اشتباك روسي إسرائيلي فوق سوريا
اشتباك روسي إسرائيلي فوق سوريا
● مقالات رأي ٢٤ سبتمبر ٢٠١٨

اشتباك روسي إسرائيلي فوق سوريا

لعل حادثة إسقاط الطائرة الروسية فوق سوريا بـ»نيران صديقة» سورية تظهر كم هي معقدة التقاطعات الإقليمية في سوريا، خصوصا المرتبطة بحليف الأسد روسيا، فبوتين الداعم وبقوة لتأهيل النظام السوري، وانتزاع كافة أراضيه من معارضيه، يرتبط بعلاقة وثيقة مع من يهاجم ويقصف النظام السوري وحلفائه، الذين عملوا لسنوات على تأهيل النظام واستعادة أراضيه، حزب الله وإيران.

فك الاشتباك في هذه المعادلة الروسية في روسيا تتطلب النظر في أهداف كل طرف ومديات سياساتهم في الحقيقة، لا تصادم الهجمات الإسرائيلية على سوريا وحزب الله، الاستراتيجية الروسية القائمة على دعم نظام الأسد، لسبب بسيط وهو أن العمليات الاسرائيلية لا تهدف لإسقاط الأسد او إضعاف سيطرته على أراضيه، بل تقليم أظافره، وتحجيم قوته مع حلفائه، بمنعه من امتلاك قدرات عسكرية تهدد إسرائيل، وبلا شك في أن موسكو لا تشارك الإيرانيين وحزب الله طموحاتهم في إقامة توازن قوة مع إسرائيل من الأراضي السورية واللبنانية، وهنا تبدو سياسات موسكو أكثر وضوحا، فهي لا تدعم دمشق وطهران بشكل مطلق في كامل سياساتهما، خصوصا تلك التي تتضارب مع أصدقاء آخرين لها في تل أبيب.

وهنا يظهر التباين بين علاقة الحليف الإيراني لدمشق ونظيره الروسي، فالكيانات الثلاثة في طهران ودمشق والضاحية الجنوبية لبيروت، أظهرت تكاتفا وتلاحما كبيرين في ما بينها، منذ الاختبار الاول في حرب يوليو/تموز الإسرائيلية عام 2006 ، على الرغم من وجود محطات قديمة لهذا التعاون الثلاثي في النزاع مع تل أبيب، الذي انتهت إحدى مراحله بانسحاب الإسرائيليين من جنوب لبنان عام 2000، إلا ان حرب عام 2006 كانت الأكثر تجليا في إظهار انسجام سياسي بين هذا المحور، كان سابقا للتدخل الروسي في سوريا لاحقا، ليبدو التواجد الروسي في سوريا اليوم وكأنه قائم على دعامات سابقة له متمثلة في هذا البنيان الإيراني الراسخ في دمشق.

ولكن الغطاء الروسي لنظام الأسد أعطى هذا المحور «بوليصة تأمين» من التهديد الإسرائيلي على وجود النظام، فبالتأكيد لن تسمح موسكو في النهاية، لأي عمل إسرائيلي يهدد وجود النظام الذي بذلت موسكو جهودا عسكرية وسياسية لتثبيته، ولأن دمشق وطهران تدركان هذه الحقيقة، ولأنهم يقيسون قوتهم بمعادلة تقول إن إسرائيل لم تنجح في القضاء على حزب الله من دون الدعم الروسي، فما بالك بانضمام الروس كقوة داعمة إضافية لدمشق، فإن هذا التحالف بات مطمئنا من مديات وابعاد العمليات الاسرائيلية المحدودة في دمشق، بل شعر بالنشوة التي جعلته قادرا على التجرؤ أخيرا باستهداف الطائرات الاسرائيلية المهاجمة بعد سنوات من الاحتفاظ بترديد العبارة التي كانت تثير السخرية (الاحتفاظ بحق الرد) ليتمكن من إسقاط مقاتلة إسرائيلية.

ولعل هذا الاندفاع في محاولة مواجهة الهجمات الجوية الاسرائيلية هي التي قادت للإرباك والفوضى التي أدت لإسقاط الطائرة الروسية بنيران صديقة من مضادات جوية سورية، عملت بكل طيش وعشوائية، إذ يشير التقرير الإسرائيلي الذي أعده الجيش الإسرائيلي للتحقيق في الحادثة، وسلمه للروس إلى أن الجيش السوري منذ أن أسقط مقاتلة إسرائيلية في فبراير/شباط الماضي، ازداد ثقة وفتحت شهيته وبدأ بإطلاق صواريخ من عدة بطاريات، الذروة كانت في مايو/أيار الماضي عندما أطلق 170 صاروخا على المقاتلات الاسرائيلية التي استهدفت 50 موقعا في سوريا، ويقول التحقيق نفسه الذي يقع في أربعين صفحة، أن الدفاع الجوي أطلق نحو أربعين صاروخا من بينها صواريخ من طراز سام خمسة، باتجاهات الجنوب والشمال والغرب وهي التي أسقطت الطائرة الروسية المخصصة لأغراض التجسس، والمفارقة ان الصواريخ اطلقت بعد مغادرة الطائرات الاسرائيلية، أي أنها عملية دفاع جوي بائسة محدودة الإمكانيات، مقارنة بالتفوق الجوي الاسرائيلي، يليق بها تسمية عملية «صح النوم».

المصدر: القدس العربي الكاتب: وائل عصام
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ