وصايا روسيا للأسد
وصايا روسيا للأسد
● مقالات رأي ١٦ مارس ٢٠١٨

وصايا روسيا للأسد

استعمل ما شئت من أسلحة، وما ترغب به من طرق وأساليب عسكرية، كما يمكنك الاتكاء على ترسانتنا، قديمها وجديدها، ما تم تجريبه وما ينتظر، مئات من أنواع الأسلحة المخصصة لمجابهة أميركا وحلف الأطلسي، واطلب ما تريد من مليشيات وعناصر تأتيك من لبنان وإيران وباكستان، فضلا عن العراق، فلا شيء أهم من أن يتردد في هذا العالم صدى صوت الزعيم فلاديمير بوتين حين يقول انتصرنا.

لا تهتم كثيرا لاستراتيجيات المُقال، ريكس تيلرسون، فللاستراتيجيات الحقيقية طعم ولون لا يشبهان تلك التي ينفثها هذا الرجل، ولا تعطي أذنك لفذلكات نيكي هيلي، فهي ليست مادلين أولبرايت ولا حتى سوزان رايس، ولا تزعجك قفشات بوريس جونسون ومندوبه في مجلس الأمن، ولا تعطي التفاتة لعنتريات ماكرون الحماسية. دع جميع هؤلاء لسيرغي لافروف يساجلهم على المنابر، ويزوّده مركزنا في حميميم بمعطياتٍ، نحن نجهزها وعلى العالم تصديقنا، ما دمنا نقول إن المسلحين يرشقون دمشق بالهاون، فليس للغوطة من ينقذها من مخالبنا.

أما ملف الكيماوي الذي أصبح مثل لعبة حاوي الأرانب السمجة والمملة، فالغرب يعرف، قبل الجميع، أنها قضية منتهية الصلاحية منذ اليوم الذي وافق فيه باراك أوباما على إجراء تلك المقايضة المعلومة، وعلى أساسها تم شطب السجل الكيماوي من تاريخ الصراع في سورية، فعن أي كيماويٍّ يتحدثون؟ إذا كانت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لا تدرج غاز الكلور وغيره ضمن قوائمها!

هذه الحرب حربُنا، ونحن قوّة صاعدة يحق لها مجالٌ من الأرض، وقطاعات من البشر، نجرّب عليهم طرائق إداراتنا ونختبر أسلحتنا ونظهر للعالم كم نحن نستحق مثل هذه المكانة التي يجب أن نكون عليها، ثم هذا عرف دولي لم نخترعه نحن، كل القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة تعلن عن نفسها من خلال مناسبات كهذه، ونحن، روسيا العظمى الصاعدة لسنا أقل من أحد.

لا تنتبه لهم، لو أرادوا مواجهتنا لما احتاجوا كل هذا الزعيق، ولا ذلك النحيب، كانت لديهم عشرات الكتائب والمليشيات، ولم يكن الأمر يحتاج سوى بعض الأسلحة. يومها لم تكن قواتنا قد تدخلت، وكانت تقديراتنا تذهب إلى أنهم سيفعلون، ولم تكن لنا الاستعدادات الكافية لمنعهم، لكن ماذا حصل؟

لقد فكّكوا تلك البنية التي كانت تشكّل الخطر الأكبر عليكم وعلينا، وراحوا يصنفون، هذا متشدد لا يمكن أن نمنحه أسلحة، وذاك متوسط يصعب أن نتعامل معه مباشرة، والأخر معتدل، لكنه قد يكون مخترقاً، لذا يمكن التعامل معه، من دون أن نسلمه أسلحة كاسرة للتوازن، على ذلك فقد قرّروا تأسيس لعبة طويلة الأمد لا أحد يقدر على فهم أهدافها ومآلاتها غير استراتيجييهم الكهلين.

لا تقلق، لدينا خبرة واسعة في إدارة الأزمات، نعرف كيف نقضم مواقف الآخرين بالتدريج ونميّعها، ونعرف كيف نُغرقهم بالهوامش والتفاصيل، ونبعدهم عن الجوهر، ونعرف أيضاً كيف نجعلهم ينسون ما بدأوا النقاش به، كما نعرف كل النخبة السياسة الحاكمة في الغرب، نعرف مفاتيحهم وأقفالهم وأسرارهم ونقاط ضعفهم.

اضرب، هذا العالم لا يحترم سوى القوي، ألم تر كيف تقاطرت الدول لشراء أسلحتنا التي عرفوها بفضل نتائجها الباهرة في سورية، طائراتنا الفاخرة، وصواريخنا الخارقة، باتت رمزاً للقوّة، فالسوخوي أصبحت صنواً للعاصفة، وقاذفات الصواريخ BM-30 أصبحت رمزاً للجحيم، حتى التي لم نستخدمها مرّة واحدة، منظومة الصواريخ إس 400، فإنتاجنا منها حتى عقود مقبلة مباع سلفاً.

انظر إليهم، يرسلون الرسائل إلينا لنضغط عليكم، ولكي نطالبكم بوقف إطلاق النار في الغوطة، وكأن ليس نحن من اشتغل على إنتاج قرار مكبل في مجلس الأمن يصلح لكل شيء عدا وقف إطلاق النار، وكأن ليس ضباطنا من يقودون المعارك؟ ويتوسلون إيران لتضغط عليكم، وكأن إيران المشغولة في ترتيب تفاصيل مشروعها الجيوسياسي ستكون على استعدادٍ لإطلاق الرصاص على أقدامها نزولاً عند توسلاتهم!

ما يجب أن تعرفه جيداً أنك محظوظ أكثر من اللزوم، لأنك تقوم بأعمالك، بزمن موت الضمير العالمي، وموت السياسة، وانبعاث منطق العصابة، انظر حولك ستجد السياسة، وقد تحولت، في جميع أنحاء العالم، إلى نمط من حكم العصابات والسباق على الثروات والمغانم، فلم يُسقط هذا العالم الأيديولوجيات فحسب، بل وكل المنظومة القيمية والأخلاقية، بذريعة أنها من بقايا الصراع الأيديولوجي، وأحل مكانها منطق السوق بذريعة أنها لغة العصر ومفاتيح الشطّار للحداثة.

إنها فرصتك لتقتل في وضح النهار ثورة الشعب ومطالبه، وفرصتنا لنجعل هذا الأمر مشروعاً، فوداعاً للثورات التي تجعل عامة الناس وحثالاتهم، باسم الحرية والديمقراطية، يتطاولون على سدنة الأنظمة، الذين لولاهم لم تكن هناك دول، ولا حياة منظمّة، ولا أجهزة تدير حياة البشر.

افعل كل ما تريد، أما نحن سنكون مرّة في خلفية المشهد، عندما نفاوض ونساجل ونتبجح بالقوانين وسيادة الدول، ومرّة في مقدمة المشهد، عندما نضرب بأسلحتنا الفتاكة، ونقود المعارك، ويستعرض زعيمنا على شاشات عملاقة أسلحتنا الفاخرة، مثل إعلان تجاري مبهر.

وغدا عندما ستسقط الغوطة، سيتصالحون مع أنفسهم ويخضغون للأمر الواقع، بل ربما سيتنفسون الصعداء، لأنهم ارتاحوا من هذا العذاب، لن يختلف الأمر عن حلب. في اليوم التالي لسقوطها، لم يعد أحد يأتي على ذكرها، فكلّما ابتعدت الأحداث وكلما تسرّبت من الذاكرة وأزاحتها الضمائر.. تقدّم.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: غازي دحمان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ