مصير «داعش» يحسم في سوريا… وكذلك مخططات شركائه؟
مصير «داعش» يحسم في سوريا… وكذلك مخططات شركائه؟
● مقالات رأي ٤ يوليو ٢٠١٦

مصير «داعش» يحسم في سوريا… وكذلك مخططات شركائه؟

لفظ فلاديمير بوتين حكمه على «داعش»: حسم مصيره في سوريا ميدانياً. حيثيات الحكم الضمنية وفيرة:
كَبُر «داعش» وتجبّر وأصبحت له ذراع طويلة تطاول كبرى العواصم والمرافق في شتى أنحاء العالم.

لديه أسلحة نوعية متطورة وفتّاكة: كيميائية وصاروخية ومضادة للطائرات.

له شركاء دوليون وإقليميون أقوياء وأثرياء يزودونه المال والسلاح والدعم السياسي.

استمرارُ «داعش» في اعتماد نهج «إدارة التوحش» من خلال عمليات عنف أعمى بالغة الهَتك والفتك والتدمير يؤدي إلى تعاظم مردود عملية اجتذاب وتجنيد وتدريب وزجّ آلاف الفتيان الانتحاريين المغسولي الأدمغة في عمليات إرهابية مدوّية ومدمّرة في شتى أصقاع الدنيا.

استوقفت بوتين، بلا شك، واقعة أخيرة لافتة: ثلاثة من «أبطال» عملية مطار أتاتورك الرهيبة في اسطنبول جاءوا من قلب روسيا ومن حديقتها الخلفية في آسيا الوسطى: القوقاز وأوزبكستان وقرغيزيستان. كم سيكون مخيفاً ومؤذياً لو نجح الداعشيون في اجتذاب المزيد من هؤلاء والزجّ بهم في عمليات مروّعة في قلب موسكو وبطرسبرج؟ ثم، ليس سراً أن التعاون قائم ومتفاقم بين «داعش» والولايات المتحدة وتركيا. هؤلاء باتوا شركاء في توليف وتنفيذ مخططات وعمليات في عمق سوريا والعراق. ألم تتحول الحدود التركية – السورية على مدى نحو 900 كيلومتر مدخلاً لإمرار الرجال والسلاح والعتاد لتنظيمات شتى تقاتل جيشيّ سوريا والعراق؟

موسكو نددت مراراً بهذا الخلل المتمادي. شعرت بأن الغاية من ورائه ليس استنزاف جيشيّ سوريا والعراق فحسب، بل استنزافها هي تحديداً، بعدما أصبحت شريكة دمشق في مقاتلة «داعش» و»النصرة». في هذا السياق، حاولت أنقرة تشديد الاستنزاف لحمل موسكو على التراجع عن العقوبات التي فرضتها عليها عقب إسقاط الطائرة الروسية فوق سوريا في خريف العام الماضي. موسكو لم تتراجع عن تدابيرها العقابية، فكان لا بد لأنقرة من أن تتراجع عن تواطئها مع «داعش» لاسترضاء موسكو بغية رفع العقوبات. «داعش» أحسّ بالخطر، أمر مجموعاته الانتحارية بتنفيذ عمليات إرهابية على حدود تركيا مع سوريا وفي قلب أنقرة وبعدها في مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول. كل ذلك من أجل تخويفها وردعها عن الاسترسال في سياسة استرضاء روسيا لترفع عنها العقوبات. أردوغان حزم أمره أخيراً، قدّم اعتذاره علناً لبوتين عن إسقاط الطائرة الحربية. ووعد سراً بتنازلات أخرى وازنة ليس أقلها إغلاق حدود بلاده مع سوريا، فلا تبقى ممراً آمناً للرجال والسلاح والعتاد المرسل إلى تنظيمات الإرهاب. لو لم يحصل بوتين على تعهدٍ من أردوغان بهذا المستوى الرفيع والوازن لما وافق على رفع العقوبات، السياحية منها خاصة، عن جارته المتضررة .

وقْفُ تدفق الرجال والسلاح عبر الحدود التركية الى سوريا (والعراق) عدّل ميزان القوى لمصلحة دمشق وحلفائها، فأصبح في وسع بوتين أن يعلن، بثقة وارتياح، عزمه على حسم مصير «داعش» في سوريا.

ما مفاعيل هذا الموقف الروسي الصارم وتداعياته؟
سيَحدثُ انخراطٌ روسي متزايد في معمعة الحرب في سوريا وعليها، سياسياً وعسكرياً، وتعاونٌ أوسع على هذين الصعيدين مع سائر أطراف محور المقاومة. بوادرُ التعاون لم تتأخر في الظهور. فقد أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ان طهران وموسكو ودمشق اتفقت على تشكيل مجموعة خاصة بمراقبة الاوضاع في سوريا، أوضح أن قرار إنشاء المجموعة الثلاثية جرى اتخاذه خلال محادثاته الأخيرة في موسكو مع أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي بارتروشيف، وأن مهمتها مناقشة المسائل السياسية وقضايا الأمن في سوريا من مسافة قريبة.

واشنطن أحسّت بدورها بأن موسكو عازمة على انتهاج سياسة اكثر حزماً في سوريا ضد تنظيمات الإرهاب، بما فيها تنظيمات المعارضة السورية «المعتدلة» المتعاونة مع جبهة «النصرة»، لذا بادرت ادارة أوباما، حسب صحيفة «واشنطن بوست»، إلى اقتراح إنشاء «شركة عسكرية جديدة في سوريا» على موسكو. مضمون الاقتراح يتمثل في وعد من واشنطن بتوحيد الجهود مع القوات الجوية والفضائية الروسية لتبادل المعطيات عن الأهداف وتنسيق حملة موسعة لقصف جبهة «النصرة» المصنفة إرهابية في مقابل أن تضغط موسكو على حكومة الرئيس بشار الأسد لوقف قصف مجموعات معينة من المعارضة السورية المسلحة لا تعتبرها الولايات المتحدة ارهابية.

موسكو لن ترفض، مبدئياً ، هذا الاقتراح، لكنها ستشترط بالتأكيد خروج تنظيمات المعارضة السورية «المعتدلة» من مناطق سيطرة «النصرة» لتأمن عدم قصفها. سبق لموسكو أن طالبت واشنطن بتنفيذ هذا الإجراء لضمان ترسيخ الهدنة المعلنة في شمال سوريا. واشنطن لم تنجح في تنفيذ هذا الشرط، ولعلها لم توافق عليه اصلاً، ذلك أن سياسة إدارة أوباما كانت دائماً الحدّ من نشاط التنظيمات الإرهابية شرط عدم استفادة حكومة الاسد من إضعافها.

واشنطن اليوم ربما أصبحت اكثر استعداداً لتنفيذ الشرط الروسي، فقد اخفقت في مساعيها الرامية لبناء وتسليح تنظيمات فاعلة للمعارضة السورية «المعتدلة «، ذلك ان السلاح المرسل اليها كثيراً ما كان يقع في ايدي «داعش» و»النصرة»، وأن ما يتبقى منه في يديها لا يكفي او لا تُحسن استعماله فتكون النتيجة كارثية على الطرفين الامريكي والسوري «المعتدل»، أليست هذه الأمثولة المستخلصة من الهجمة الفاشلة قبل ايام على مطار البوكمال؟ ثم هناك اشكالية اخرى بالغة التعقيد، فقد تبيّن ان السبب الرئيس، وليس الوحيد، لوقوف ادارة اوباما موقفاً معادياً لحكومة الاسد هو رغبتها في تعويض اسرائيل خسائرها جرّاء اتفاقها النووي مع ايران ومخاطره على أمنها القومي. التعويض يكون في محاولة إضعاف حلفاء ايران، سوريا وحزب الله اللبناني، بطريق إدامة الحرب في بلاد الشام لاستنزاف مكوّناتها الوطنية والاقتصادية والعسكرية وصولاً إلى تقسيمها، إذا أمكن. إدارة أوباما لاحظت، على ما يبدو، صعوبة الاستمرار في مجاراة إسرائيل في مخططها الانف الذكر، لذلك تراها تعتمد مقاربة جديدة قوامها تعويض خسائر الكيان الصهيوني جراء الاتفاق النووي بمضاعفة تسليحه بأسلحة متطورة من جهة وبزيادة المساعدات المالية السنوية التي تغدقها عليه من جهة اخرى. في سياق هذه المقاربة ، جرى تظهير اقتراح «الشركة العسكرية الجديدة» بين امريكا وروسيا، فهل يتشارك القطبان الدوليان لحسم مصير «داعش» في سوريا؟

المصدر: القدس العربي الكاتب: د.عصام نعمان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ