ستظلّ إيران فاعلة بقوة على أرض العراق وبأدوار متعدّدة في رأسها ضمان حيز جغرافي وسياسي وبشري حليف أو متفاهم يوصلها كدولة ونفوذ وحُلم بأرض سورية ولبنان.

في حلب - يتمّ أمر مشابه مع خصوصيات تتصل بالحالة السورية. هناك، أيضاً، نشهد الجهود الجبارة لقمع ثورة الشعب السوري - وغالبيته سنّية - ضد نظام حكم أقلّوي. وهي ثورة بدأت مدنية سلمية وتحوّلت في مظاهرها وقواها وخطابها، لكنها ظلّت رغم كل شيء تجسّد الرغبة في تبديل نظام أمني قمعي جثم على صدور السوريين والسوريات عقوداً طويلة أطول مما ينبغي. ظلّت تجسّد رغبة في إقامة دولة أكثر عدلاً ومجتمع أكثر مدنيّة ونظام أقلّ شمولية. ولا ضير أن تكون غالبية المنتفضين في 2011 من السنّة. فهذه نتيجة حتمية لعقود من نظام امتيازات الطائفة العلوية وسؤددها. أما حديث العروبة والأمة والبعث فهو غبار قُصد به لسنوات طويلة التستّر على انحياز الدولة لمصالح أقلية - أقليات في فلكها - توجّست من أن تفقد السيطرة. وهنا يحضر «داعش» كفزّاعة وحجّة وأداة.

يتمّ تصوير الفصائل المسلّحة الإسلاموية الخطاب كخطر على العالم بأسره، فنراه يتجنّد بقواه المتنفّذة مع النظام وحلفائه في قصقصة أجنحة المعارضة على فصائلها كافة - السياسية والعسكرية والمدنية والعلمانية والمتدينة. إما بالخذلان أو بالقوة المباشرة أو بحرمانها من منظومات سلاح ودعم عسكري وسواه كان يُمكن أن يحسم الحرب هناك من مدة. وإلا كيف ينتقل النظام من الدفاع إلى الهجوم ومن الانزواء إلى محاصرة الشعب وقواه في أقلّ من سنتين؟ وكيف يكون حرّاً في التجويع والتهجير والتدمير وارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية؟ أما تركيا فتتدخل هنا أيضاً لضمان مصالحها التكتيكية والاستراتيجية - ضد الثورة أو فصائل فيها أو معها وضد الأكراد أو في اتفاق معهم!

أما صنعاء التي انقلب فيها رأس النظام هناك - علي صالح - على الثورة الشعبية التي أطاحت به بالتحالف مع إيران ووكلائها هناك، أعدائه الطيبين الذين استعملهم سنوات طوال في تأخير الثورة وتطوير النظام والمؤسسات وتوزيع الموارد؟ وهو علي صالح - لمن نسي - الذي قاد حرباً ضد اليمن الجنوبي وصفّاه تماماً باسم فرض الوحدة بين اليمنين ابتداء من العام 1994. وهو - لمن نسي - اليمن ذو الحلم الاشتراكي التقدمي! وعبدالله صالح هذا فتح مناطقه لإيران وللحوثيين الذين شكّلوا قوة ضاربة ضد الثورة المدنية التي فازت بتأييد عربي واسع. بل رأتها إيران فرصة لتحقيق مصالح متعددة ومنها إجهاض الإمكانية ليمن أكثر ديموقراطية أو استقراراً، تعزيز قدرات الحلفاء على شاطئ البحر الأحمر ممثلين بحوثيين وصالح نفسه، والأهم - مشاغلة السعودية في حدودها الجنوبية وإقلاق راحتها وهي الداعمة للثورة الشعبية في سورية.

الحروب إذاً حروب مصالح ومشاريع سياسية إقليمية. لكن علينا أن نتبيّن تلك القوى التي تقف ضد ثورات الشعوب في هذه المناطق وتلك التي دعمتها. صحيح أن للدول الداعمة مصالحها في هذه الثورات أو هذه القوى التي خرجت ضد أنظمة ومشاريع تظلمها، لكن للدول الداعمة للأنظمة الدموية وللاستبداد مصالحها. وهي لا تقف ضد المشاريع الأميركية أو الاستعمارية بل مع هذه المشاريع وتلتقي معها. فالنظام في العراق الآن ليس نظاماً صدّامياً ولا هو نظام سنّي أقلويّ بل هو نظام شيعي بامتياز صنعته أميركا وتحميه وتربّيه على أكفّها كزغاليل الحمام. ليس لأنها تحبّ الشيعة أو إيران فجأة، بل لأنها تريد أن تضمن مصالحها بخاصة تلك التي يحددها مجمع الصناعات النفطية الأميركي - الكوني! وهي موجودة في خليج عدن لتضمن مصالحها هي - ولن يهمها كثيراً إذا كانت هذه المصالح ستُضمن من الرئيس هادي منصور أو علي عبدالله! فالمصلحة الكونية - نظام العولمة - تقتضي أن يبقى مدخل البحر الأحمر الجنوبي مفتوحاً لحركة الملاحة العالمية.

وعليه، إذا شئنا أن نقرأ خارطة الحروب فلنقرأها بعيون الشعوب التي أرادت التغيير والديموقراطية والكرامة ودولة المؤسسات لكنها خُذلت كلياً أو جزئياً بأيدي قوى إقليمية وكونية تريد تثبيت مصالحها التكتيكية والاستراتيجية. علينا أن نكون جريئين ونفكّر خارج النسق المعهود لنعطي الشعوب حقوقها ولو في لغتنا وحساباتنا. أما أن نذهب نحن أيضاً في قراءة الشعوب ومصالحها وفقاً لتوازنات القوى وخارطة المصالح المعادية للشعوب، فهذا يعني أننا سنخطئ بالضرورة وسنظلم. ومن أوجه الظلم الآن مثلاً أن ينشر الناشطون في الميديا أخبار الموصل كأنها انتصارات بينما المجازر على أبواب المدينة و «داعش» حجّتها لا الفاعل بدلالة أن 95 في المئة من التقتيل في سورية - مثلاً - حصلت وتحصل بأيدي النظام والطاغية وحلفائه لا بأيدي «داعش». وهكذا في الموصل - إن قوة التدمير التي يمتلكها مهاجمو المدينة تفوق مليون مرة القوة التي يمتلكها المتمترسون داخل المدينة وفي الخلفية مدّ شيعي مسكون بالتاريخ المفخّخ. فإذا كانت هناك من مؤامرات فهي ضد الشعوب والفئات المستضعفة فيها، أما النظام في سورية وعبدالله صالح والحوثيون والعراق في الراهن وفي هذه اللحظات الدموية فهم رأس الحربة في المؤامرة!

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: مرزوق الحلبي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ