وداعاً يا غوطتي.. سنلتقي قريباً
وداعاً يا غوطتي.. سنلتقي قريباً
● مقالات رأي ٢ أبريل ٢٠١٨

وداعاً يا غوطتي.. سنلتقي قريباً

وكأنني جسدٌ غريقٌ في بحر الذكريات، يحاول التشبث بقطعة خشب من ذاك الزورق الذي خانته الرياح، وفرّقت ركابه، قبل أن يصل إلى شاطئ النجاة..

وكأنني طفلةٌ ضائعةٌ في طريقٍٍ مجهول، تبحث عن يد أمها التي تركتها دون قصد، وتسمع صوتَ والدها ينادي اسمها بصوتٍ عالٍ، تحاول البحثَ عنه، لكن لصَّاً متخفياً، يغلقُ فمها ويمنعها من الوصول إليه..

وكأنني حلمٌ لم يكتمل.. قتله الواقعُ الأليم في منتصف الطريق، وسلب منه إصراره على الصمود، ليرميه ميتاً، دون أن يراهُ أحد. وكأنني جسدٌ بلا روح.. لم أكن أستوعبُ هذا الوصف حتى عشته، فكيف لجسدٍ أن يعيش بلا روح؟!

أنا الآن أعيشُ في منأى عن بلدتي، حارتي، منزلي، وحتى أهلي، لن أراهم بعد اليوم.. كانت تفصلني عنهم أمتارٌ قليلة، واليومَ تفصلني عنهم عدةُ بلداتٍ وحواجزُ للنظام بعد تسليم بلدتي..

ودعتهم قبل أيام، وشعورُ "العجز" كان يسيطر على لحظاتِ الوداع.. أنا عاجزةٌ عن البقاء لأن إنسانيتي لا تسمح لي بالعيش مع سفاحين ومجرمين، لم يتركوا سلاحاً إلا وجربوه علينا وعلى أطفالنا.. وأهلي عاجزون عن الخروجِ من أرضهم، ونفيهم خارج حدودِ تلك البلاد.. كانت المرةُ الأولى التي أرى فيها والدي منهاراً لهذه الدرجة، وكأنه عاجزٌ عن حمايتي من مجهولٍ ينتظرني.. ودعتهم، لكنّ روحي أبَت أن تودعهم.. أشعرُ بروحهم معي في كلّ لحظة..

دعواتُ أمي وأبي تحيطُ بي وترعاني، أشعرُ بنسماتِ دعواتهم تمنحني الراحةَ والقوةَ والصبر.. "الله يبعتلك حناين" هذا آخرُ دعاءٍٍ سمعته من أمي، والحمد لله، مواقفُ عدة تشعرني باستجابة الله لهذا الدعاء، وتأثيره واضحٌ على حياتي اليومية في هذه الظروف الصعبة التي نعيشها..

أكثرُ ما يريحني هذه الأيام، شعوري أن "الله يحبني". ليس سهلاً ما نعانيه، ومن الصعب التأقلمُ عليه، لكنني على يقين أنه "ابتلاء وامتحان من الله"، وأن الله إذا أحبَّٖ عبداً ابتلاه.. يريحُني أن الله يغفر لي ذنوبي مع كل ساعةِ صبرٍ واشتياقٍ وألم، ومع كل دمعة لذكريات ذهبت ولن تعود.. "غرقتْ مع ذاك الزورق الذي خانته الرياح"..

ولربما تصبحُ هذه الأيام المؤلمة، "ذكرى"، نخبرُها لأطفالنا وأحفادنا يوماً، ونحمدُ الله أننا نجونا منها بأعجوبة.. شكراً يا الله لأنك معنا..

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: ورد مارديني
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ