العودة خشبة خلاص السوريين
العودة خشبة خلاص السوريين
● مقالات رأي ١٣ يوليو ٢٠١٧

العودة خشبة خلاص السوريين

تكبد الشعب السوري خلال السنوات السبع الماضية من عمر ثورته المجيدة خسائر كبرى غير مسبوقة، في محاولته الارتقاء بالنظام السياسي الرابض على صدور أبنائه منذ عشرات السنين، من موقع الاستبداد وظلاميته إلى رحاب قيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والمواطنة. ولا يزال الجرح السوري نازفا بلا هوادة، وقوافل الشهداء والضحايا ترتقي يوميا، وأعداد الجرحى والمصابين في تزايد مستمر، بينما يقبع مئات الألوف من المعتقلين ومجهولي المصير والمختفين قسرا، خلف ظلام زنانين النظام المارق وحلفائه من المرتزقة القادمين من كل حدب وصوب. مثلما يتواصل التدمير الممنهج للبنى التحتية والعمرانية وللمفاصل الحيوية في الاقتصاد السوري وحواضره وأريافه، لكن على الرغم من كل تلك الفظاعات وفداحتها، وما تولده من معاناة وآلام لا تحتمل في أجساد ونفوس جموع السوريين، تبقى قضية التهجير السكاني والتغيير الديموغرافي وتذويب الهوية الوطنية السورية الجامعة، وتمزيق النسيج الاجتماعي السوري في صدارة مجموع تلك الخسائر الثقيلة، لا لشيء إلا لأنها ترتبط ارتباطا مباشرا بالمستقبل السياسي والاجتماعي والثقافي للبلاد، على المستويين الفردي والمجتمعي.في هذا السياق، يمكن تسجيل مجموعة من العوامل التي أدت إلى حالة العبث الطاحنة بالهوية الوطنية السورية ومكوناتها السكانية:

- انهيار الدولة المركزية أخلاقيا وسياسيا واقتصاديا وميدانيا، واتضاح المدى الفاضح لافتقارها للشرعية الدستورية، ما أدى، بالمقابل، إلى إحداث فراغ سياسي سرعان ما عملت الأطراف والمكونات الأخرى على ملئه بأشكال وطرائق غير مسبوقة.

- حالة الإنكار التي تبناها النظام السوري وتنكره لاستحقاقات التغيير السياسي الاجتماعي التي اندلعت الثورة السورية على أساسها، ما دفعه إلى اعتماد أشد الممارسات القمعية لوأد الثورة وحواضنها، تحت شعار»الأسد أو نحرق البلد».

- عندما فشلت أدوات النظام وممارساته القمعية المعتادة في وأد الثورة السورية في مكامنها التقليدية، استنبطت العقلية الشيطانية لدوائره العليا منهجا جديدا لتحقيق أهدافه الدنيئة، فتتالت عمليات التهجير السكاني، فرادى وجماعات، وتحولت إلى ظاهرة لا ترحم، واعتمدت كاستراتيجية الهدف منها تمزيق النسيج المجتمعي السوري، وحشر مختلف مكوناته في شرانق هوياتية ضيقة، تعويلا على خلق شرعيات بديلة يستند إليها نظام الاستبداد في بقائه على رأس السلطة السياسية أطول فترة ممكنة.

- تغول بعض مكونات الشعب السوري على بعضها الآخر، ودخولها على خط ممارسات النظام، وتماهيها مع سياساته القمعية المتمثلة بالقتل والقصف، وقضم المدن والقرى والتهجير الجماعي، تحت راية تحالفات محلية وإقليمية ودولية مشبوهة، تفوح منها رائحة الانتهازية والمصالح الفئوية الضيقة، وإدارة الظهر لمصالح واهتمامات بقية مكونات الشعب السوري.

- تقاطع ممارسات النظام التدميرية، مع مصالح قوى إقليمية ودولية عديدة، لا تبطن للشعب السوري الخير، بل تكن له حالة غير مسبوقة من العداء، فجاءت الأحداث الدامية في سوريا لتشكل فرصة ذهبية لتلك القوى، التي تحرص على ألا تفوتها تلك الفرصة الذهبية في تنفيذ أجنداتها العدوانية والنيل من السوريين بلدا وشعبا.

انطلاقا من المفهوم القائل بأن المشاركة السياسية هي في الأساس مجموعة من الإجراءات والفعاليات التي يقوم بها المواطنون، الذين لا يشاركون بالضرورة في الحياة السياسية مباشرة بغية التأثير على العملية السياسية ونتائجها، ولتحقيق الصالح العام للجميع، وفي محاولة جادة للخروج من النفق المظلم الذي وجد الشعب السوري نفسه محشورا في دهاليزه المعتمة، بأقل قدر ممكن من الخسائر الجمعية والفردية، تعالت أصوات مجموعة مستقلة من الشباب السوريين المنتشرين داخل الوطن وفي الشتات والمنافي القريبة والبعيدة إلى تشكيل إطار اجتماعي يعنى بقضية العودة إلى الديار، على قاعدة أن العنصر البشري يبقى الرقم الصعب، في أي معادلة سياسية مقبلة من شأنها رسم ملامح سوريا المستقبل بكافة مكوناتها السكانية المعروفة للجميع، بعيدا عن أدران التعصب والإقصاء، وخارج لغة الأكثرية والأقليات والامتيازات، والتفرد في مشروع وطني شامل يرمي لتحقيق هدفين رئيسيين اثنين لا انفصام في عراهما، مع احتمال ظهور الكثير من الأهداف الفرعية الأخرى التي لا تقل شأنا عما يعتمل في عقول وصدور هذه المجموعة من الشباب، لحظة اطلاق مشروعهم الوطني الشامل في قلب المجتمع السوري أينما كان.

الهدف الأول يتمثل في ضمان حق العودة لكل مواطن سوري إلى مدينته أو قريته، بغض النظر عما ستؤول إليه الأحداث الجارية على الأرض السورية، على اعتبار أن هذا الحق لا يسقط بالتقادم، مهما طال الزمن وتبدلت الظروف، وأنه حق فردي وجماعي تكفله القوانين والشرائع الدولية كافة للمواطنين الذين تعرضوا للتهجير القسري، وعمليات النزوح وإعادة الهندسة الديموغرافية، ما دفعهم إلى طلب النجاة بأرواحهم، سواء داخل حدود الوطن أو خارجه، حيث تتعانق ظاهرة النزوح الداخلي وظاهرة اللجوء الخارجي مشكلتان باجتماعهما معا التغريبة السورية الكبرى، التي صمم أصحاب مبادرة العودة من الشابات والشباب على التقليل من حجمها وآثارها تدريجيا قدر الامكان، على طريق محو نتائجها من المشهد السوري برمته، من خلال برامج ملموسة من شأنها ترسيخ فكرة العودة وضرورتها الوطنية في أذهان ووجدان أبناء الشعب السوري جميعا.

أما الهدف الثاني، فيذهب باتجاه تشكيل كيان وطني سوري حاضن لجموع النازحين واللاجئين السوريين في سائر أماكن عيشهم المؤقتة والاضطرارية، ومعبر عن هويتهم الوطنية، وعاكس لأحلامهم وتطلعاتهم وآمالهم في مواجهة ما يعترضهم من صعاب وتحديات سياسية وقانونية وثقافية في جغرافيات النزوح واللجوء المتناثرة حول العالم على اختلاف أنواعها وأشكالها، بحيث تشكل هذه المبادرة الوليدة صوت من لا صوت لهم، ممن يتجرعون مرارة المنافي وحرقة الاغتراب، ويتوقون للعودة إلى الديار والتواصل مع جذورهم الطبيعية في الوطن السليب، الأمر الذي يشكل رافعة مادية ومعنوية في الشتات، ومقدمة لتحقيق حلم العودة النهائية المنشود إلى وطن حر ومتحرر من أغلال الاستبداد والاحتلال.

هي دعوة للتفكير الجدي في العودة بوصفها حقا مطلقا غير منقوص لجموع السوريين المقتلعين من ديارهم، أمام أنظار الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي بمختلف مؤسساته السياسية والحقوقية، فلقد آن الأوان لإعلاء الصوت والقول إن قضية الشعب السوري ليست قضية إنسانية فحسب، تحل عن طريق تقديم مساعدات انسانية وملاذات للجوء فقط، قضية الشعب السوري قضية سياسية بامتياز ومأساة اللاجئين والنازحين منهم لا تمثل سوى رأس الجبل الجليدي لنكبتهم وأوجاعهم، ولن تستقيم حياتهم ولن تولد سوريا الجديدة إلا بسواعدهم، التي باتت متمددة في تعرجات شتات مترامي الأطراف.

المصدر: القدس العربي الكاتب: باسل أبو حمدة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ