تحقيق يكشف استخدام نظام الأسد للرياضيين والأنشطة الرياضية لدعم ممارساته القمعية الوحشية
تحقيق يكشف استخدام نظام الأسد للرياضيين والأنشطة الرياضية لدعم ممارساته القمعية الوحشية
● أخبار دولية ٢٥ مايو ٢٠١٧

تحقيق يكشف استخدام نظام الأسد للرياضيين والأنشطة الرياضية لدعم ممارساته القمعية الوحشية

ترجع موقع "السوري الجديد" مقالاً هامه كتبه "ستيف فينارو" ، وهو كاتب مخضرم لصالح مجلة ESPN وقد حاز على جائزة الكتابة الأدبية الرياضية فيها ، تحدث فيه باستفاضة عن استغلال الأسد و نظامه للرايضيين و الأنشطة الرياضية و كذلك المنشآت الرياضية لدعم ممارسته القمعية و الوحشية ضد الشعب السوري .

 

وفيما يلي التقرير كاملاً ، الذي ترجمه عبد الرزاق اسكيف في موقع السوري الجديد ، http://bit.ly/2qJ5yDT

 

بدعمٍ ضمنيّ من قِبَلِ الفيفا، أقحمت حكومة بشار الأسد في سوريا كرة القدم في حملتها القمعية المروعة، مسببةً بذلك شرخاً كبيراً في جيلٍ كاملٍ من اللاعبين.
 
 
في فترة الظهيرة الباردة من أحد أيام شهر شباط/ فبراير، جلس أحد أفضل لاعبي كرة القدم في سوريا خارج مُجمّعٍ تجاريّ في الخليج العربي، وقد أخذ منه التفكير ما أخذ حول قراره الذي كان يخشى أن يتسبب بمقتله.
خمس سنوات وفراس الخطيب لازال مقاطعاً منتخب سوريا الوطني محتجَّاً على الديكتاتور بشار الأسد، الذي قام بقصف مسقط رأسه وتجويع أهله.
والآن، وبشكلٍ مفاجئٍ، يبدو أن تغيّراً ما حدث في قلب الخطيب. إنه يفكر بالعودة إلى سوريا من أجل المضي قدماً بهدف التأهل إلى كأس العالم السنة القادمة. أسبابه معقدة، وفراس مترددٌ في التعبير عنها.
"أنا خائف، أنا خائف،" يقولها بلغة إنجليزية رسمية جداً. "في سوريا الآن، إن تكلمتَ، سيقتلك شخصٌ ما—بسبب ما تفوهت به، بسبب ما تفكر به. وليس بسبب ما تقوم به. بل سيقتلونك بسبب ما تفكر به."
الخطيب شخصٌ ملتحِ، قصير القامة، بشعرٍ مجعّدٍ بني اللون وعينين لطيفتين. وقد كسب الملايين من اللعب الاحترافي في الكويت. يعطي المركز التجاري الفخم لمحة عن حياته المريحة هنا: يخوتُ تتمايل على المياه الزرقاء الصَّدَفية، ورجال ونساء بملابس أنيقة يدخنون الأراجيل. لكن يبدو أنّ الخطيب يكاد يتحطّم لحجم المأزق الذي يناقشه خلال يومين من المقابلات. "كل يوم وقبل أن أنام، أقضي ساعةً وربما ساعتين، أفكر بهذا القرار."
يُخرِجُ الخطيب جواله ليعرض صفحته على الفيس بوك، حيث يتلقى مئات الرسائل كل يوم. حتى أقرب أصدقائه منه مستعدون لمعاداته. أحد اللاعبين اللذين ترعرع معهم، وهو نهاد سعد الدين، يقول إنه في حال عاد الخطيب إلى سوريا فسيُلقى به "في مزبلة التاريخ هو وكل شخص يدعم القاتل بشار الأسد." يقسم سعد الدين أنه لن يتكلم مع الخطيب مرة أُخرى.
 
في لحظةٍ ما من الست وثلاثين يوماً التالية، حين يلعب المنتخب السوري مباراته المقبلة، سيكون على الخطيب أن يختار بين شرّين عظيمين يصيبان العالم المعاصر بالبلاء.
فإن عاد وانضم للمنتخب السوري مرةً أُخرى، فسيكون كابتن الفريق واللاعب الأهم في سعي بلده للوصول لكأس العالم للمرة الأولى. وسيمثل الحكومة—التي عدا عن استخدامها لغاز الأعصاب، تقوم بتعذيب واغتصاب وتجويع وقصف المدنيين— التي استخدمت كرة القدم كسلاحٍ للترويج لحكم القاتل.
وإن استمر في مقاطعته للمنتخب، فسوف ينخرط في حركةٍ معقدةٍ بدأت بمظاهرات سلمية وانشقت بعدها لتشمل القاعدة وداعش. لقد استخدمت داعش كرة القدم كخلفية لبعض أبشع جرائمها، بما في ذلك تفجيرات 2015 في ستاد دو فرانس وتفجيرات 2016 في مباراة لكرة القدم للشباب في العراق أدت إلى مقتل 29 طفلاً.
والآن، في سوريا، يوجد الكثير من القتلة، ليس واحد فقط أو اثنين،" يقول الخطيب، و"أنا أكرههم جميعاً."
يعيش الخطيب حالة ضياع.
"مهما حدث، فسوف يحبني اثنا عشر مليون سوري،" يقول الخطيب، "أما الاثنا عشر مليون سوري الباقون فإنهم يريدون قتلي."
في قلب حرب سوريا الأهلية تتجسّدُ حربٌ أهليةٌ مصغرةٌ: معركة مؤلمة وأحياناً تكون دمويةً في سبيل روح الرياضة الوطنية.
وقد ألّبَت تصفيات كأس العالم التي بدو في غير محلّها بالنسبة إلى الوضع في سوريا اللاعب ضد اللاعب والمدرب ضد المدرب- انقسامات تعكس الصراع الذي يعيد صياغة الكثير حول العالم. فخلال ست سنواتٍ من الحرب الأهلية، لقي ما لا يقل عن 470,000 سوري مصرعهم، وانخفض مستوى العمر المتوقع في البلاد من 70 سنة حتى 55 سنة. وكونه فريقاً يمثّل بلداً يضم أكثر من اثني عشر مليون نازح، أي ما يقارب نصف عدد السكان، فإن المنتخب الوطني لكرة القدم يجسد مع ذلك ساحة قتالٍ أخرى بين أتباعِ الأسد ومعارضيه.
 
كما تؤكد الحكومة السورية أنّ كرة القدم هي الشيء الوحيد الذي بإمكانه أن يجمع السوريين بكل انتماءاتهم. كرة القدم هي "حلمٌ يجمع الناس مع بعض. وهي التي تعطي الابتسامة للناس وتساعدهم على نسيان رائحة الدمار والموت، يقول بشار محمد، الناطق باسم منتخب سوريا الوطني لكرة القدم.
وعلى أرض الواقع، فإن النظام السوري الذي يتلقى دعماً ضمنياً من الفيفا قد أقحم كرة القدم في حملته القمعية برعاية الحكومة، كما أظهر التحقيق الذي أجراه البرنامج الرياضي "أوتسايد ذا لاينز" ومجلة ESPN.
لقد قامت الحكومة السورية بقصف وتعذيب وإطلاق النار على ثمانية وثلاثين لاعباً على الأقل من لاعبي الدرجتين الأولى والثانية من الدوري السوري للمحترفين وعلى عشرات اللاعبين من الدرجات الأخرى، وفقا لمعلومات جمعها أنس عمو، الكاتب الرياضي السابق من حلب، والذي يوثّق انتهاكات حقوق الإنسان الخاصة بالرياضيين السوريين. يوجد على الأقل ثلاثة عشر لاعباً مفقوداً. على الرغم من أن قوى المعارضة قامت بقتل لاعبي كرة القدم على نطاق أصغر— فقد عزى عمو أربعاً من حالات القتل هذه لداعش—وقد أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن حكومة الأسد "قد استخدمت الرياضيين والأنشطة الرياضية لدعم ممارساتها القمعية الوحشية." لقد استُخدمت ملاعب كرة القدم كقواعد عسكرية لشن الهجمات على المدنيين. فمنذ بداية الحرب، وفقاً لما ذكره اللاعبون، أُجْبِرَتْ الفرق الرياضية على المشاركة في مسيرات دعم الأسد، بحمل اللافتات أحياناً وبارتداء قمصان عليها صورة الرئيس أحياناً أُخرى. "كان الأسد حريصاً أن يُريَ الناسَ أن الرياضيين يؤيدونه بقوة لأن هؤلاء هم الأشخاص ذوي النفوذ الكبير في الشارع،" يقول عمو. "كانت المسيرات إجبارية."
 
استند التحقيق الذي أجرته مجلة ESPN على مقابلات مع لاعبين حاليين وسابقين، ومسؤولين سوريين حاليين وسابقين في كرة القدم، وأصدقاء وأقارب الضحايا، بالإضافة إلى استعراض دراسات الحالة وأشرطة الفيديو المتاحة والتي أكد صحتها مراقبو حقوق الإنسان. أُجريت المقابلات بين سبتمبر 2016 ومارس 2017 في ماليزيا، ألمانيا، تركيا، السويد، الكويت وكوريا الجنوبية.
تم تسليم الادعاءات بأن سوريا تنتهك قوانين الفيفا التي تحظرُ التدخل السياسي في المسائل المتعلقة بكرة القدم إلى منظمة الفيفا في عام 2015. وقد استشهدت الفيفا بهذه القوانين 20 مرة على مدى العقد الماضي لمنع دول معيّنة من اللعب في مباريات دولية.
أمّا في الحالة السورية، والتي وردت في وثيقة من عشرين صفحة تحمل عنوان "جرائم الحرب ضد لاعبي كرة القدم السورية،" فقد قام الفيفا بالرد بأن "الظروف المأساوية ... تتجاوز المسائل الرياضية" وأوجز الأمر قائلاً بأن القضية كانت خارجة عن إرادته.
ورفض مسؤولو الفيفا إجراء مقابلات معهم من قبل ESPN، ولكنهم أصدروا بياناً قالوا فيه إن الاتحاد محدود في سلطاته وفي "قدرته على التحقق من أي مزاعم في مثل هذا الوضع المعقد".
"يوجد تناقضٌ بين قرارات الفيفا وقوانينه،" يقول أيمن قاشيط، اوهو لاعب سوري سابق سلّم الادعاءات بيده إلى المقر الرئيس للفيفا في زيورخ.
ويضيف قاشيط، "إنهم يُصْدِرونَ توجيهات لتجميد اتحادٍ رياضيٍّ ما بسبب التدخل السياسي، في الوقت الذي تحدث فيه حربٌ شاملةٌ في بلدٍ تُسْتَخْدَمُ فيه الملاعب لتخزين المعدات العسكرية، حيث يُلاقي الأطفال ولاعبي كرة القدم دون سن 18 عاماً الموت، حيث يتم إيداع لاعبي كرة القدم في السجن. كل ذلك يحدث وهناك أدلة وفيرة عليه، ولكن أين هو القرار؟ هذا هو النفاق بعينه".
 
مارك أفيفا، محامي من لندن متخصص في القانون الرياضي ودرس قوانين استقلال الفيفا، يتفق مع الراي الذي يقول إنَّ سوريا تمثل "حالة واضحة من التدخل النظامي للدولة في كرة القدم المحلية والدولية، ومع ذلك اختارت الفيفا عدم التصرف. ببساطة، لا يوجد لدى الفيفا الاستعداد للانخراط فيما هو واضح بأنه قضية مشينة للغاية."
كما رفض فادي دباس، نائب رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم ورئيس وفد المنتخب الوطني، كل هذه الحسابات ويقول إنها "غير صحيحة على الإطلاق" ويقول إنّ من قام بها هم لاعبون منفيون كونهم معارضين لنظام الأسد. "يحمي النظام السوريين، وتكمن مشكلتهم أنهم موجودون خارج سوريا وهم يمثلون أنفسهم فقط،" يقول دباس.
لقد خلق وجود سوريا في مشهد كأس العالم صراعاً أخلاقياً ليس فقط على صعيد الفيفا، بل على صعيد اللاعبين والمشجعين. لقد هرب مئات اللاعبين السوريين إلى البلدان المجاورة وإلى أوروبا. من ضمنهم لاعبون، مثل فراس الخطيب، ممن رفضوا تمثيل النظام السوري. وقد قام أحد لاعبي الدفاع، وهو فراس العلي، بالهرب من المنتخب الوطني خلال المعسكر التدريبي، وهرب من البلاد بعد وقت قصير عندما عَلِمَ أن ابن عمه البالغ من العمر ثلاثة عشر عاما قد قُتِلَ في هجوم نفّذته قوات الأسد.
يعيش العلي الآن في خيمةٍ مع زوجته وثلاثة أطفال في مخيم اللاجئين في كركميش جنوب تركيا. وفي مقابلةٍ معه أجرتها ESPN، قال "إنّ اللعب في صفوف منتخب سوريا الوطني يُعْتَبَرُ عاراً. أن أشارك في اللعب في صفوفه شيءٌ لم أستطع القيام به. شعرت بأنني سأخون كل أبناء بلدنا اللذين قتلهم الطاغية لو أنني قد فعلت. هؤلاء اللاعبون يحملون راية الموت."

المصدر: السوري الجديد الكاتب: ترجمة : عبد الرزاق اسكيف
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ