“تحالف الأسد-بوتين” سيئ السمعة؛ خرقٌ شديدٌ للقانون الدولي
“تحالف الأسد-بوتين” سيئ السمعة؛ خرقٌ شديدٌ للقانون الدولي
● مقالات رأي ١٢ نوفمبر ٢٠١٧

“تحالف الأسد-بوتين” سيئ السمعة؛ خرقٌ شديدٌ للقانون الدولي

تشارك القوى العالمية الكبرى في الصراع السوري و “الحرب بالوكالة”، والتي باتت مرادفًا لطبيعة الاقتتال في البلاد. وعلى الرغم من الطابع غير الدولي الظاهر لطبيعة النزاع السوري، إلا أنّ العديد من الدول، التي تعدّ طرفًا ثالثًا، ساهمت في تنشيط الأزمة، ودعمت أطرافًا مسلحةً في النزاع، أو حتى ساهمت -بصورة وبأخرى- في العديد من التحالفات العسكرية والسياسية الفاعلة، سواء كان ذلك مع حكومة بشار الأسد أو مع مجموعات المعارضة المسلحة الأخرى. لم يكن لهذه التحالفات تأثير كبير على تداعيات النزاع السوري فحسب، مثل زيادة أعداد الضحايا في صفوف المدنيين وزيادة نسبة العمليات الفردية، بل أثّرت أيضًا في مسار النزاع ونتائجه. ويمكن للحرب بالوكالة أنْ تتّخذ صورًا عدّة، مثل تحالفات دول متعددة مع بعضها بعضًا، أو دولة ما تدعم دولة أخرى، أو دول تدعم جماعات مسلحة، غير شرعية لدول أخرى.

وفي الصراع السوري، حظي التحالف الروسي، سيئ السمعة، مع نظام بشار الأسد بالأهمية الكبرى، من بين جميع التحالفات الواقعة في المنطقة.

يقع جزء من مسؤولية تعزيز القانون الدولي ودعمه على عاتق روسيا؛ كونها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن. بيد أنّ روسيا قرّرت تأييد نظامٍ يرتكب، بصورة اعتيادية، جرائم حرب شنيعة وجرائم ضدّ الإنسانية. وعلاوةً على ذلك، ارتكبت روسيا نفسها جرائم خطرة، مثل قتل المدنيين الأبرياء في غارات جوية، خلال شهرَي شباط/ فبراير وتشرين الثاني/ نوفمبر 2016، استهدفت ودمّرت مستشفيات عدّة ومدرسة في حلب. لذلك، مشروعٌ لنا أنْ نتساءل عن شرعية الانضمام الروسي إلى ركبِ نظام الأسد.

بدايةً، من المهم فَهْم عواقب التحالفات في أثناء الحروب. تشير دراسة نوعية شاملة، قام بها “إبراهيم البدوي” و”نيكولاس سامبانيس”، إلى أنّ أمَد الحروب الأهلية يزيد حينما تتدخل دول أجنبية في الصراع. وعلاوةً على ذلك، إنّ الدول المشاركة في النزاعات من خلال التحالفات هي دولٌ أقل اكتراثًا بعواقب تدخلها، كالاهتمام بأعداد الضحايا والإصابات في صفوف المدنيين؛ لأنّها لا تستهدف شعوبها الأصلية بصورةٍ مباشرة. وفي معظم الحالات، تُركّز الدول المنغمسة في الصراعات الدولية على أهدافها الجيو-السياسية، وتُبدي تعاطفًا ضئيلًا بمعاناة السكان المعنيين بالصراع بصورة مباشرة. إضافةً إلى ذلك، تُعَقِّد التحالفات الجهدَ الرامي إلى مساءلة ومحاسبة الأطراف المسؤولة عن ارتكاب انتهاكات في القانون الدولي، حيث يَصعب تحديد مسؤولية الطرف المرتكِب للجريمة. ويرى المستشارون القانونيون التابعون للجنة الدولية للصليب الأحمر أنّ الأطرافَ المشاركة في نزاعٍ ما، من خلال التحالفات، لا تتردد إطلاقًا بانتهاك القانون الدولي، لأنّها تُدرك صعوبة تحديد المسؤولية. ومع ذلك، يُمكن، بصورة مقنعة، أنْ ترتكب الأطراف الأجنبية جرائم حربٍ، بالنيابة عن شركائها المحليين.

لذا، من الضروري تقييم مساهمة روسيا في آلة الحرب الأسدية.

بدأت روسيا حملتها الجوية في أيلول/ سبتمبر 2015، بعد أنْ أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (2249)، الذي يسمح للدول الأعضاء في مجلس الأمن باتخاذ إجراءات عسكرية أحادية الجانب للقضاء على تنظيم (داعش). الأمر الذي دعا موسكو إلى رفع شعار “الكفاح ضدّ الإرهاب”، كذريعة تبررُ تدخلها العسكري في سورية. ومع ذلك، تشير الدلائل إلى أنّ هذه الغارات الجوية المعنية، بالدرجة الأولى، في استهداف تنظيم (داعش)، استهدفت في المقابل، بشكلٍ منهجي، جماعات المعارضة المسلحة التي تقاتل نظام الأسد وتنظيم (داعش) الإرهابي معًا. وعلاوةً على ذلك، ادّعت روسيا أنّها استجابت لدعوة الأسد للتدخل في سورية، ومن ثمّ احترمت مبدأ “التدخل عن طريق الدعوة”. ويسمح هذا المبدأ للقوات العسكرية الأجنبية بإحلال السلام في البلاد التي استدعتها، وذلك من دون التغاضي عن “عدم استخدام القوة ضدّ السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة”، وإلّا تُعدّ انتهاكًا محظورًا بموجب مادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة. ونتيجة لذلك، يمكن القول إنّ مبدأ الدعوة قانوني تمامًا، بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، وكما رأينا في قضية نيكاراغوا ضدّ الولايات المتحدة الأميركية في محكمة العدل الدولية، فإنّ الدعوة صحيحة إذا ما اعتُبرت الحكومة هي الهيئة الشرعية للسلطة ضدّ القوات السياسية والعسكرية المعارضة. ومع ذلك، في الحالة السورية، اعتُرِف بالائتلاف السوري المعارض، وعلى نطاق واسع، من قبل الأغلبية العظمى من المجتمع الدولي، بأنّه الممثل الشرعي للشعب السوري. ولذلك، فإنّ نظام الأسد ليس في وضعٍ يسمح له بدعوة الدول للتدخل في النزاع، منذ أنْ فقدتْ حكومته التمثيل الشرعي للسلطة. في ضوء ذلك، يُعدّ استخدام القوة الروسية في سورية استخدامًا غير متوافق مع مفهوم “التدخل عن طريق الدعوة”؛ لذا فهو غير قانوني بموجب القانون الدولي.

إضافة إلى ذلك، عندما يُحلّل المرء واقع التدخل الروسي، يجب عدم إغفال “القانون الدولي الإنساني (IHL)”، إذ إنّ احترام القانون إلزاميٌ على جميع الدول، بموجب المادة 1 المشتركة بين جميع “اتفاقيات جنيف” و”القانون الإنساني الدولي (IHL)”. ومن خلال شنّ الضربات الجوية، تصبح روسيا جزءًا من النزاع المسلح، ومن ثمّ، ملزَمة بتطبيق واحترام القانون الدولي الإنساني. وبما أنّ الضربات الجوية الروسية تستهدف مناطق المدنيين، على نحو اعتيادي ومنهجي، وتُقدِم على تدمير البنى التحتية للمدن، مثل المستشفيات والمدارس، ولا تقوم باستهداف المناطق التي يسيطر عليها تنظيم (داعش)؛ فإن هذا يجعل تدخلَها في سورية انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني؛ وبالتالي يجعل دعمها العسكري المباشر لنظام الأسد غيرَ قانوني، بموجب التزاماتها الدولية.

ويتعزّز مفهوم عدم شرعية التدخل الروسي، حينما يجري تقييم نطاق الدعم هذا ومدى فاعليته وتأثيره في الواقع السوري، حيث لا يُغفل ما قدّمه الدعم الروسي من تعزيزٍ وإطالة في أمد القدرة القتالية لقوات الأسد.

فيما ينصُّ التعليق المرفق باتفاقية جنيف الأولى على أنّه “في حالة العمليات المتعددة الجنسيات، يتطلب، بموجب المادة 1 المشتركة، من الأطراف الأساسية المتعاقدة أنْ تشير إلى عملية محددة متوقعة، استنادًا إلى وقائع أو معرفة بأنماط سابقة، من شأنها أنْ تُعَدُّ انتهاكًا للاتفاقيات؛ لأن ذلك من شأنه أنْ يُشكّل مساعدة أو تقديم عون”. وفي الحالة السورية، ثبت انتظام “نظام الأسد” في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، منذ اندلاع أعمال العنف في عام 2011. وأفاد مستشارو اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنّ المساعدة وتقديم العون لا تعني بالضرورة إجراء عمليات عسكرية بالنيابة عن الدولة المتورطة فحسب، بل يُمكن أنْ تتجسد في صورة عمليات التمويل وتوفير الأسلحة، والمساعدة في مجال الخدمات اللوجستية والاستخبارات للدولة المعنية أيضًا.

روسيا، إضافة إلى مشاركتها المباشرة في العمليات العسكرية في سورية، ينطبق عليها جميع المعايير والشروط المتعلقة بالمساعدة وتقديم العون. كما حافظت على قواعد لقواتها البرية والجوية في سورية، بل قامت ببنائها أيضًا، حيث إنها “تؤدي دورًا محوريًا في عملية إعادة الإعمار والاستثمارات الاقتصادية في سورية”، وذلك من خلال عقد صفقات نفطية، وغيرها من اتفاقيات البنى التحتية، ومن خلال توفير الدعم المالي اللازم للدولة السورية. وعلاوةً على ذلك، وقّعت موسكو مؤخرًا اتفاقيةً للحفاظ على قواعدها الجوية في سورية مدّة نصف قرن؛ ما سيمنح تحالف وشراكة البلدين صفة الديمومة.

وجدير بالذكر أنّ الأسد نقل قسمًا كبيرًا من قواته الجوية إلى القواعد الروسية، في نيسان/ أبريل الماضي، ما يدلّ، بوضوح، على التعاون العسكري الوثيق للغاية بين الدولتين. وأمّا من حيث الدعم العسكري، فقد قدّمت موسكو بصورة دائمة التأهيلَ المطلوب لدمشق، من حيث تزويدها بأحدث المعدّات العسكرية الهجومية مثل مركبة المشاة الروسية، وغيرها من المدرعات المتقدمة والطائرات المسلحة بدون طيار والطائرات المقاتلة وطائرات الهليكوبتر، ما يدلّ على التأثير غير المباشر لروسيا في قدرة نظام الأسد على الانتقال من العمليات العسكرية الدفاعية إلى الهجومية مع نجاح ساحق. وأخيرًا، نشر بوتين منظومة جمع المعلومات الاستخبارية والتنصت في سورية، من أجل تزويد نظام الأسد بمزيد من الموثوقية والفاعلية التي يمكن من خلالها الاعتداء على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بشكل أكثر فاعلية.

ولذلك، فمن خلال دعم النظام السوري، بهذه الطريقة، بارتكابه فظائع موثقة ضدّ الشعب، تُقدم روسيا يد العون والمساعدة له، أي أنها مذنبة بالقدر ذاته في انتهاك القانون الدولي الإنساني.

إنّ روسيا، على الرغم من مبررات تدخلها في سورية، بقدر دعمها للنظام السوري، تنتهك بصورة صارخة القانون الدولي. ولا بدّ من وضع حدّ لهذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها. ومع ذلك، فإنّ انسحاب روسيا من “نظام روما الأساسي”، العام الماضي، يجعل من المستحيل إشهار دعوى ضدّها في المحكمة الجنائية الدولية إلّا من خلال رفع الدعوى من قبل مجلس الأمن. وهذه الإحالة غير واقعية، حيث إنّ روسيا، بموجب الحقوق الممنوحة لها بوصفها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، ستمارس صلاحياتها في حق النقض “الفيتو” لعدم المساس بسياستها الخارجية. ومن سوء الحظ، ليست هذه هي المرة الأولى التي تخالف فيها روسيا القانون الدولي (مثل الحرب الروسية -الجورجية وضم شبه جزيرة القرم)، الأمر الذي يؤدي إلى فتح قضايا ضدها في المحاكم الدولية. ومع ذلك، فإنّ روسيا ما فتئت تعمد إلى إساءة استخدام أحكام القانون الدولي، وتشويهها بما يُحقق مصالحها الخاصة، وقامت بالفعل ببناء حيّز يسمح لها دومًا بالإفلات من يد العدالة والمساءلة. وربما يؤكد هذا، مرةً أخرى، الاعتقاد السائد بأنّ القانون الدولي لا يفيد إلّا دول العالم القوية، ولا يُطبَّقُ إلّا حينما تقرر هذه الدول القيام بذلك.

المصدر: صحيفة جيرون الكاتب: إيما كابرول
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ