ثلاث معارك لتقرير مصير المشرق العربي
ثلاث معارك لتقرير مصير المشرق العربي
● مقالات رأي ٩ نوفمبر ٢٠١٦

ثلاث معارك لتقرير مصير المشرق العربي

بعد بدء الحملة العراقية الكبيرة لإعادة السيطرة على مدينة الموصل، أعلنت قوات «سوريا الديمقراطية» (وهي جهة مؤلفة بشكل رئيسي من أكراد موالين لحزب «الاتحاد الديمقراطي» ومدعومة من أمريكا) أنها بدأت قبل أيام حملة موازية في سوريا للسيطرة على مدينة الرقّة، المدينة الكبرى الثانية الخاضعة لحكم تنظيم «الدولة الإسلامية» منذ نيسان (ابريل) 2013، وهي خطوة تعلن القوى المشاركة فيها أن هدفها هو القضاء على التنظيم المتطرف في معقليه الأساسيين.

وخلال هذا الوقت الذي تنشغل فيه قوّات التحالف الغربيّ بالتعامل مع ما تعتبره الخطر الأساسي عليها تتحضّر قوّات روسيّة كبيرة جوّية وبرّية تمّ تدعيمها بقوّة ناريّة بحرية، مع حشود كبيرة من حلفائها في النظام السوري والميليشيات الشيعية التابعة لإيران، لهجوم فاصل للسيطرة على مدينة حلب وقد أعطت يوم الجمعة المقبل كموعد نهائي لخروج عناصر المعارضة السورية قبل بدء هجومها الأخير المذكور بينما تنخرط قوات النظام وحلفاؤه عملياً في صراع لانتزاع الأراضي التي حررتها المعارضة مؤخرا.

بين هذه المعارك الثلاث قواسم مشتركة، ومنها أن هذه القوى الكبرى التي تقود هذه المعارك تسعى لتقرير مصير المنطقة العربية بمعزل عن مصالح شعوبها (وبالأحرى بالضد من مصالح شعوبها)، وأنها تستخدم القوى المتنازعة الموجودة على الأرض لتنفيذ أجنداتها أوّلاً.

على اختلافها الظاهري، فإن هذه القوى العالمية متفقة على بقاء الأنظمة العربية التي كانت سبباً في كل هذه الكوارث الحاصلة حاليّاً، والخلاف، في الوضع السوري تحديداً، صار يدور حول فترة بقاء بشار الأسد، حيث تريد روسيا ان تثبّته في موقعه رغم مسؤوليته عن الدمار الهائل الذي تعرض له البلد، بينما تريد الادارة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية أن يخرج من السلطة بعد فترة معينة يتّفق عليها، ومن المتوقع أن يزول هذا الخلاف وأن يتجه بقوة لصالح وجهة النظر الروسية في حال فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية اليوم.

يتعلق الخلاف المعلن بين موسكو وواشنطن حول التعاطي مع حلب بمفاعيل أسلوب روسيا ـ النظام السوري والحلفاء المحسوبين على إيران في تدمير المدينة على رؤوس ساكنيها على طريقة غروزني الشيشانية.

تتوقع واشنطن أن يؤدي عدد القتلى والنازحين الكبير لغضب حلفائها من الدول العربية والإسلامية، وخصوصا منها تلك التي انعكس عليها الاستعصاء السوري بعبء اللاجئين الكبير واحساس شعوبها كافة بالمظلومية، ومخاطر تصاعد التطرف، وتضاف إلى كل ذلك الكلفة السياسية العالمية للتخلّي النهائي عن السوريين (وقبلهم العراقيين) ومشروعهم السياسي للخلاص من الطغيان الذي دفعوا ثمنه مئات آلاف القتلى وملايين اللاجئين وعشرات المدن التي تحوّلت إلى أنقاض، وهي كلفة ستكون باهظة على العالم أجمع لأنها ستعني انتهاء الأمل بالتغيير في العالم العربي واستتباب الأمور لإسرائيل التي ستستفرد بالفلسطينيين، ولإيران التي ستفرض نفوذها الطائفيّ على المشرق، وللطغاة الذين سيعتبرون الاتفاق الروسي ـ الأمريكي رخصة بالاستفحال في حكم الشعوب بالنار والحديد.

إضافة إلى كل ذلك، فليس من المستبعد، على ضوء الخطّ الذي تنتهجه أمريكا في العراق وسوريا أن يتم تأسيس دويلة كرديّة جديدة بين سوريا والعراق يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل العراقية أو من داخل تركيا، كقاعدة خلفية للضغط على تركيا، كما للتأثير على دول المنطقة وتشكيل جسر آخر يربط شرق آسيا بالبحر المتوسط عبر إسرائيل، وحصول تغييرات ديمغرافية كبيرة نتيجة لجوء ونزوح ملايين العرب السنّة من مدنهم ومناطقهم، وهو أمر يتشكل بوضوح في كل المدن والقرى المغلوبة على امرها والمهجر سكانها في العراق وسوريا.

المصدر: القدس العربي الكاتب: رأي القدس
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ