تنظيم «الدولة» والنظام السوري: مقايضات الإخضاعَ
تنظيم «الدولة» والنظام السوري: مقايضات الإخضاعَ
● مقالات رأي ٢٩ يوليو ٢٠١٨

تنظيم «الدولة» والنظام السوري: مقايضات الإخضاعَ

يتأكد كل يوم في سوريا أن تنظيم «الدولة الإسلامية» هو أحد أكبر استثمارات النظام الحاكم فيها، وأن رهان المجموعة الأمنية ـ العسكرية الحاكمة في دمشق تركز على استغلال هذا التنظيم السلفي المتشدد منذ زمن طويل، وأنه حقق للنظام نتائج كبيرة.

تظهر تفجيرات مدينة السويداء التي وقعت الأربعاء الماضي، وأدت إلى مقتل 250 شخصا بين مدني وعسكري، مثالا مهما على المعادلة المعقدة بين الطرفين، فالمدينة التي تعتبر عاصمة لأقلية الموحدين (الدروز) كانت عملياً خارج إطار عمليات التنظيمات السورية المسلحة (مع محاولة واحدة لـ«جبهة النصرة» للسيطرة على مطار الثعلة العسكري)، ولم يقترب منها تنظيم «الدولة» منذ ظهوره بعد قرابة عامين من الثورة السورية مع انحدار الثورة نحو العسكرة واصطباغها بالطابع السني السلفي المتطرف، وهما العنصران اللذان ركز النظام جل دهائه ووحشيته لتأمين إحلالهما مكان التنظيمات ذات الطابع السلمي والمدني والديمقراطي في الثورة، وكذلك محل ما سمي «الجيش الحر» وفصائله، بقصد جعل البديل الوحيد له هو فصائل إسلامية متشددة ومتنازعة ومرفوضة عالميا.

التحليل الذي قدمته الصحف، اعتمادا، كما هي العادة، على «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، لاستهداف السويداء بعد تحييدها كل هذه الأعوام، كان عسكريا محضا، حيث جرى الحديث عن تعرض جيب لـ«جيش خالد بن الوليد» المبايع لـ«الدولة» لقصف مكثف في جنوب غرب درعا، واعتبر هذا التحليل أن تفجيرات السويداء هي لتخفيف الضغط العسكري الكبير على «جيش خالد» المذكور.

في المقابل قام عدد من النشطاء السوريين، وبعضهم من مدينة السويداء نفسها، بتفسير سياسي أكثر عمقا للهجوم، تدخل في معطياته استراتيجية النظام المستمرة منذ الثورة لإخضاع السويداء ومنع حالات المعارضة أو الوقوف على الحياد فيها، وقالت إن التفجيرات جاءت بعد يومين من فشل مفاوضات الضباط الروس مع رجال الكرامة، (وهم ممثلو الطرف المعارض للنظام، والذي سبق للنظام أن اغتال رئيسه الشيخ وحيد البلعوس عام 2015)، موضحة أن في السويداء آلاف المتخلفين عن الخدمة في جيش النظام، وعشرات الألوف من المطلوبين للاحتياط، وكان هؤلاء موضوع المفاوضات وطلب الروس عودتهم للخدمة في جيش الأسد وتم رفض الطلب. في السويداء إضافة لذلك فهناك الكثير من المعارضين المطلوبين للنظام طلب الروس تسليمهم للنظام وتم رفض الطلب.

يمكن الربط، على ضوء المعطيات المذكورة، بين استهداف التنظيم هذه المدينة لأول مرة بذلك الهجوم الإرهابي الكبير، معطوفا على عمل روسيا والنظام السوري للانتهاء من كل حالات المعارضة والعصيان ورفض الخدمة العسكرية وأي شكل من أشكال الاستقلال عن القرار الرسمي السوري، أو حتى أي شكل من أشكال الحياد أو «الكرامة» والتعاطف مع المناطق السورية الأخرى المنكوبة، بما في ذلك ما قام به مشايخ المنطقة من تحريم شراء البضائع المسروقة والمنهوبة من درعا وريفها، وامتناع الناس الحكيم والعفوي عن هذه الأفعال الشائنة التي أصابت جيرانهم في بلدات وقرى ومدن حوران.

تكشف هذه الحادثة، ما يمكن أن نسميه «مقايضات الإخضاع» التي يقوم خلالها النظام بغض النظر، أو فتح باب للتنظيم، للهجوم على مدينة يريد النظام إخضاعها بالكامل، فيقوم التنظيم بكل ما هو مطلوب منه، دافعا بانتحارييه وعناصره للهجوم الوحشي على المدنيين، ثم يأتي النظام لـ«تحرير» المنطقة، لا من التنظيم فحسب بل كذلك من أي جذوة باقية لأي شكل من أشكال المعارضة ورفض المشاركة في المذبحة، عبر الامتناع عن الخدمة العسكرية، أو حتى أشكال الحياد والتعاطف مع المناطق الثائرة.

تنظيما النظام و«الدولة» متكاملان وضروريان لبعضهما ويتقايضان على إخضاع سوريا وسحق كرامة أهلها.

المصدر: القدس العربي الكاتب: رأي جريدة القدس
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ