تقرير بحثي يرصد أسباب التصعيد في إدلب وأهداف روسيا وخياراتها
تقرير بحثي يرصد أسباب التصعيد في إدلب وأهداف روسيا وخياراتها
● أخبار سورية ١٧ يوليو ٢٠٢١

تقرير بحثي يرصد أسباب التصعيد في إدلب وأهداف روسيا وخياراتها

أصدر "مركز الإمارات للسياسات" بحثاً تحت عنوان "التصعيد الروسي في إدلب: الأسباب والاحتمالات"، سلط خلاله الضوء على التصعيد العسكري شمال غرب سوريا، معتبراً أن التصعيد المستمر يعكس إما ضعف آليات التنسيق بين الفاعلين الأساسيَّين في المنطقة "روسيا وتركيا"، أو عدم توافر الإرادة لديهما لضبط الصراع.

واعتبر المركز أن هذا الواقع يطرح أسئلةً حول ما إذا كانت هذه التطورات مرتبطة بالاستحقاقات السياسية للملف السوري، وخاصة قضية التصويت في مجلس الأمن حول قضية المعابر الإنسانية، وعقد الجولة السادسة عشرة من اجتماع أستانة، أم أنها تأتي في سياق منفصل الهدف منه إعادة رسم خريطة السيطرة في منطقة شمال غربي سورية.

وتحدث البحث عن تَركّز التصعيد العسكري، بدرجة كبيرة، على منطقة جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي، وكان سلاح المدفعية هو الأكثر استخداماً، ولفتت إلى أن القصف أخد طابع عشوائي واضح، ويظهر عدم وجود بنك أهداف، كان جل ضحايا القصف من المدنيين.

واعتبر المركز أن هذا الأمر يؤشر أن هذه الضربات تأتي ضمن سياسة خلق الفوضى والاضطراب كمرحلة سابقة، سواء لتحصيل تنازلات من الفاعلين الآخرين أو كتمهيد محتمل لأي عمل بري، وهو فعلٌ كرره الروس والنظام خلال حملات التصعيد السابقة.

وأوضح المركز أن روسيا أوفدت وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى تركيا في 30 يونيو الماضي بعدما وصل التصعيد إلى مرحلة الذروة، بمعنى أن مرحلة القصف التمهيدي وصلت إلى أقصاها، وأصبحت الأمور أمام خيارين: إما بدء المرحلة الثانية التي ستكون على شكل حملة اجتياح بري، وإما الجلوس على طاولة التفاوض لطرح المطالب والشروط، وسبق زيارة لافرف اتصالُ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، والذي تركَّز على ضرورة تهدئة الأوضاع المتوترة في إدلب.

وفي موضوع إدلب أعاد لافروف طرح تنفيذ البرتوكول المشترك المتّفق عليه بين موسكو وأنقرة في 5 مارس 2020، والذي نص على إنشاء ممر على جانبي الطريق السريع M4 بعمق 6 كم من الشمال و6 كم من الجنوب، والاتفاق على معايير محددة لعمل الممر الأمني بين وزارتي الدفاع في الجمهورية التركية وروسيا الاتحادية.

ويُذكر أن اللّجان العسكرية التقنية لم تستطع الاتفاق على معايير مشتركة لضمان توفير بيئة آمنة لحركة التجارة والنقل على الطريق الدولي الواصل بين حلب واللاذقية، وهذا ما يُفسّر غالباً تجميد العمل بالدوريات المشتركة منذ 25 أغسطس 2020، بعدما تم تسيير 25 واحدة، وذلك نتيجة استهدافها من قبل مجموعات ترتبط غالباً بالتنظيمات المتشدّدة.

وقال المركز إن روسيا ليست مطالبة بتفعيل البروتوكول الخاص بالممر الآمن هي السبب الوحيد والأساسي للتصعيد الحاصل بين الطرفين، ذلك أن الطرفين تعايشا مع هذا الواقع لأكثر من 16 شهراً. وبالرغم من أهمية الممر الآمن في نظر روسيا لإنعاش الاقتصاد السوري، إلا أن ثمة أسباباً ذات علاقة بالتطورات السياسية وقفت وراء التصعيد العسكري الروسي في إدلب.

وأهم تلك التطورات - وفق المركز - قلق روسيا من التحوّلات الأخيرة في مواقف تركيا وسياساتها الإقليمية والتقارب الحاصل بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في قضايا تهم روسيا وتقع في مجال اهتماماتها الاستراتيجية، مثل أوكرانيا، وصيانة العلاقات التركية بحلف الناتو.

كذلك مجاراة تيار واسع في الكرملين والجيش الروسي يرغب في تحويل إدلب إلى مشكلة تركية، وتقوم خطته، بحسب المجلس الروسي للشؤون الدولية، على استعادة السيطرة على طريقي" إم 4" و"إم 5"، وإغلاق ما تبقى من مناطق إدلب.

ولا تريد روسيا - وفق المركز - خوض معركة كبرى لتحقيق هذا الهدف، لما سينتج عنها من تدفق مباغت وضخم للاجئين، ما سيستتبع حكماً غضباً تركياً وأوروبياً يزيد تعقيدات هذه العلاقة مع روسيا، كما أن روسيا تفضل الاحتفاظ بورقة اللاجئين من أجل تحصيل مكاسب أكبر بدل التفريط بها، وبدل ذلك تفضل روسيا تكتيك القضم التدريجي الذي لا ينتج عنه موجات نزوح كبيرة تغضب الغرب، ولا إجبار تركيا على انسحاب مُذل يدفعها إلى البحث عن بدائل للانتقام من روسيا، سواء في سورية أو خارجها.8

وأوضح المركز أن أهداف روسيا من وراء التصعيد الحالي في إدلب، تحقيق مجموعة أهداف عملياتية وسياسية واقتصادية، وتتمثل الأهداف العملياتية بدفع المعارضة وتركيا إلى تقديم تنازلات عن مناطق تضعها روسيا في عين استهدافها الحالي، وهي مناطق ذات طبيعة استراتيجية، مثل منطقة جبل الزاوية التي تشرف على الطريق الدولي "إم4"، كما تتيح السيطرة عليها جعل إدلب بمنزلة منطقة ساقطة نارياً بالنظر إلى ارتفاع الجبل وإشرافه على إدلب وحواضرها، وكذلك السيطرة على التلال في ريف اللاذقية الشمالي التي تتحصن بها قوات "الحزب الإسلامي التركستاني" والتي لم تستطع قوات الأسد تحريرها رغم عشرات الهجمات.

وتشمل الأهداف العملياتية أيضاً الحفاظ على حالة اللاحرب واللاسلم في إدلب، حتى لا تتحول الأوضاع في هذه المنطقة إلى أمر واقع، وبقاء حالة عدم الاستقرار، في ظل الحديث عن حالة من التطوّر الاقتصادي في هذه المنطقة، واتجاه المنطقة إلى استقبال استثمارات لرجال أعمال سوريين، كما بدأت تركيا بمد شبكة كهرباء إلى إدلب، وهناك مشاريع بناء قطرية في هذه المنطقة، ولا تريد روسيا تحوّل هذه المنطقة إلى مثال يُحتذى به بالمقارنة مع الأوضاع السيئة في مناطق النظام.

أما على صعيد الأهداف السياسية، فقد استبق التصعيد الروسي استحقاقات سياسية مهمة، مثل لقاء بوتين- بايدن في مدينة جنيف منتصف شهر يونيو الفائت، حيث أراد بوتين المساومة على هذه الورقة مع بايدن الذي أبدى اهتماماً خاصاً بالأوضاع الإنسانية السورية، وتحديداً أوضاع اللاجئين في إدلب، ورغبة روسيا في الظهور بمظهر الطرف الذي يحارب التنظيمات الإرهابية، وهو أمر سيكون محرجاً للأمريكيين الدفاع عنه، كذلك سيكون الموضوع مناسبةً مهمة لفتح ملف الانتهاء من القوى المصنفة على قوائم الإرهاب في الشمال الغربي من سورية، حيث تخشى روسيا من احتمال رفع الولايات المتحدة "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب وتحويلها إلى طرف سياسي مقبول، ما يصعب على روسيا أي تحرك عسكري مستقبلي في ادلب.

بالإضافة لذلك، استبق التصعيد النقاش الدولي بخصوص التمديد للعمل بمعبر باب الهوى، وأرادت روسيا من وراء التصعيد دفع الفاعلين الآخرين إلى عدم التفكير بإمكانية إيصال المساعدات دون موافقة روسيا ورضاها، وإظهار أنها تستطيع تهديد سلامة الطرق والقوافل ووضع المنطقة بحالة عدم استقرار، بالإضافة إلى التهديد بورقة اللاجئين، ويبدو أنها حققت بالفعل بعض ما أرادته، ويظهر ذلك من خلال التنازلات التي قدمتها الدول الغربية من أجل تمرير قرار التمديد، والتي دفعت الولايات المتحدة إلى التنسيق مع روسيا واحترام وجهة نظرها.

وتتمثل الأهداف الاقتصادية بتشغيل الطريق الدولي بين حلب واللاذقية، وما سيُتيحه ذلك من فرص اقتصادية لدعم الاقتصاد السوري الضعيف، ورغم الانفراجات التي تحقّقت في الملف السوري عبر التنسيق الروسي- الأمريكي في مجلس الأمن الذي أنتج التوصل في 9 يوليو الجاري إلى اتفاق حول استمرار العمل بالتفويض الأممي الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى لعام إضافي، إلا أن التصعيد لايزال مستمراً.

ويعكس استمرار التصعيد - وفق المركز - لفشل روسيا وتركيا في الجولة السادسة عشرة من اجتماع أستانة، التي انعقدت في 7-8 يوليو الجاري، في التوصل إلى تفاهمات محدّدة تتعلق بوضع آليات واضحة بخصوص العمل المشترك من أجل تطبيق اتفاق الممر الآمن، ورغم ما ورد في البيان الختامي حول الاتفاق على تثبيت "خفض التصعيد" في إدلب، إلا أن هذه الصياغة طالما تم اعتمادها في جميع الجولات السابقة في البيانات الختامية لمؤتمرات أستانة.12

ولوحظ أن روسيا أبقت الباب مفتوحاً للتصعيد، من خلال تأكيد المبعوث الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، في كلمته على هامش اجتماعات أستانة على ضرورة مكافحة الإرهاب، وانتقاده مطالبات الدول الأوروبية بإعلان نظام لوقف إطلاق النار في عموم البلاد، محذراً من أن الخطر الإرهابي لم يتم استئصاله بالكامل بعد.

وقد أصرت روسيا في البيان الختامي للمؤتمر على الإشارة إلى أن أنشطة "هيئة تحرير الشام" تشكل خطراً على المدنيين داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب وخارج حدودها، مما يعني أن الضربات ستبقى مستمرة، كما أن روسيا رفضت الإقرار بوقف دائم لإطلاق النار، بل مددت "التهدئة على الأرض" التي بدت مشروطة بتطبيق الاتفاقات المبرمة في إشارة إلى اتفاق الممر الآمن.13

وأضاف المركز أن المعطيات العسكرية والميدانية تدل على صعوبة إقدام روسيا في هذه المرحلة على هجوم بري للسيطرة على المناطق المحيطة بالطريق الدولي "إم4" الذي تطالب تركيا بتنفيذ التزاماتها تجاهه، وصعوبة تكرار عملية فبراير-مارس 2020 التي تم خلالها قضم مناطق واسعة من أرياف إدلب وحماة وحلب، لأسباب عديدة.

ومن هذه الأسباب، كثافة الانتشار التركي عبر القواعد المجهزة بالأسلحة الثقيلة (دبابات ومدافع بعيدة المدى، وصواريخ مضادة للطائرات، ومنظومات دفاع جوي في القواعد الرئيسة منها)، فقد أقامت تركيا حوالي 60 نقطة عسكرية منذ بداية الهدنة في مارس 2020 تتمركز غالبيتها في جبل الزاوية وعلى خطوط التماس مع القوات السورية، وتبعد كل نقطة عن الأخرى بحدود 7 كلم، ما يشكل خطاً دفاعياً لن تستطيع قوات الجيش السوري والميليشيات الإيرانية الموالية اختراقه من دون تدخل روسي مباشر وعلني، الأمر الذي يعني تصادماً مباشراً مع تركيا.

الطبيعة الوعرة للمناطق التي تضع روسيا العين عليها، وهي جبل الزاوية والتلال الشمالية في ريف اللاذقية، حيث ترصد القوى المتحصنة في هذه المواقع جميع تحركات الخصوم، كما يصعب السيطرة على هذه المناطق بالأسلوب المتبع لدى القوات النظامية السورية والميليشيات الإيرانية، التي لم يسبق لها خوض تجارب من هذا النوع.

أيضاَ انشغال روسيا والنظام السوري بمعارك البادية التي لا يبدو وجود أفق واضح للانتهاء منها، كما لا يمكن تأجيل المعارك هناك وفتح جبهات أخرى، لأن ذلك سيتيح لتنظيم "داعش" التمدّد بشكل سريع وتهديد المصالح الروسية المهمة في البادية، وخاصة حقول الفوسفات.

علاوة عن التداعيات التي ستترتب على شن هجوم بري مباشر، سواء تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين، الأمر الذي لن يثير انزعاج تركيا فحسب، بل أيضاً الولايات المتحدة التي يرغب بوتين في تخفيض درجة التوتر معها، كما أن أي هجوم مباشر سينتج عنه التصادم مع تركيا، ما يعني الصدام مع حلف الناتو بعد أن قامت تركيا بصيانة علاقاتها معه وإعادة توثيقها. وفي الجهة المقابلة، لا ترغب تركيا في إيصال الأمور إلى هذا الحد، نتيجة ظروفها الداخلية، وتشابك المصالح الاقتصادية مع روسيا في ظل أزمة اقتصادية تضرب تركيا.

وبناء عليه، فإن الحل الممكن يتمثل في فتح الطريق "إم4"، وتشكيل ممر آمن فيه وفق اتفاق مارس 2020، والاتفاق على آليات التنفيذ، وهو أمر قابل للتنفيذ من قبل تركيا والفصائل المسلحة، لتجنب ما هو أخطر ولوقف الضربات الروسية على مناطق إدلب، وبخاصة أن "هيئة تحرير الشام" لا تمانع تنفيذ هذه الاتفاقيات، كما أنها أضعفت القوى المتطرفة في المرحلة السابقة، والتي كانت تستهدف الدوريات الروسية-التركية المشتركة وتعترض على تنفيذ الاتفاق بين الطرفين.

وخلصت دراسة المركز إلى أن التصعيد الروسي في إدلب يؤشر إلى رغبة روسيا في تغيير قواعد التعامل السارية منذ أكثر من 16 شهراً في تلك المنطقة، ودفع تركيا إلى البحث عن مقاربة جديدة، وبخاصة أن روسيا أصرّت على الدوام بأن اتفاقياتها وترتيباتها مع الجانب التركي بخصوص إدلب ذات صبغة مؤقتة.

وتتبع روسيا سياسة تضييق الدوائر إلى أقصى مدى ممكن لعدم تحوّل الوضع في إدلب إلى حالة أمر واقع، بما يسمح للقوى الحاكمة في إدلب (هيئة تحرير الشام) أن تصبح شريكاً سياسياً في مفاوضات الحل السوري، وكذلك لمنع حصول استقرار في تلك المنطقة، وما قد ينتج عنه من تحويل بعض الاستثمارات الدولية، بذريعة تشجيع اللاجئين على البقاء في تلك المنطقة، وبخاصة أن هناك أطرافاً إقليمية (قطر وتركيا) ودولية (الاتحاد الأوروبي) مستعدة لتقديم الدعم.

غير أن روسيا تدرك أن المعركة الكبرى في إدلب باتت تنطوي على مخاطر عديدة، لوجستية وسياسية، كما أن احتمالات تحقيق نصر عسكري، ومن ثم تحويل هذا الانتصار إلى نتائج سياسية، تبدو ضعيفة في ظل المعطيات الدولية الحالية، وبالتالي فإنها تحاول اللجوء إلى تكتيكات أخرى، من ضمنها تحويل الحياة في مناطق جنوب إدلب إلى حالة مأساوية يصعب التعايش معها، وتدفع سكان تلك المناطق إلى التسرّب البطيء خارج مناطقهم، وإجبار تركيا والفصائل المسلحة على الرضوخ لمطالبها في إنشاء الممر الآمن، كمرحلة أولى.

وختم المركز بالإشارة إلى أن هذا لا يعني عدم توافر ظروف شن حملة برية في الوقت قبولَ روسيا باستمرار الأوضاع الحالية، وثمة مؤشرات على احتمال شن حملة على التلال الحاكمة في ريف اللاذقية الشمالي، التي يتحصن بها المقاتلون الأوزبك والتركستانيون، وميزة السيطرة على هذه التلال أنها تجعل المدن الكبرى في إدلب (جسر الشغور وأريحا) مناطق ساقطة نارياً يصعب الدفاع عنها أمام أي هجوم لقوات النظام وحلفائه.

المصدر: شبكة شام الكاتب: فريق التحرير
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ