إيران وروسيا ودعاوى الانتصار في سوريا
إيران وروسيا ودعاوى الانتصار في سوريا
● مقالات رأي ١١ يناير ٢٠١٨

إيران وروسيا ودعاوى الانتصار في سوريا

قبل أن تعلن إيران وروسيا موعد الاحتفالات الشعبية بانتصاراتها، وقبل أن ترفع أعلام النصر في الميادين الكبيرة في العواصم والمدن الكبرى الروسية والإيرانية، على ما أنجزوه في سوريا من قتل ودمار، ومساهمتهم مع جيش بشار الأسد بقتل نحو مليون سوري أولاً، وتشريد سبعة ملايين داخل سوريا ومثلهم خارجها ثانيا، وتدمير كل المدن السورية الحضارية بأحدث الطائرات الحربية والصواريخ البالستية العابرة للقارات والبحور والبلدان ثالثاً، وبالأسلحة الكيماوية والقنابل العنقودية والبراميل المتفجرة طوال ست سنوات.

وغيرها من الإنجازات الكارثية، ما جعلهما تتبادلان التهاني والتبريكات، وتوزيع الأوسمة الحربية على الضباط والجنود المشاركين، وقبل أن تنشر القيادتان في روسيا وإيران أجواء الفرح والابتهاج بين شعبيهما وعودة جنودهما منتصرين على النساء والأطفال والشيوخ، بدأت أحداث متزامنة في كلا الدولتين، سببت لهما ورطة داخلية مع شعبيهما، فهل بدأت الدائرة على من قتل الشعب السوري وأخر انتصاره.

إن روسيا وهي تستعد لخوض انتخابات رئاسية محسومة النتائج هذا العام، عمل الرئيس الروسي بوتين على تحسين صورته أمام شعبه، ولو بصورة إعلامية وهمية، بإعلانه الانتصار أولاً، وهو يجلب بشار الأسد ويجلسه إلى جانبه وليس أمامه – مثل رؤساء الدول – في قاعدة حميميم قبل شهر، ثم إعلان سحبه لقواته من سوريا بعد عوته إلى موسكو فوراً. وعقد بوتين حفلاً عسكريا لتوزيع الأوسمة والنياشين على الضباط والعسكريين الروس، الذين قادوا الطائرات الحربية التي قصفت منازل السوريين ومستشفياتهم ومساجدهم ومدارسهم وأسواقهم ودمرتها على من فيها، بينما قامت المخابرات الأمريكية بتهريب مقاتلي «داعش» إلى سيناء وغيرها، بحسب اتهامات موسكو للمخابرات الأمريكية، كما قامت المخابرات الإيرانية بتهريب مقاتلي «داعش» إلى أفغانستان، بحسب اتهام القائد الأفغاني حكمتيار لإيران يوم 4/1/2018.

أدعياء الانتصار الوهمي لم تكتمل اكذوبة الفرحة لديهم أمام شعوبهم، ولا قدرتهم لخداعهم، فروسيا أعلنت في أسبوع واحد عن سقوط طائرة عسكرية ومقتل طيارين فيها، وبعدها بأيام أعلنت عن مقتل جنديين في قاعدة حميميم بقصف القاعدة بقذائف هاون، لم تعلن جهة ما مسؤوليتها عنها، كما لم تعلن موسكو عن الجهة التي قامت بالقصف. وبما أن روسيا عولت على جيش بشار بالكشف عن المنفذين، فإن ذلك مؤشر على اتهام «داعش» وتحميل بشار الاسد مسؤولية ذلك، والأرجح أن موسكو متفاجئة أن يبدأ الهجوم على القوات الروسية في سوريا بعد إعلان الانتصار بأيام، وبعد ادعاء بوتين القضاء على «داعش» أمام جيشه وشعبه.

أما الحدث المهم الثاني فهو انطلاق الاحتجاجات الشعبية في إيران، بعد أن أعلنت إيران انتصارات جيشها وميليشياتها في سوريا، ولا دليل على ذلك الانتصار إلا بقاء بشار الأسد في السلطة، المعترف بها من الأمم المتحدة، أو المعترف به من الولايات المتحدة الأمريكية ونظامها الدولي، وهذا ليس انتصارا لصالح إيران، ولا لروسيا أيضاً، لأن إيران ما كان لها أن ترسل جنديا أو ميليشياويا واحدا إلى سوريا إلا بضوء أخضر من البنتاغون الأمريكي وموافقة إسرائيلية، فإسرائيل وضعت لإيران ومحورها الخطوط الحمر التي لا تتجاوزها في سوريا والمنطقة، وجعلت مهمتها محصورة بمنع انتصار ثورة الشعب السوري فقط، فإسرائيل هي من تمانع إسقاط الأسد حتى إيجاد البديل الذي يحمي الحدود معها أولاً، ويمنع الشعب السوري عن مقاتلتها من أجل الجولان أو غيرها ثانياً.

ولذلك كان من المعيب أن تعلن إيران او ميليشياتها الطائفية انتصارها في سوريا، وهي تعلم انها فشلت في القضاء على الثورة السورية قبل التدخل الروسي وبعده.

أما ما حصل في إيران فإن المشهد الصادق من احتجاجات الشعب الإيراني المكلوم هو المشهد الأول، الذي خرج مطالباً بالإصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد، وهتاف المحتجين ضد التدخل الايراني بدعم بشار الأسد، أو دعم حزب الله اللبناني أو دعم حماس في غزة، لأنهم أولى بهذه الأموال التي اقتطعها الحرس الثوري من ميزانية الشعب الإيراني وقوته اليومي، هذا إذا كانت صادقة في مساعدة المستضعفين، فكيف والشعب الإيراني يعلم كذب هذه الادعاءات، ولذلك أسرعت السلطات الإيرانية لتشويه صورة الاحتجاجات الشعبية في اليوم الثاني مباشرة، وبالأخص بعد أن حاول الرئيس روحاني التعامل مع المحتجين بمصداقية رجل السياسة، والرئيس الذي يتفهم المطالب الشعبية المحقة، ولكن الحرس الثوري الإيراني لم يقبل اللغة الناعمة، ولا تهدئة المحتجين وإرضاءهم بتلبية مطالبهم، فقام الحرس الثوري بتشويه صورة الاحتجاجات أمام الشعب قبل كل شيء، بادعاء أنهم عملاء للخارج ويتلقون الدعم من أمريكا وإسرائيل، وحولوا احتجاجاتهم السلمية إلى أعمال تخريبية واستهداف المصارف والأماكن الدينية، لإثبات التهمة عليهم بأنهم من أتباع «داعش»، وهو ما أعلنه رئيس الحرس الثوري الإيراني في خطابه الأخير الذي أعلن فيه انتهاء الفتنة في إيران يوم 3/12/2018.

فالحرس الثوري في ايران – وهو السلطة الحاكمة فعلاً في إيران – لا يسمح بتكرار التجربة السورية في إيران، لأنه يدرك أن السماح بذلك سيعني اشتعال إيران في حروب أهلية لا نهاية لها، وانهم لن يسمحوا بذلك إلا بتدمير إيران كلها، كما فعلت هي في العراق وسوريا واليمن بمساعدة وتواطؤ أمريكي وروسي.

إن الهتافات الأولى التي خرجت في الاحتجاجات الشعبية في إيران كانت صادقة، والتحول السريع للهتافات السياسية دليل على تورط جهات حاولت استغلال الاحتجاجات الشعبية، سواء من المعارضة الإيرانية الحاقدة على نظام الملالي، أو من المخابرات الإيرانية التي تريد تشريع أو تسويغ استعمال القوة العسكرية ضد المحتجين بأسرع وقت، وقد نجح الحرس الثوري في ذلك، ولكن ذلك لا يعني أن الشعب قد هزم في إيران بحكم أن شعاراته ومطالبه في اليوم الأول كانت صحيحة، فهم أولى بأموالهم كما قالوا في اليوم الأول، وتمكن الحرس الثوري من إسكات الاحتجاجات سريعًا لا يضمن أن يُسكتها غدا، لأن جزءًا كبيرا من الحرس الثوري نفسه سيشارك في الاحتجاجات المقبلة، فهو جزء من الشعب الإيراني المحروم من حقوقه والعاجز عن إطعام أطفاله، ولأن القتلى الاثنين والعشرين في هذه الاحتجاجات لن يمر بدون حساب من الشعب أيضاً.

إن أحداث إيران دليل على فشل إيران في سوريا أولاً، وهي ناقوس خطر لنظام الملالي ثانياً؛ فثلث الشعب يعيش تحت خط الفقر بتقارير رسمية من داخل إيران، ومعدل البطالة 12.4% رسميا، وهي 28% بتقديرات أهلية ومؤسسات إيرانية أيضاً، وأكثر من نصف الميزانية الإيرانية تذهب للتسليح وتوسيع النفوذ الخارجي، فما حصل دليلٌ على غضب شعبي كبير، بدليل أن الاحتجاجات الشعبية توسعت داخل المدن الإيرانية بشكل سريع أيضاً، وهذا مؤشر على أن قسماً كبيراً من الشعب الإيراني هو مع الاحتجاجات وإن لم يكن مع الصدام مع الحرس الثوري، ولا مع أعمال الشغب التي تدمر الممتلكات الوطنية، وبالأخص أن الحل الاقتصادي الذي وعد به روحاني لن يستطيع تنفيذه طالما أن الحرس الثوري لا يوافق عليه.

إن الاحتجاجات الشعبية في إيران لم تتوقف طوال السنوات الماضية، والاحتجاجات الأخيرة استمرت ستة أيام وقدمت 22 قتيلاً، فكيف لو استمرت أكثر من ذلك، والبداية من مدينة مشهد دليل على أن المعاناة عامة في كل إيران، بدليل انتقالها لثمانين مدينة ايرانية بما فيها العاصمة طهران، ولذلك فإن هدوء الاحتجاجات ليس مؤشرا على صحة منهج نظام الملالي، بل هو سبب الأزمة الاقتصادية.

والمظاهرات المليونية – كما قال الإعلام الإيراني – المؤيدة للملالي ليست دليلاً على قوة النظام، لأن كل نظام سياسي له بضعة ملايين من الشعب ينتفعون منه، كما أن ضعف الاحتجاجات أو توقفها ليس مؤشرا على قوة الحرس الثوري، ولا على أنه قادرٌ على حسم هذه الاحتجاجات الشعبية في المستقبل؛ فالقبضة الأمنية تستطيع ان تضمن صعوبة إسقاط النظام بخسائر بشرية واقتصادية كبيرة، والقبضة الأمنية تستطيع أن تضمن تأخير إسقاط النظام، ولكنها لا تستطيع أن تقتل إرادة شعب يسعى للحرية، فالقضاء على الفتنة ليست بإسكات الاحتجاجات الشعبية في الميادين العامة ومطالبها المحقة، ولا بحل المشاكل الاقتصادية فقط، ولا بتهديد الجيش للتدخل أيضاً، وإنما بضرورة بناء دولة ديمقراطية تمثل الإرادة الشعبية المعاصرة، ولا تتبنى الأحقاد التاريخية الطائفية، ولا تحمل أطماع النفوذ الخارجي الذي لا يأتي بخير، وإلا فإن نظام الملالي في إيران ينتظر نهاية الاتحاد السوفييتي سياسيًّا وعسكريا، بل نهاية أوهامه الأيديولوجية الطائفية ولو بعد حين.

المصدر: القدس العربي الكاتب: محمد زاهد غول
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ