لافروف «منصف الثورة»
 لافروف «منصف الثورة»
● مقالات رأي ٢١ يناير ٢٠١٧

 لافروف «منصف الثورة»

لافروف الذي قال إن روسيا أنقذت دمشق من السقوط أصبح موثوقا صادقا، بل وصفه أحد المنابر الثورية بأنه أنصف ثوار سوريا، تخيلوا ماهية ذلك العقل الذي يصف وزير خارجية الدولة التي قتلت آلاف السوريين بالمنصف، هو العقل الانتقائي الضحل ذاته أو (اللاعقل)، الذي يعرف أن لافروف نفسه قال قبل اربعة اشهر فقط إن «الاسد صمد، لست سنوات وبات يتمتع بشعبية أكبر بين مواطنيه».

بالنسبة لداعمي الفصائل المنخرطة بالتسوية مع النظام، فإن البحث عن تبريرات لتراجعهم عن مواجهة النظام أمام جمهور الثورة الغاضب بات هو عملهم الوحيد، خاصة ان تواجدهم مقتصر على الفضاء الإعلامي. أما في ساحة الفعل فيكاد يكون معدوما، وهكذا فإن الاعتماد على تصريحات مسؤولين روس يصبح أمرا مقبولا، حتى إن كانوا يكذبون اكثر من النظام نفسه، وحتى إن تحول الروس من اعداء للثورة الى شهود منصفين، وكأنهم لا يعرفون ان السياسة فن الكذب، وأن التصريحات السياسية هي دعاية وإعلان وشرعنة لعمل ما، فالروس أرادوا من هذا التصريح الدعاية لقوتهم العسكرية وتضخيمها، كما يعتبرونها حجة للتدخل تماما، كما اخترع الامريكييون حجة اسلحة الدمار في العراق للتدخل، عندما قدم، كولن باول في مجلس الامن عرضه الدرامي في مسرحية ملأت الدنيا كذبا..

واكثر المفارقات التي يعيشها من يعتمدون على التصريحات والأقاويل في فهم وتفسير مجريات الواقع، أنهم سيصلون لنتائج متناقضة تماما إذا اعتمدوا على التصريحات، الدعائية السياسية، فهل يمكن الاستناد إلى أن لافروف نفسه قال قبل أربعة اشهر إن الاسد صامد وشعبيته تزداد؟ أم عليهم تصديق حزب الله الذي قال احد قادته لجريدة «التايمز» إنه من أنقذ الاسد؟ أم العميد الايراني مسجدي مستشار سليماني (السفير الايراني الجديد في بغداد) الذي قال بتصريحات علنية ايضا، إن فيلق القدس أنقذ الاسد من السقوط؟ أم على تصريحات حلفائهم بالنظام السوري؟ القوى التي تتحدث باسم الثورة والتي روجت لتصريحات لافروف، تواصل سياسية الهروب من مواجهة الحقيقة، بحرف عين الجمهور عن الطرف الابرز الذي ساهم بانقاذ الاسد، وهو داعموه من الانظمة العربية.

فهذه الانظمة والفصائل المرتبطة بها كانت هدية السماء لنظام الاسد، تماما كما كانت هدية السماء للسيسي، فقد اخضعت ثوار الربيع في سوريا الذين خرجوا لاسقاط الانظمة وحولتهم لموظفين مأجورين عند عتاولة الانظمة، وروضت الاسلاميين منهم ليسيروا على درب الولايات المتحدة المعتدل، أملا بانتصار موعود على الاسد، قبل ان يسدل الستار على هذه المسرحية السمجة، بمشهد صادم ينتهي بـ»مذكرة الجلب» للاستانة، قبل ان تبدأ فصوله بطوابير المقاتلين العائدين لحضن الوطن من تلك الفصائل «المعتدلة» نفسها وهم يهتفون بالمعضمية بحياة ماهر الاسد.

وهكذا بدلا من تحميل مسؤولية الاخفاق لمن صنع ألف راية وفصيل للاكثرية السنية في سوريا، وفشل امام تحالف ايراني صنع من اقلية علوية قوة مهيمنة، تذهب التبريرات بعيدا في استغفال القارئ العربي واستغلال توقه لاي انتصارات في زمن هزائم متتالية، فيتحول السيد المنقذ الثوري لافروف لمحلل وخبير، ننتظر منه وصفا ميدانيا لواقع نزاع يفترض اننا نراقبه ونعيشه تفاصيله .

وهكذا اريد ابعاد اعين جمهور الثورة عن مكمن الداء، ليراد منهم ان يصدقوا أن الخلل لم يكن في قوى المعارضة المترهلة وداعميها المدججين بترسانات الاسلحة الصدئة، بل بقوة روسيا الساحرة التي لا يجرؤ احد على مقاومتها، تماما كما صنع هذا الجو الاسطوري لامريكا سابقا، يراد اقناعهم بقوة روسيا التي لا تملك قواتها دبابة واحدة في سوريا، ولم تشارك بكتيبة مقاتلة في معركة في سوريا ولا يزيد عدد مستشاريها عن عدة مئات.

يجب إقناع الجمهور أيضا بأن أكبر فصائل الغوطة في ريف دمشق المقرب من السعودية، الذي انشغل باعتقال قادة الثورة الاوائل في الغوطة كأبو علي خبية وغيره، وامتلأت سجونه بمئات المقاتلين من الفصائل التي قمعها في الغوطة، كجيش الأمة، في خطوة تهدف للاستبداد وليس للتوحيد، أوشك أن يحاصر أسوار العاصمة، إنه الفصيل الذي قاده اداؤه المترهل الى تجميد أكبر كتلة بشرية مقاتلة لمناطق المعارضة ونزع فتيل، اي هجوم حقيقي مؤثر على النظام منذ اواخر 2013.

رجال فصائل الغوطة، الذين احتفل انصارهم بتصريحات «منصف الثورة لافروف» ورغم انهم ولاربع سنوات ظلوا عاجزين، عن السيطرة على أي حي بدمشق وهم على تخوم ساحة العباسيين، الا انهم اقنعوا انفسهم انهم كانوا فجأة على ابواب القصر الجمهوري ولكن روسيا القيصرية تدخلت وبلحظة تاريخية لحماية دمشق، ونجحت بذلك دون اي جندي روسي مقاتل على الأرض، تماما كما اقنعوا وسائل الاعلام العربية التي روجت لهم لسنوات بساعة صفر في معركة دمشق الكبرى، التي لم نر منها إلا الصفر.

إن واقع توازنات القوى في سوريا حين تدخل الروس، تشير الى ان النظام كان يسيطر على جميع عواصم المحافظات وعقد المواصلات، عدا الرقة وادلب، وهذا لا يعني باي حال انه كان مهددا، ثم ان التدخل الروسي الجوي فور بدئه استهدف مناطق بعيدة تماما عن دمشق وهو ما يؤكد انعدام اي تهديد محيق في العاصمة، حيث شنت العمليات في ريف حلب الجنوبي وريف ادلب الجنوبي وسهل الغاب قرب اللاذقية، واستهدفت تحصين مواقع رخوة في شمال الخط الحيوي في سوريا المفيدة، واذا نظرنا لخريطة التوازنات قبل وبعد التدخل الروسي فلن نجد تغييرا كبيرا حققه التدخل العسكري الروسي، يوازي ما كان متحققا اصلا من السيطرة على مراكز اهم المدن والتكتلات السكانية في سوريا، خصوصا إذا اخذنا بالاعتبار ان حلب الشرقية كانت شبه محاصرة قبل التدخل الروسي، بعد عملية دبيب النمل التي عمل عليها النظام لاكثر من عامين، انطلاقا من خناصر والسفيرة نحو اللواء ثمانين نحو الشيخ نجار فسجن حلب المركزي. ورغم ان التدخل الجوي الروسي كان مفيدا للنظام في استعادة تلك القرى بارياف ادلب وحلب الجنوبية، إلا ان القوة التدميرية لطيران النظام كانت مستخدمة طوال الاعوام السابقة، خصوصا في ريف دمشق وحلب، وحتى مع هذه القوة الجوية الروسية، لم يتمكن النظام للان من استعادة ادلب او ريفها، بل ان المدينة المركزية الوحيدة التي استعادها النظام بعد التدخل الجوي الروسي هي تدمر، عاد وفقدها مجددا، رغم تلك القوة الجوية التي لا تمثل عاملا حاسما في حروب اهلية، كالحاصلة في سوريا .فالقوة المقاتلة الارضية تبقى العامل الابرز، ولا يملك الروس اي تواجد قتالي فاعل ضمن تلك القوات البرية التي تتوزع بين القوات النظامية والميليشيات الموالية وقوات حزب الله والميليشيات الشيعية الاخرى، وتشير ارقام القتلى في صفوف قوات النظام الى تسلسل الدور الذي لعبه كل طرف في المواجهات البرية، اضافة طبعا لخريطة توزيع القوى المسلحة الموالية للتظام على الجبهات القتالية، فعدد القتلى من الميليشيات العلوية وجنود النظام هو الاكبر بفارق يبلغ عشرات الالاف عن الطرف الثاني وهو حزب الله، ومن بعده الميليشيات العراقية والشيعية الاخرى، لذلك يمكن القول إن الطائفة العلوية المتماسكة لعبت الدور الاكبر عسكريا في دعم النظام، وعلينا الا ننسى ان مناطق الاقليات اراحت الاسد من تواجد اي قوات نظامية، كونها لم تشهد اي تمرد مسلح، بل انها تحولت بالسنوات الاخيرة لمصدر لدعم النظام في مناطقها، مشكلة دفاعا ذاتيا، فتجد ميليشيات درزية تقاتل ضد الثوار قرب القرى الدرزية بالسويداء، وميليشيات اخرى لقرى ريف حماة وحمص واللاذقية، واخرى للقرى الشيعية في نبل والزهراء وكفريا والفوعة، وهكذا فان عملية مواجهة تمرد اغلبية سنية مفككة تمت اساسا بفضل تماسك الاقلية العلوية وحلفائها من الاقليات الاخرى، بداية، ومن ثم الدعم الكبير من قوات حزب الله والميليشيات الشيعية، باشراف ودعم لوجستي ايراني، ثم القوة الروسية الجوية التي اكملت هذا التحالف المكون من كل هذه الاحزمة المترابطة بتنسيق موحد.

ويمكن القول ان النظام استفاد من التدخل الروسي في تعزيز جبهاته بعدما وصل لمرحلة لم يعد فيها قادرا اكثر على التقدم لاستعادة باقي المناطق، الا ان الدور الروسي السياسي والدبلوماسي يبقى اكثر نفعا للنظام من دور الالة العسكرية الروسية التي يجري تضخيم انجازاتها والتي لا تمثل نسبة تذكر مضافة على خريطة التوازنات قبل التدخل، ولم تكن لتحصل لولا تبعثر الفصائل، ولعل استعادة تنظيم الدولة لتدمر رغم تواجد الغطاء الجوي الروسي بل وقوات مستشارين روس ابسط مثال على ذلك، والامر ذاته ينطبق على دير الزور اليوم .

وبما ان الجمهور كثيرا ما ينسى وقليلا ما يلاحظ، فانه سيجد ان الجوقة التي روجت لساعة الصفر في معركة دمشق الكبرى، وملحمة حلب الكبرى، التي اعقبها سقوط حلب بثلاثة ايام فقط لا غير.. هي نفسها التي اطلقت مئات الاخبار المزيفة، لمحاربة وتشويه القوة الوحيدة التي ما زالت تقاتل النظام بشراسة وهي الفصائل الجهادية، ودق اسفين العداء بينهم خوفا من امتداد الطوفان الجهادي خارج سوريا، وهي نفسها الجوقة التي تعمل منذ بدء الثورة على فرض وصاية، الغرب على الثورة ونبذ اي توجه، اسلامي لها، وهي ايضا نفسها التي تغنت بعواصف الحزم التي لم تهب الا بمخليتهم ومخيلة من صدقها من الجمهور المغلوب على امره، المحاصر بعشرات المنابر الاعلامية ذات المنشأ والتمويل الواحد، رددت الدعاية، وفرضت الوصاية وهدفت لاحتكار تمثيل الثورة بيد جماعات سياسية وعسكرية خاضعة تماما للنادي الرسمي العربي.. وحولت جزءا كبيرا من، اعلام الثورة لنسخة من اعلام النظام بهزليته وانعدام مصداقيته، لانها تربت وتشربت بذهنية النظام نفسها.. فلم تنتج سوى نسخ جديدة من قناة «الدنيا» بشعارات معارضة، تقدم رواياتها سيئة الاخراج لجمهور محاصر بها، يتفاعل معها وتتفاعل معه في محيط مغلق تماما، لينطبق عليهم وصف (لا يعلمون ولا يعلمون انهم لا يعلمون) . واللافت ان هذه الابواق لا تتقن حتى فن التأليف، ولا تمتلك خيالا خصبا، وهي تحاول دائما الهروب من انتقاد النظام الرسمي العربي والقوى المرتبطة به اعلاميا وسياسيا، بحيث برمجت عقول متابعيها على ظاهرة عجيبة غريبة وهي معاتبة القتلة والشكوى من العدو.
كاتب فلسطيني من «أسرة القدس العربي»

المصدر: العربي الجديد الكاتب: وائل عصام
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ