خريطة كاملة عن الفصائل الثورية في حلب
خريطة كاملة عن الفصائل الثورية في حلب
● أخبار سورية ٦ مارس ٢٠١٥

خريطة كاملة عن الفصائل الثورية في حلب

أسوةً بغيرها من المدن، مرّت حلب بمراحل الثورة التي شهدتها سوريا، كالتظاهرات الصغيرة وحملات المناشير، والكتابة على الجدران، والمظاهرات الطيارة، وصولاً إلى المظاهرات الحاشدة التي كانت تجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين ظهيرة كلّ يوم جمعة في أحياء صلاح الدين وبستان القصر والسكري والشعّار والأشرفية وغيرها.

بدأ تواجد السلاح بشكل سرّي بسبب المداهمات الليلية والاعتقالات التي قامت بها قوات الأمن، التي طالت أعداداّ كبيرة من المدنيين الذين نشطوا في أعمال معارضة للنظام السوري، كتنظيم الحالة المعارضة الشعبية في نشاطات منظّمة كالمظاهرات وغيرها. قمعت قوّات النظام المظاهرات بالرصاص، ما أدّى إلى مقتل أعداد كبيرة من المتظاهرين، وارتقى عدد كبير من هذه الأعمال القمعية الشرسة إلى مستوى المجازر الجماعية.عدا القمع المباشر للمظاهرات والاعتصامات، سُجّل عدد كبير من الاعتقالات، كما وُثّق عدد كبير من حالات القتل تحت التعذيب، كما مارست ميليشيات الشبيحة والأجهزة الأمنية سياسية اختطاف ممنهجة لابتزاز الناس.

شكّلت هذه الممارسات سبباً كافياً للبعض لحمل السلاح «للدفاع عن المتظاهرين العُزّل» كما أعلنت الكثير من الكتائب إبّان تشكيلها. أسست هذه الكتائب مقرّاتها السرية الأولى في ريف حلب، حيث عقدت اجتماعاتها وخبأت أسلحتها نظراً للضغط الأمني في المدينة آنذاك. لكنّ هذه السرية لم تدم طويلاً، إذ أنّ تواجد بعض قطع السلاح بين أيدي متظاهري الريف شكّل ذريعة رآها النظام مناسبة للتصعيد ضد معارضيه، فبدأت قوات الجيش النظامي بإرسال أرتال عسكرية مرفقة بالدبابات وناقلات الجند إلى مناطق الريف الشمالي، التي نشطت فيها الكتائب المعارضة، وقامت بعدّة عمليات داخل مدينة حلب.

إقحام الجيش في قمع الانتفاضة الشعبية شكّل نقطة تصعيد مهمّة، حيث اقتصرت مهمة القمع تلك في المراحل الأولى من الثورة على الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية «الشبيحة».

بدأت مدينة أعزاز، على الحدود السورية التركية، معركة تحريرها على أيدي أبنائها المدنيين ممّن حملوا السلاح، مدعومين بأبناء مناطق أخرى في الريف وبعض المنشقين عن جيش النظام. تُعد أعزاز أول مدينة محررة من النظام في محافظة حلب، وثاني مدينة (بعد عندان) تحمل السلاح للتصدي للنظام. في التاسع عشر من تموز عام 2012، وبعد مرور 19 يوماً على بدء معركة التحرير، وقعت أعزاز بأيدي الثوار، حيث شارك في تحريرها عدد من الكتائب التي ينتمي غالبية أفرادها للريف الحلبي (لواء ثوار الشمال، أحرار عندان، كتيبة الخال). بعدها، بدأت معارك تحرير الريف، فنشبت معارك في حريتان وعندان والأتارب وتل رفعت ودارة عزة والباب، شارك فيها أبناء هذه المناطق بمؤازرة عسكرية من باقي كتائب الأرياف المتوزعة في المناطق المحررة. لم تكُن هذه المعارك كمعارك مدينة حلب التي تلتها، إذ أن تحرير العديد من القرى لم يكن يتطلب أكثر من السيطرة على مخفر الشرطة أو المفرزة الأمنية لكل قرية. لم تستطع قوات النظام الصمود أمام المدّ الشعبي الريفي الذي اتخذ المقاومة المسلحة كمنهج تحريري، فرغم أن الكتائب المسلحة في الريف كانت قليلة ومتوارية، ولم تكن تملك من السلاح والذخيرة ما تملكه الآن أيّ كتيبة صغيرة (رشاش الكلاشينكوف الروسي، وسلاح «البمب أكشن» الأميركي، وبعض قواذف «آر بي جي») إلا أنّ الحاضنة الشعبية لهذه الكتائب، التي شكلت نسبة كبيرة من أهالي الريف الحلبي، ساهمت بشكل كبير في إحكام السيطرة على مساحات شاسعة من الريف الحلبي.

اختلفت المُعطيات في مدينة حلب، إذ استمر الحراك السلمي فترة طويلة، وتصدّرت جامعة حلب مشهد التظاهر السلمي، وتنوّع المشاركون في هذه المظاهرات من طلاب جامعة حلب، التي احتوت دوماً على طلّاب من مختلف مناطق سوريا بتنوّع أديانها وطوائفها وأعراقها. ورغم الضغط الأمني الهائل الذي مُورس على الحراك الحلبي، من اعتقالات وانتشار للشبيحة واللجان الشعبية في أماكن التظاهر، إلا أن عدد المتظاهرين في حلب وصل إلى عشرات الآلاف مع عام 2012.

بدأ الحراك المسلّح في حلب بكتائب صغيرة شُكّلت بشكل سري، لا مقرات لها وغير معروفة العناصر، وأقيم ما يعرف بـ «الخلايا النائمة»، حيث شُنّت عمليات اغتيال لشخصيات أمنية وقادة اللجان الشعبية «الشبيحة». من أهم هذه الخلايا ما عُرف لاحقاً بكتيبتي «أبو عمارة» و«الأبابيل» و«لواء حلب المدينة».

استمرّ طابع «الجيش الحر»، بوصفه امتداداً مسلّحاً للمجتمع المحلي، غالباً على التشكيلات المقاتلة في البداية، مستنداً إلى التديّن الشعبي كسند روحي، دون أن يتطوّر إلى إيديولوجيا ومشروع سياسي ناجز إلا لاحقاً.

أفرج النظام عن معتقلي صيدنايا، الذين شكّلوا عدداً من المجموعات ذات الإيديولوجيا الإسلامية الواضحة. تطورت بعض المجموعات هذه إلى أن أضحت بشكل وحجم حركة أحرار الشام وألوية صقور الشام وجيش الإسلام. في ذات الوقت، كثّف النظام من اقترافه للمجازر ذات البُعد الطائفي، وتضاعف الاعتماد على إيران كسند إقليمي، كما دخل تنظيم القاعدة وحزب الله والحرس الثوري الإيراني على خط الصراع. حينها أيضاً، شارك الإخوان المسلمون السوريون في دعم مجموعات مقاتلة في سوريا. ساهمت كل هذه العوامل في إفراز ظواهر عسكرية-إيديولوجيّة دينية، تطورت إلى أشكال مختلفة من الفصائل، وبعض هذه الفصائل انتهى وجوده كأسماء، في حين ترسّخ وجود بعضها الآخر في سوريا. تلا ذلك بدء إرسال الدعم الحكومي الغربي والأميركي لمجموعات سورية بقيت ضمن هيكلية الجيش السوري الحُر، عبر هيئة أركان الجيش الحُر والمجالس العسكرية للمحافظات.

اليوم، وبعد سنتين ونصف تقريباً من بدء تواجد السلاح في الانتفاضة الحلبية، نستطيع أن نحصي العديد من الكتائب والألوية والتجمعات العسكرية بأشكالها الحالية، الناجمة عن تحالفات وصراعات داخلية، وصراعات بين الفصائل. كيف تشكّلت هذه المجموعات، وكيف وصلت إلى ما هي عليه الآن من إيديولوجيا وخطاب وأشكال وأسماء مختلفة؟ أين يتوزّع مقاتلوها، ومن أين تنحدر أصولهم، وضدّ مَن يُقاتلون، وكم أعدادهم؟ من هم القادة؟ في أيّ ظروفٍ تشكّلت هذه الفصائل؟ ومن أين استَقت مصادر تمويلها؟ وما هي مشاريعها الفكرية والسياسية؟

لواء التوحيد

أعلن عن تشكيل الجبهة الاسلامية في الثاني والعشرين من تشرين الثاني 2013، وضمّت فصائل إسلامية تعمل في كل المناطق التابعة لسيطرة المعارضة في سوريا (لواء التوحيد، حركة أحرار الشام الإسلامية، ألوية صقور الشام، جيش الإسلام، لواء الحق، أنصار الشام، الجبهة الإسلامية الكردية). تواجدت الجبهة الإسلامية في حلب عبر فصائل التوحيد وحركة أحرار الشام، ومن ثمّ لواء أحرار سوريا، الذي انضم للجبهة منتصف عام 2014.

يتمركز لواء التوحيد في حلب وريفها، وتم الإعلان عن تشكليه في الثامن عشر من تموز 2012 في ريف حلب الشمالي بهدف توحيد الكتائب المقاتلة في الريف تحضيراً لمعركة حلب، وضمّ في تلك الفترة عدداً كبيراً من كتائب الريف، التي كان لها الدور الرئيس في سيطرة المعارضة على الريف الحلبي. ضمّ اللواء كلاً من كتائب الباب ومنبج وعندان وحريتان وجرابلس ورتيان وبيانون وحيان ودارة عزة وقبتان الجبل وعنجارة ومعارة الأرتيق ودابق ودير حافر وأعزاز ودير جمال وكتائب الشهباء في حلب ولواء أحرار الشمال (الذي كانت له اليد الطولى في معركة أعزاز)، ويُعتبر النواة الأولى للواء التوحيد. وقد قال بيان التشكيل، الذي تلاه عبد العزيز سلامة، القائد العام للواء، أن لواء التوحيد «يهدف إلى العمل العسكري الجماعي والمنظّم سعياً لإسقاط النظام، وحماية المدنيين والأملاك العامة والخاصة، ومحاسبة كل من يعتدي على المدنيين، ومساعدة كل من يريد الانشقاق عن جيش النظام». عُين عبد القادر الصالح، ابن مدينة مارع، قائداً للعمليات العسكرية التي تتم باسم لواء التوحيد.

الصالح، ولقبه «حجّي مارع»، قاد العديد من المعارك ضد قوّات النظام، أهمها معارك تحرير أعزاز الحدودية ومدن الراعي وجرابلس وحريتان. كان لواء التوحيد من أوائل المجموعات التي دخلت إلى الطرف الغربي لحلب بعد أن بدأت الاشتباكات بين ثوار حي صلاح الدين وقوات النظام. تمكن لواء التوحيد من إدخال 275 مقاتلاً في اليوم الأول للمعارك بتاريخ 20-7-2012 بقيادة أحمد يوسف الجانودي – الذي قتل في وقت لاحق على أيدي قوات النظام – فيما دخل الصالح مع نحو 500 مقاتل في اليوم التالي إلى الأحياء الشرقية، حيث كان لواء التوحيد عنصراً أساسياً من عناصر تحرير الطرف الشرقي من المدينة خلال ساعاتٍ قليلة، حيث شارك الصالح في السيطرة على المراكز الأمنية في النيرب والشعار وطريق الباب وهنانو والصالحين ومقر الجيش الشعبي. شارك لواء التوحيد بقوّة، أيضاً، في معارك السيطرة على ثكنة هنانو واللواء 80 ومدرسة المشاة.

في الفترة ما بين تشكيل لواء التوحيد وأواخر 2013، حين قُتل «حجي مارع»، القائد العسكري للواء، كان لواء التوحيد يضم في صفوفه أكثر من عشرة آلاف مقاتل، ذوي تسليح خفيف ومتوسط لا بأس به، من رشاشات ثقيلة وقاذفات صاروخية مضادة للدروع، والقليل من السلاح الثقيل المصادر من مخازن ومراكز الجيش السوري النظامي، كناقلات الجند و الدبابات. كان «التوحيد» يُعتبر الفصيل الأقوى في مدينة حلب، حيث سيطر على 70 % من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في المدينة، بالإضافة لقتاله على أكثر جبهات حلب عنفاً، مثل المدينة القديمة وصلاح الدين وسيف الدولة والعامرية ومدرسة المشاة والسجن المركزي ومطار النيرب العسكري، كما شارك اللواء بقيادة الصالح في معارك كبرى خارج حلب، مثل معركة القصير في ريف حمص ضد الجيش وعناصر حزب الله اللبناني، ومعركة «قادمون يا حماه» في ريف حماه. كما ضمّ في صفوفه، تنظيمياً، عدداً لا بأس به من الكتائب التي كانت تقاتل في مناطق مختلفة من سوريا.

أصيب الصالح خلال قصف جوّي بجروح بليغة، نُقل على إثرها إلى مدينة غازي عنتاب التركية. أعلن عبد العزيز سلامة، القائد العام للواء التوحيد، عن وفاة عبد القادر الصالح في 18 تشرين الثاني 2013، وأثّر الخبرعلى قوّة لواء التوحيد بشكل كبير، حيث تراجع زخم اللواء بشكل ملحوظ حتى بعد تعيين الشيخ «أبو توفيق» قائداً عسكرياً بديلاً للصالح، وهو ابن مدينة تل رفعت في الريف الشمالي. تراجع حضور لواء التوحيد في مدينة حلب أكثر بعد أن دخل في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في حلب وريفها، ما اضطره لسحب عدد كبير من قواته المتواجدة في حلب وإرسالها إلى قرى الريف الشمالي والشرقي لصدّ هجمات التنظيم المتطرف عليها.

يُشار إلى أن لواء التوحيد لم يشارك في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية عند بداية المعارك ضده في حلب، متلاقياً في هذا الموقف مع باقي فصائل الجبهة الاسلامية، التي أعلنت في البداية وقوفها على الحياد، لكن اعتداءات داعش على جميع مقاتلي الفصائل الأخرى، وبينهم مقاتلي لواء التوحيد، أدّى لتغيير هذا الموقف وصدور قرار قياديي التوحيد بخوض هذه المعركة. كان هذا عاملاً مهماً من عوامل استنزاف قوة لواء التوحيد إلى الحدّ الذي نراه عليه اليوم.

يقتصر تواجد لواء التوحيد الآن على جبهات المدينة القديمة وسيف الدولة (وهي جبهات هادئة نسبياً)، وفي بعض المقرات العسكرية في مارع وعندان، المعقلَان الأساسيّان للواء التوحيد، كما يسيطر مقاتلو التوحيد، وإن تحت اسم الجبهة الإسلامية، على معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا قرب أعزاز بعد انصهار ما تبقّى من لواء عاصفة الشمال ضمن تشكيلات الجبهة الاسلامية. تأسس لواء عاصفة الشمال في أعزاز، وخاض معركة تحريرها، ثم تمركز في عدّة أحياء حلبية مثل بستان الباشا والهلّك قبل أن يشنّ تنظيم داعش حملةً عسكرية على مقرّات اللواء في أعزاز، ما أضعف لواء عاصفة الشمال، واضطره للانصهار ضمن تشكيلات عسكرية أخرى.

يمتلك لواء التوحيد مؤسسة أمنية شُكّلَتْ أواخر عام 2013، مكوّنة من شرطة عسكرية تهتم بشؤون الأمن العام ومراقبة التجاوزات التي ترتكبها فصائل المعارضة المسلحة، كما تعمل على فض النزاعات بين المدنيين؛ وفرع أمن الطرق، الذي يتولّى تأمين طرق المواصلات وحمايتها من قطّاع الطرق عن طريق تواجد 15 حاجز أمني في الريف الشمالي لمدينة حلب؛ وفرع أمن الصناعة، الذي عمل على حماية الممتلكات في المنطقة الصناعية في الشيخ نجّار قبل أن تتحوّل هذه المنطقة إلى جبهة قتال، ويسيطر النظام عليها لاحقاً.

قبل الإعلان عن تشكيل لواء التوحيد، كان تمويل الكتائب المقاتلة الصغيرة يعتمد على مصادر ذاتية، ورجال أعمال مستقلين من سوريين مقيمين في المغترب، أو خليجيين داعمين للثورة السورية، لكن تأثير المال الخليجي- الإخواني كان جلياً بعد تشكيل اللواء، حيث بدأ التمويل يصل من قطر عبر شخصيات محسوبة على الإخوان المسلمين في المجلس الوطني السوري، مثل أحمد رمضان. بدأت الرايات الإسلامية بالظهور في جبهات اللواء وفي مقرّاته العسكرية وسياراته، ثم غُيّر شعار اللواء، فسُحب منه اللون الأخضر والنجوم الحمراء الثلاث، وأضيفت عبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» إليه.

كان النفس الإسلامي يبدو جلياً في إيديولوجيا لواء التوحيد منذ تأسيسه، نظراً لطبيعة تكوين عناصره ذوي الغالبية الريفية المحافظة. وأُعلنت الأهداف الأساسية له، حسب ما ذكر عبد العزيز سلامة في بيان التشكيل «إسقاط النظام و حماية المدنيين»، ولم تكن هناك أهداف سياسية مطروحة بوضوح في خطاب اللواء في مراحله الأولى. تغيّر هذا الأمر حين أعلن عبد القادر الصالح، عبر لقاء تلفزيوني مع تيسير علوني في قناة الجزيرة رداً على سؤال الصحفي الشهيرعن رؤية لواء التوحيد لشكل الدولة في المستقبل «نحن نسعى لأن تكون سوريا دولة إسلامية ومعتدلة. أين المشكلة في أن نسعى لسوريا إسلامية وطنية تراعي حقوق الأقليات، ونعيش فيها نحن وهؤلاء ضمن نسيج واحد؟ نريد أن يكون التشريع الإسلامي هو المصدر الوحيد للدستور، لكننا لن نفرض ذلك بالقوة».

تبنّى لواء التوحيد «مشروع أمة»، وهو ميثاق «الجبهة الإسلامية» بعد انخراطه فيها. يؤكد ميثاق «الجبهة الإسلامية» على إسلاميّة سوريا بعد سقوط النظام، ذلك عبر بناء دولة إسلامية تكون السيادة فيها لـ «لشرع الله» وحده، مرجعاً وحاكماً وموجهاً وناظماً لتصرفات الفرد والمجتمع والدولة، كما رفض مصطلحات «العلمانية والديموقراطية والدولة المدنية» رفضاً قاطعاً لما فيها من «تناقض مع الدين الاسلامي» كما جاء في نص الميثاق .

حركة أحرار الشام الإسلامية

تمخّض اتحاد أربعة فصائل إسلامية سورية كانت تقاتل بشكل مستقل، وهي «كتائب أحرار الشام» و«حركة الفجر الإسلامية» و «الطليعة الإسلامية» و«كتائب الإيمان» عن تشكيل «حركة أحرار الشام الإسلامية» في الشهر الأول من عام 2013. تقاتل الحركة في معظم المناطق السورية، ويُقدَّر عدد مقاتليها على كامل امتداد الأراضي السورية بحوالي 25 ألف مقاتل.

نشأت حركة أحرار الشام في مدن وقرى محافظة ادلب، ثم توسّعت إلى ريف حلب، ومنه إلى جبهات المدينة.

شاركت حركة أحرار الشام في القتال على جبهات مدينة حلب عندما كانت تقاتل تحت اسم «كتائب أحرار الشام»  قبل الاندماج وتشكيل الحركة. نشطت أحرار الشام في حلب بعد تحرير جزء كبير من المدينة على أيدي مقاتلي لواء التوحيد، مدعومين بثوار المناطق الريفية التي تم تحريرها في ذلك الوقت (تموز 2012). تواجد مقاتلو الحركة، المنحدرين بشكل رئيسي من أصول ريفية حموية وإدلبية، على جبهات سيف الدولة وصلاح الدين ومطار النيرب العسكري.

أنكرت حركة أحرار الشام دوماً وجود مقاتلين أجانب في صفوفها، لكن التقارير الميدانية أثبتت وجود عدد محدود منهم في صفوف الحركة. يشار إلى أن عدد مقاتلي حركة أحرار الشام في حلب بقي ضئيلاً، حيث لم يتجاوز 500 مقاتل. لم يشارك مقاتلو الحركة في معارك تحرير الريف الحلبي، حيث دخلوا إلى المدينة بعد السيطرة على أحيائها الشرقية، وكان لهم تواجد ضئيل في قُرى عندان وأعزاز خلال معارك تحرير مدن الريف الشمالي، حيث شاركوا مع الكتائب المحلية في المعارك التي حصلت في بداية 2012.

حاولت الحركة استقطاب ألوية من الريفَين الشمالي والشرقي لحلب، ونجحت في ضم لواء أبو بكر الصديق، وهو أكبر الألوية المقاتلة آنذاك في مدينة الباب شرقي حلب، والمقاتل على جبهات سيف الدولة ومنطقة السبع بحرات في حلب القديمة.

عند اندلاع المعركة ضد تنظيم داعش في حلب وريفها وقفت قيادات أحرار الشام على الحياد من النزاع الدائر، واصفة إياه بـ«الفتنة بين المسلمين»، لكن ذلك لم يمنع مقاتلي الحركة من أبناء مدينة الباب في الريف الشرقي من الدفاع عن مدينتهم ضد ضربات التنظيم المتشدّد، والذي نجح في السيطرة على المدينة بعد معارك طاحنة.

استُنزف مقاتلو الحركة كثيراً في حربهم ضد داعش. لم يمنع وقوفهم الأولي على الحياد هجمات داعش عليهم وقتلهم أينما وجدوهم. وقد أعدمت داعش عدداً كبيراً من مقاتلي حركة أحرار الشام في ساحات المدن التي سيطرت عليها، كما صفّت داعش ما يُقارب 200 عنصر من أحرار الشام قُرب مسكنة في ريف حلب الشرقي عندما كانوا متّجهين إلى قُراهم إثر قرارهم اعتزال القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية، لكنّ ذلك لم يمنع التنظيم من قتلهم باعتبارهم، حسب منطق داعش، من «الصحوات».

يتواجد مقاتلو أحرار الشام في حيّ السكّري في حلب، حيث توجد مقراتهم العسكرية وحواجزهم، متمثّلين بـ«حركة مجاهدون أشدّاء»، التي تشكّل القوّة الرئيسية لحركة أحرار الشام في حلب. يتواجد مقاتلو الحركة على الجبهات في مناطق عزيزة والبريج والملّاح وحندرات والراموسة وسيف الدولة وجبهات الريف الجنوبي لحلب، وهي جبهات محتدمة دوماً.

مؤسس حركة أحرار الشام هو حسان عبود، الملقب ب«أبي عبد الله الحموي». قُتل حسان عبود في التاسع من أيلول 2014 إثر انفجار استهدف اجتماعاً لقادة الحركة في ريف إدلب أسفر عن مقتله وشقيقه وعدد كبير من قياديي الحركة. يقول حسان عبود، في مقابلة مع تيسير علوني بثّتها قناة الجزيرة، أنّ «كتائب أحرار الشام»، وهو الاسم الذي اتخذته الحركة عند انطلاقتها، سبقت «الجيش الحر» في نشأتها، حيث تمّ تشكيلها في أيار2011، لكنها استمرّت بإعداد خلاياها سرّاً حتى لحظة الإعلان عن تشكيل الكتائب في نهاية العام نفسه.

عُيّن هاشم الشيخ «أبو جابر» قائداً عاماً لحركة أحرار الشام بعد اغتيال أكثر من 45 من قياديي الحركة إثر عملية اختراق مدروسة بإحكام أسفرت أيضاً عن مقتل حسان عبود، مؤسس الحركة وقائدها العام. هاشم الشيخ، وهو من مواليد 1968 في مدينة مسكنة شرقي حلب، كان قد قاتل ضد القوات الأمريكية في العراق، ثُمّ سُجنَ عام 2005 عند عودته إلى سوريا، وأصدرت المحكمة حكماً بسجنه ثمانِ سنوات، لكنّه خرج في أيلول 2011، بعد 6 أشهر من اندلاع الانتفاضة السورية السلمية. عقب الإفراج عنه، أسس الشيخ كتيبة مصعب بن عمير في مدينته مسكنة، والتي انضمت فيما بعد لحركة أحرار الشام وساهمت في السيطرة على مدن وأحياء الرقة والطبقة ومطار الجراح العسكري وخناصر ومسكنة وغيرها، كما عُيّن «أبو جابر» عضواً في مجلس شورى حركة أحرار الشام وأميراً للقطاع الشرقي، ثمّ أميراً لحلب بعد مقتل «أبو خالد السوري»، الذي وصفته لوائح الإرهاب الأميركية كأحد أخطر قيادات تنظيم القاعدة.

اعتمدت حركة أحرار الشام -كما اعتمد تنظيم القاعدة في العراق- على شبكة خارجية كبيرة من الإسلاميين أصحاب رؤوس الأموال والمقيمين في الخليج  وأوروبا. ساهم في ذلك انضمام شخصيات جهادية مهمة إلى الحركة، ولها خبرات كبيرة في هذا المجال، مثل «أبو خالد السوري»، الذي سهّل الكثير من عمليات الحصول على الدعم وإيصاله إلى الحركة، فقد استطاعت شخصيات من الحركة أن تحظى بدعم نفس المصادر التي دعمت في السابق تنظيم القاعدة في العراق، ودعمت جبهة النصرة في سوريا فيما بعد. عدا الشبكة الدولية لدعم الحركات الجهادية، ساهم العديد أبناء الأرياف الشمالية السورية من أصحاب رؤوس الأموال في دعم حركة أحرار الشام، منجذبين إلى توجّهها الريفي المحافظ وانخراط عدد كبير من أبناء أرياف ادلب وحماه، ولاحقاً حلب، فيها. إضافة إلى ذلك، شملت الاستراتيجية العسكرية للحركة مهاجمة القطع العسكرية الغنية واغتنام أسلحتها، واستفادت من خبرة العديد من أعضائها في إنتاج متفجرات محلية الصنع وبكلف منخفضة، وكثفت استخدام هذا النوع من المتفجرات. هذه الاستراتيجية تفسّر سعي الحركة لضم لواء أبو بكر الصديق في الباب، لما كان يمتلكه اللواء من خبرات في هذا المجال.

وقد كان لقطر و تركيا دورٌ كبيرٌ في تقديم الدعم العسكري النوعي للحركة، إضافة لتكريس الجبهة الاسلامية السورية من قبل هذه الدول كقناة مرور للحملات الإغاثية الضخمة ودعم العمل المدني، فقد حظيت بدعم «صندوق الإغاثة و المساعدات الإنسانية»، وهي منظمة مجتمع مدني مرتبطة بالحكومة التركية، و«جمعية قطر الخيرية»، وهي منظمة مرتبطة بالحكومة القطرية، كما أنّ الحركة حظيت بتمويل «الهيئة الشعبية الكويتية» التي يتزعمها الشيخ الكويتي حجّاج العجمي.

تعتمد حركة أحرار الشام، كغيرها من التشكيلات السلفية، على سردية المظلومية السُنّية، التي تستخدمها مجموعة كبيرة من التنظيمات التي اتخذت من «الدفاع عن أهل السُنّة والجماعة» شعاراً رئيسياً لحمل السلاح. لا تلتزم الحركة بعلم الاستقلال وتستبدله براية بيضاء عليها رمز صقر واسم الحركة.

تعمل قيادة أحرار الشام، بمساعدة شرعيي الحركة، على إقامة مشاريع تأهيل ديني تقصد تحويل عناصرها إلى مجموعة من المقاتلين الملتزمين والمؤمنين بأهداف ومبادئ التنظيمات الإسلامية، والمنحازين للسرديات «السُنّية» المذكورة أعلاه. تعمل على ترسيخ أسس الحكم الاسلامي وفق رؤية التيار السلفي الجهادي، إلّا أنّ حركة أحرار الشام تعتمد أيضاً على السياسة الشرعية وموازنة المصالح والمفاسد في تعاملها مع القضايا الشائكة، وهو جانب تختلف فيه استراتيجيتها عن استراتيجية تنظيم القاعدة وتفرّعاته في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، حيث يهتم قادة الحركة ببناء استراتيجيتها العامة عن طريق حساب العواقب المنتظرة من أي خطوة عسكرية أو سياسية، وحساب الفوائد والمضار من دخول أي معركة أو الخروج من معركة أخرى، وهو ما يجعل حركة أحرار الشام أقرب فكرياً إلى حركة المقاومة الإسلامية «حماس» الفلسطينية أكثر من قربها من جبهة النصرة.

تعمل حركة أحرار الشام على إرساء «نظام حكم إسلامي عادل وراشد بوسائل مشروعة وبرؤية استراتيجية»، كما تتبنّى أيضاً «مشروع أمّة» الذي سبق ذكره.

لواء أحرار سوريا

تكوّنت النواة الأولى لتشكيل لواء أحرار سوريا في مدينة عندان في الريف الشمالي لمدينة حلب، وضمّت ثلاث كتائب رئيسية: «كتيبة شهداء عندان»، و«كتيبة أحرار عندان» بقيادة أحمد عفش، و«كتيبة شهداء الجبل» بقيادة محمد غادة. وقد ظهرت هذه الكتائب لأول مرة في صد محاولات الجيش اقتحام عندان  في 25-3-2012، كما شاركت مع كتائب الريف الأخرى في معارك تحرير قرى الريف الشمالي كحريتان وحيان وبيانون. انضمّت الكتائب المذكورة إلى تشكيل لواء التوحيد مع الإعلان عن تشكيله في تموز 2012، وشاركت مع اللواء في تحرير قسم كبير من أحياء حلب القديمة كقاضي عسكر وباب الحديد وأقيول وقسطل المشط والأصيلة والبيّاضة وجبّ القبّة. لم يدم انخراط الكتائب الثلاث في لواء التوحيد أكثر من شهر، حيث أُعلنَ عن تشكيل لواء أحرار سوريا في آب 2012 بقيادة علي بلّو كقائد عام للواء وأحمد عفش كقائد عسكري، بتعداد قوامه 300 عنصر يعود أصل أغلبهم إلى مدينة عندان. استقطب اللواء بعد فترة قصير مقاتلين من حريتان وحيّان وكفر حمرة، إضافة لانضمام عدد من الحلبيين من مناطق حلب القديمة، ما رفع عدد مقاتلي اللواء في تلك الفترة إلى قرابة 1000 مقاتل. حصل هذا الاستقطاب الكبير بسبب تزايد قوة اللواء العسكرية وامتلاكه للسلاح الثقيل والدبابات بعد عمليّتي السيطرة على حواجز عندان وبيانون واغتنام دبابات ومدرّعات وأسلحة ثقيلة من قوّات النظام من هذين الحاجزين المدججين بترسانة عسكرية كبيرة.

شارك لواء أحرار سوريا في عدد كبير من المعارك التي خيضت ضد قوات النظام في حلب وريفها، كمعارك السيطرة على حواجز الريف الشمالي، إضافة إلى العمليات العسكرية التي انتهت بإحكام السيطرة على دوّار البلليرمون وصالات البلليرمون وضهرة عبد ربه، واقتحام حي جمعية الزهراء غربي مدينة حلب، وعدد كبير من المعارك حول فرع المخابرات الجوية في جمعية الزهراء أيضاً. كما لعب لواء أحرار سوريا دوراً رئيسياً في السيطرة على حي الشيخ مقصود والقصر العدلي القديم في حلب القديمة، وهي عمليات التي نفّذها لواء أحرار سوريا منفرداً، أو تمت تحت قيادته العسكرية وبذخيرته وسلاحه الثقيل. أما بقية العمليات فقد شارك بها لواء أحرار سوريا بجانب فصائل أخرى معارضة في حلب، وأهمّها معركة مدرسة المُشاة ومعارك ثكنة هنانو، إضافة لقتاله على جبهة جبل معارة الأرتيق ومطار منّغ العسكري في الريف الشمالي قرب أعزاز، وشارك أيضاً في معارك حول مطار كويرس العسكري في ريف حلب الشرقي (شاركت في هذه المعارك كتائب من مدن جرابلس ومنبج في ريف حلب الشرقي انضمّت للواء أحرار سوريا بعد انشقاقها عن لواء التوحيد وقاتلت باسم «أحرار سوريا» في ريف حلب الشرقي بقيادة النقيب مأمون كلزي، وكان تعدادها يفوق الألفَي مُقاتل عملوا تحت اسم اللواء لمدة 6 أشهر).

في حلب شارك اللواء إلى جانب فصائل أخرى في عدّة عمليات في حلب القديمة، كمعارك مشفى ميسلون والتدريب المهني، حيث سيطروا على هذه المناطق قبل أن يستعيدها الجيش لاحقاً.

شارك اللواء في الحرب التي شُنّتْ على تنظيم داعش في حلب وريفها مع بداية 2014 إثر خطف قائد اللواء علي بلّو في صيف 2013 بظروف غامضة (عُرف فيما بعد أنه مخطوف عند داعش، ولا أخبار عن مصيره حتى اليوم). شارك اللواء في المعارك التي اندلعت ضدّ داعش في مناطق معمل آسيا وحريتان وكفر حمرة وباشكوي في الريف الشمالي، كما ساهم في محاصرة مشفى الأطفال (المقر الرئيسي لداعش في حلب آنذاك) قبل أن ينسحب التنظيم من حلب بشكل كامل .

يتوزّع مقاتلو لواء أحرار سوريا في حلب على جبهات ثكنة هنانو وأقيول والسيد علي والحميدية والأصيلة وقلعة حلب والصاخور وسليمان الحلبي والشيخ مقصود في المدينة، إضافة إلى جبهات عزيزة والملّاح والبريج وجبل شويحنة ومعارة الأرتيق وضهرة عبد ربه في ريف حلب .

على صعيد التمويل، استطاع لواء أحرار سوريا تأمين أشكال متنوعة من الدعم، فعند تشكيل كتائب النواة الأولى للواء، اعتمدت كتائبه على مصادر تمويل ذاتية بدأت بتبرعات أثرياء عندان، وهي، مع مارع، معقل لواء التوحيد، مناطق ريفية حلبية يحضر فيها الزخم الثوري بقوّة. اعتمدت  الكتائب أيضاً على الغنائم بعد المعارك ضد جيش النظام، كما اعتمدت على خطف شخصيات من النظام السوري كضباط جيش وقيادات ميليشيات الشبيحة لمطالبة النظام بفديات مالية لإطلاق سراحهم.

بعد تشكيله وإعلانه، انضم لواء أحرار سوريا إلى هيكلية الجيش السوري الحر التي أسّسها العقيد المنشق رياض الأسعد في تموز 2011، فاعتمد اللواء على الدعم الذي كان يُقدّم عن طريق الأسعد، والوارد من مصادر حكومية مختلفة، كما اعتمد اللواء أيضاً على الدعم المقدم مباشرة من أمراء سعوديين، وعلى الدعم الذي كان يتلقّاه قائد اللواء علي بلّو من تيار المستقبل اللبناني.

خُطفَ علي بلّو في الخامس من آب 2013، أي في الفترة التي شهدت أفول أهمية رياض الأسعد ودوره، ما أدى لانقطاع الدعم القادم عن طريقه. انضم لواء أحرار سوريا بعدها إلى المجلس العسكري الثوري لمحافظة حلب بقيادة عبد الجبار العكيدي، العقيد السابق في الجيش السوري، والمنشق أوائل عام 2012. ترك العكيدي منصبه فيما بعد ليتسلّمه العقيد المنشق «أبو أحمد عمليات» قبل أن يتم تعيين العميد زاهر الساكت، القائد الحالي للمجلس العسكري الثوري. حظي اللواء بالدعم المقدّم من الحكومات الغربية عن طريق المجلس العسكري الثوري، إضافة لاستمرار اعتماده على مصادره الخاصة التي أمّنت له رواتب مقاتليه ودعماً غذائياً لعوائلهم أو رعاية طبية للمصابين منهم، كما أمّنت استمرار معمل الذخائر والقذائف والقنابل اليدوية، الذي يعمل بطاقة إنتاجية عالية ويؤمن ذخيرة مستدامة لعناصره.

بعد خطف علي بلّو، قائد لواء أحرار سوريا، وحين أُخذ العلم بأن تنظيم داعش هو الخاطف، توجهت 12 شخصية قيادية من اللواء إلى الرقة لمفاوضة داعش على إطلاق سراح بلّو، لكنهم خُطفوا بدورهم، وطولب لواء أحرار سوريا بإصدار بيان يُعلن فيه عدم اعترافه بالائتلاف الوطني وقوى المعارضة السياسية والجيش الحر والمجلس العسكري الثوري مقابل إطلاق سراح القياديين المخطوفين. صدر بيان عدم الاعتراف فعلاً، لكن داعش رفضت تنفيذ ما وعدت به وصفّت القياديين جميعاً.

مرّ لواء أحرار سوريا في الفترة ما بين شباط 2014 ومنتصف العام نفسه بركود مالي قاسي، فتناقصت أعداد مقاتلي اللواء بشكل كبير. حصل هذا حين رفض لواء أحرار سوريا الدخول في غرفة عمليات «الموم» 1 ، وبالتالي تلقي الدعم الدولي، بسبب الاشتراط المسبق على الدخول في مواجهات ضد التنظيمات الإسلامية، وهو شرط رُفض من قبل أحمد عفش، القائد العام والعسكري للواء. خلال هذه الأزمة، باع  اللواء كمية من أسلحته الثقيلة لفصائل أخرى لتأمين الذخيرة والطعام لمقاتليه المتوزّعين على جبهات حلب وريفها، كما اعتمد بشكل بسيط على مصادره الخاصة، التي انكفأت بدورها نتيجة التخبطات التي مرّ بها اللواء، وبسبب وقوف اللواء وحيداً دون أمان التواجد حلف عسكري كبير، عكس ما فعلت معظم الألوية في حلب.

انضمّ لواء أحرار سوريا إلى الجبهة الاسلامية منتصف عام 2014، ما يوضّح أن قيادة اللواء قد اقتنعت بأن استمرارية وجود لواء أحرار سوريا مشروطة بالانخراط في تحالف كبير. اعتمد لواء أحرار سوريا في تلك الفترة على الدعم المقدّم من الجبهة الاسلامية، الواصل إليها عبر مصادرها الإسلامية المعروفة والمتمثلة في التمويل القطري والتسهيلات التركية مع الاعتماد على بعض المصادر الخاصة، وإن بزخم أقل من ذي قبل .

يبلغ عدد مقاتلي لواء أحرار سوريا الآن حوالي 1000 مقاتل، وقد وصل في ذروته إلى ما يزيد عن خمسة آلاف مقاتل، أي في الفترة التي انضمت إليهم فيها كتائب من ريف حلب الشرقي، في حين كان عدد مقاتلي اللواء قرابة 1500 مقاتل عند إعلان تشكيله.

إيديولوجياً، لم يظهر أن لواء أحرار سوريا قد غيّر من توجّهاته المعتدلة، فهو من الفصائل القليلة في حلب التي تحمل اسماً يتضمّن كلمة «سوريا»، وهو الاسم الذي اختاره مؤسس اللواء علي بلّو، ويعتمد علم الثورة حتى بعد انضمامه للجبهة الاسلامية، وإن أضاف عبارة «لا إله إلا الله» على شعار اللواء. تبدو أهداف اللواء متمركزة حول القتال ضد النظام السوري، كما لم يتردد في قتال تنظيم الدولة الاسلامية، وخسر أكثر من 50 قتيلاً في تلك المواجهة مع داعش بين مقاتلين وقياديين وأمنيين.

ألوية صقور الشام

تشكّلت ألوية صقور الشام عام 2011، وتتواجد بشكل خاص في ريف إدلب، حيث ترجع أصول غالبية مقاتليها إلى مدينة إدلب وريفها. اقتصر تواجد ألوية صقور الشام في حلب على بعض الكتائب التي كانت تتواجد على جبهات الريف الجنوبي بقيادة «أبو نوران» في كل من بلدتي الحاضر وبردا، إلى أن قامت قوات من جبهة النصرة وجبهة أنصار الدين باقتحام مراكز هذه الكتائب والاشتباك معها، ثمّ طردها خارج المنطقة لاتهامهم «الصقور» بالتلاعب بقوت المدنيين والسلب والنهب.

يتزعّم ألوية صقور الشام القائد الميداني أحمد الشيخ الملقّب بـ«أبو عيسى»، وينتشر مقاتلو صقور الشام الآن، بشكل رئيسي، على جبهة جبل الأربعين قُرب مدينة أريحا في ريف إدلب. كان «الصقور» عنصراً رئيساً في السيطرة على جبل الزاوية وخان السبل، كما انضوت ألوية صقور الشام تحت راية الجبهة الاسلامية منذ تأسيسها وحتى الآن. تتبع صقور الشام توجّهاً إسلامياً معتدلاً، وهي مُقرّبة من جماعة الاخوان المسلمين وتحظى بدعم قطري جيد .

جبهة النصرة

تم الإعلان عن تشكيل جبهة النصرة في أوائل عام 2012 بقيادة «أبو محمد الجولاني» الملقب بـ «الفاتح»، وأعلنت عن نفسها لاحقاً كذراع لتنظيم القاعدة في سوريا. أُدرجتها الإدارة الأميركية على لائحة الإرهاب في كانون الأول 2012، وفي 30 أيار 2013 قرر مجلس الأمن الدولي إدراج «جبهة النصرة لأهل الشام» في قائمة العقوبات للكيانات والأفراد التابعين لتنظيم القاعدة .

كان الظهور الأول لمقاتلي النصرة في حلب في حي الميسّر في تموز 2012، وكان هذا الحي على خط الجبهة في تلك الفترة. سُرعان ما أصبح مقاتلو النصرة من أشرس مقاتلي حلب، حيث لعبوا دوراً رئيساً على جبهات القتال في أحياء سيف الدولة والإذاعة وكرم الطراب وكرم الجبل، وكانوا من أوائل المقاتلين الذين اقتحموا ثكنة هنانو العسكرية في السابع من أيلول 2012، حيث اغتنموا عدداً كبيراً من الأسلحة والذخائر والسيارات العسكرية قبل أن يستعيد النظام الثكنة مدعوماً بالطيران الحربي . تمتد ثكنة هنانو على سفح تلّ يطلّ على الكثير من أحياء حلب القديمة والشعبية كباب الحديد وأغيور والعرقوب وسليمان الحلبي وقارلق وكرم الجبل وميسلون.

منذ اليوم الأول، ضمّت النصرة في صفوفها عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب المدرّبين، الذين خاضوا تجاربهم الجهادية في العديد من البلدان قبل القدوم إلى سوريا.

تصاعُد الخط البياني لعمليات جبهة النصرة، وشراسة الحرب التي شنّتها ضد قوات النظام، دفع الكثير من الشباب الحلبيين إلى ترك ألويتهم في الجيش الحر أو الكتائب الاسلامية الأخرى والانضمام إلى جبهة النصرة، حيثُ كانت النصرة توفّر لهم تعويضاً مادياً جيداً بالمقارنة مع ما كانت تقدمه غيرها من الفصائل (وبعض الفصائل لم يكن لديها وارد مادي تقدّمه لمقاتليها، الذين كانوا يحتاجون إلى ما يعيلهم ويعيل أسرهم). سببٌ آخر دفع شباباً حلبيين كثر للانضمام إلى جبهة النصرة هو عدم انقطاع الدعم العسكري عنها، فلدى النصرة مخزون كبير من الأسلحة والذخيرة، يكفي لقتال النظام شهوراً عدة دون انتظار الدعم والتمويل.. وكم من فصائل انتهى وجودها بسبب انقطاع الدعم عنها! لكن الانضمام لجبهة النصرة لم يكن سهلاً ولا مباشراً، بل كانت له شروط، فعلى الراغب بالانضمام أن يجتاز «الدورات الشرعية» التي يقيمها شرعيو النصرة وشيوخها، وهي عبارة عن دروس دينية في السلفية الجهادية، الإيديولوجيا التي تبنّتها جبهة النصرة منذ اليوم الأول.

أثارت عمليات جبهة النصرة في حلب ضجةً كبيرة، وكان أولها عملية تفجير مشفى الحياة، الذي كان قد تحوّل إلى حصن لقوات النظام بالقرب من «الفيض»، أي منطقة الملعب البلدي، في العاشر من أيلول 2012. تلاها استهداف ساحة سعد الله الجابري في مركز المدينة، حيث يتمركز الضغط الأمني للنظام بكثافة، في الثالث من تشرين الأول 2012 بثلاث تفجيرات استهدفت مبنى الضباط والفندق السياحي والقصر البلدي، ثم السيطرة على مركز البحوث العلمية في حي حلب الجديدة بعملية «انغماسية». أثارت هذه العمليات إعجاب الكثير من الشباب السوريين الذين اعتبروا قتال النظام قضيّته الأولى.

تشاركت جبهة النصرة مع عدة فصائل إسلامية في حلب في تشكيل «الهيئة الشرعية»، التي اهتمّت بالأمور القضائية وفض النزاعات بين المدنيين أو بين العسكريين، وعملت على تحكيم الشرع الإسلامي كقانون جامع، واتخذت من مشفى العيون في حي قاضي عسكر مقرّاً لها .

عند الإعلان عن تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية 2 ، انضم عدد كبير من مقاتلي النصرة إليه، خاصة الأجانب منهم، ولم يتبقَّ للنُصرة في حلب غيرَ عدد قليل من المقاتلين، الذين شاركوا في المعارك الأخيرة التي دارت في المنطقة الصناعية وحندرات، حيث يحاول النظام إحكام الحصار على الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب، لكنّهم سُرعان تركوا جبهات حلب متّجهين إلى إدلب للمشاركة في عمليات السيطرة على المناطق الحدودية وجبل الزاوية بعد معارك دارت ضد جبهة ثوار سوريا بقيادة جمال معروف.

يتوزّع مقاتلو النصرة في حلب على جبهات نبّل والزهراء في الريف الشمالي، إضافة إلى تواجدهم على جبهات القتال في أحياء سليمان الحلبي وجمعية الزهراء (فرع المخابرات الجوية) وكرم الطرّاب وبستان القصر (جبهة كراج الحجز)، إضافة إلى تواجد مقاتلين من النصرة على جبهة مناطق الملّاح وحندرات الهامّة في محيط حلب، والتي تقدّم إليها جيش النظام ضمن محاولاته المستمرة لحصار القسم الخاضع لسيطرة المعارضة من مدينة حلب عن طريق شلّ الطرق الرئيسية الواصلة بين حلب وريفها، وقد نجح في قطع العديد من الطرق، إلى أن بقي للمعارضة طريقٌ وحيد هو طريق «الكاستيلو» الزراعي الواصل بين منطقة الجندول فالأشرفية إلى ريف حلب الشمالي.

قاتلت النصرة ضد حركة «حزم» التابعة لهيئة أركان الجيش السوري الحر في ريف حلب الغربي بعدما اندلعت المعارك في ريف إدلب بسبب مشروع النصرة التوسّعي وانسحاب مقاتلي حزم من ريف إدلب إلى ريف حلب الغربي.

تمتلك جبهة النصرة عدّة مقرّات وحواجز تفتيش عسكرية في عدّة مناطق من حلب وريفها كأحياء باب النيرب (مقر «أبو عبيدة رايات»، وهو مركز للتحقيق والاحتجاز) وبضع نقاط في حلب القديمة، وحواجز تفتيش ومقرّات في أحياء الصاخور والحيدرية شرقي حلب. في الريف، يتمركز مقاتلو النصرة بشكل أساسي في مناطق تل رفعت متمثّلة بحاجز تفتيش ضخم، وفي حريتان، حيث توجد دار للقضاء تُشرف عليها النصرة. يُقدّر عدد مقاتلي النصرة في حلب وريفها حوالي 600 مقاتل بعد انتقال عدد كبير من عناصرها للعمل في ريف إدلب تزامناً مع الحملة التي شُنّت من قبل جبهة النصرة على جبهة ثوار سوريا، ثم على حركة حزم .

يعتمد تمويل النصرة على عدة مصادر، أهمها ما كان يُرسل من قبل تنظيم القاعدة في أفغانستان والعراق في الفترة الأولى، لكنّها عملت أيضاً على إيجاد سبل للتمويل الذاتي، فسيطرت على عدد كبير من المراكز الحيوية مثل صوامع القمح بالقرب من الباب، والتي كانت تحتوي على مخزون حيوي ضخم من القمح يكفي لإطعام حلب لسنتين، وصوامع الحبوب ومحالج القطن ومعمل الجرارات في منطقة دويرينة في الريف الجنوبي، حيث كانت النصرة متواجدة وحيدةً على تلك الجبهة بالقرب من معامل الدفاع في السفيرة. سيطرت جبهة النصرة أيضاً على آبار النفط في دير الزور قبل أن تخسرها لصالح داعش. لكنّ جزءاً كبيرأ من تمويل الجبهة كان يأتي من العمليات الخطرة التي كانت تقوم بها و تسيطر بعدها على مخزونات استراتيجية تابعة للنظام كأسلحة وذخائر وأموال، تغتنمها بعد الهجوم على المقرات العسكرية والسيطرة عليها. في الوقت ذاته، تحظى النصرة بدعم مادي كبير من أثرياء سلفيين خليجيين، يقيمون في الخليج أو خارجه، ويدعمون التيار السلفي الجهادي .

تنظيم الدولة الإسلامية «داعش

المصدر: الجمهورية الكاتب: عارف حاج يوسف
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ