"داعش" من الولادة حتى مقتل المؤسس ... محطات تاريخية ملطخة بالدماء
"داعش" من الولادة حتى مقتل المؤسس ... محطات تاريخية ملطخة بالدماء
● أخبار سورية ٢٨ أكتوبر ٢٠١٩

"داعش" من الولادة حتى مقتل المؤسس ... محطات تاريخية ملطخة بالدماء

تطفح مسيرة تنظيم الدولة "داعش" خلال خمس سنوات من الظهور في العراق وسوريا، بالكثير من الجرائم والتناقضات التي حملها التنظيم بإيديولوجية دينية، ليأسس دولة للخلافة، ويحارب العالم كله باسم الدين، حتى بات الهاجس الأكبر الذي يؤرق كل دول العالم الغربي وفي الشرق الأدنى، من خلال نشر الإرهاب وتنفيذ مئات العمليات الدموية باسم الدين.

من هو مؤسس داعش

أسس تنظيم الدولة أو مايعرف بـ "دولة الإسلام في العراق والشام" وتختصر بكلمة "داعش" الجهادي "إبراهيم عواد إبراهيم البدري" المعروف باسم "أبو بكر البغدادي"، من مواليد في مدينة سامراء شمالي بغداد عام 1971، لأسرة سُنية متوسطة، ملتزمة دينياً، وعرف في شبابه بالالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية والعمل على تعلمها.

درس "البدري" في الجامعة، وحصل على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من جامعة بغداد عام 1996، ثم شهادتي الماجستير والدكتوراه في الدراسات القرآنية من جامعة صدام حسين للدراسات الإسلامية عامي 1999 و2007 على التوالي، وقضى سنوات دراساته العليا بحي الطوبجي في بغداد، مع زوجتين وستة من الأبناء حتى عام 2004.

كان البغدادي يُعلم أطفال المنطقة تلاوة القرآن في أحد المساجد، وكان أيضاً نجماً لفريق المسجد في كرة القدم، وخلال فترة دراساته العليا، حتى تبنى عام 2000، نهج السلفية الجهادية، ليكون أحد مؤسسي جماعة "جيش أهل السنة والجماعة" المسلحة، بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

ووقع "البدري" بقبضة القوات الأمريكية في فبراير عام 2004، في مدينة الفلوجة، وأرسلته إلى معسكر الاعتقال بسجن "بوكا"، حيث ظل هناك عشرة أشهر، كرس وقته في المعتقل للأمور الدينية، وكان يواظب على تنظيم دروس دينية للمعتقلين، ليقوم بتشكيل تحالفات مع معتقلين بقي يتواصل معهن حتى بعد الإفراج عنه في ديسمبر عام 2004.

التحق "البدري" بتنظيم القاعدة في العراق، فرع القاعدة المحلي الذي كان يقوده الأردني "أبو مصعب الزرقاوي" الذي قتل في يونيو عام 2006، بغارة جوية أمريكية، وخلفه أبو أيوب المصري، الذي قرر حل تنظيم القاعدة في العراق، وأسس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، واستمرت هذه الجماعة الجديدة في الولاء سراً لتنظيم القاعدة.

صعود نجم "البغدادي" ووصوله للقيادة

استطاع "البدري" كسب ثقة قادة تنظيم القاعدة في العراق، وذاع سيطه، وتمكن من كسب ثقة كبيرة بين المقاتلين لاسيما الأجانب المؤسسين لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، حتى تعينيه رئيساً للجنة الشريعة، واختير عضواً في مجلس الشورى للتنظيم، الذي يضم 11 عضواً ويقدم المشورة لأمير التنظيم آنذاك، "أبو عمر البغدادي"، قبل أن يتم اختياره عضواً في لجنة التنسيق بتنظيم القاعدة في العراق، والتي كانت تشرف على الاتصال بقادة التنظيم في العراق.

وبعد مقتل مؤسس تنظيم القاعدة في العراق وأميره في أبريل 2010، اختار مجلس الشورى "أبو بكر البغدادي" أميراً جديداً، ليبدأ أولى مراحل إعادة إنعاش تنظيم القاعدة في العراق، في وقت أوعز عام 2011 مستغلاً بدء الحراك الشعبي ضد النظام في سوريا، ليقوم بتأسيس "جبهة النصرة لأهل الشام" في سوريا.

وأعلن "البغدادي" عام 2013، أن "جبهة النصرة" في سوريا هي جزء من تنظيم الدولة في العراق، وأعلن عن تأسيس "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، قبل أن ينشأ خلاف حول تبعية "النصرة" للبغدادي، ويتدخل الظواهري أمير تنظيم القاعدة، ليعلن الأخير في فبراير عام 2014، قطع كل علاقات "القاعدة" بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام".

وعلى خلفية الخلاف الحاصل بين "جبهة النصرة" التي يقودها "أبو محمد الجولاني" مع "تنظيم الدولة في العراق والشام"، على التبعية، بدأت أولى مراحل المواجهة المسلحة بين التشكيلات الجهادية، ليقوم البغدادي بطرد "النصرة" من شرق سوريا ويبسط سيطرته على كامل المنطقة، يبدأ الانتشار في مناطق حلب وصولاً لشمال سوريا.

بداية إعلان الخلافة

كان لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" على مدينة الموصل، ثاني كبرى مدن العراق، عام 2014، شهر حزيران تحديداً، نقطة مفصلية في إعلان ولادة "داعش" حيث أعلن المتحدث باسم التنظيم إقامة دولة الخلافة تحت اسم "تنظيم الدولة الإسلامية"، في 29 حزيران، ليسجل "البغدادي" أول ظهور له في خطبة الجمعة في مسجد النوري بالموصل في الرابع من تموز، كخليفة للمسلمين عامة.

بدأ "البغدادي" مسيرة التنظيم بإرهاب العالم من خلال المجازر التي تفنن في تنفيذها بحق الكرد والعرب والأيزيديين، ليتحول لشبح يرهب العالم بأسره، فكانت عملية اجتياح منطقة سنجار العراقية وارتكاب المذابح بحق الأيزيديين وسبي نسائهم وأطفالهم في أب من ذات العام، نقطة فاصلة، لتبدأ الولايات المتحدة الأمريكية في 8 آب بتنفيذ غاراتها الجوية ضد التنظيم في العراق، وفي أيلول 2014 بدأت طائرات التحالف الدولي لمحاربة "داعش" غارات جوية ضد مواقع التنظيم في سوريا.

التوسع والانتقال للمواجهة في كوباني

استطاع التنظيم التوسع على حساب فصائل الجيش الحر و"جبهة النصرة" وأحرار الشام في عام 2015 وسيطر على مناطق واسعة بريف الرقة وحلب ودير الزور، وكانت أول مراحل المواجهة المباشرة المضادة لتلك المكونات بمساندة التحالف الدولي لقوى كردية هي الوحدات الشعبية في معركة عين العرب "كوباني" لتسجيل فيها أول هزيمة للتنظيم في سوريا، قبل أن يبدأ التنظيم خسارة مناطق سيطرته في العراق في الأول من إبريل بعد تمكن القوات العراقية من استعادة مدينة تكريت العراقية.
ومع نشوة التنظيم المتصاعدة، بدأ مرحلة التوسع بريف حمص الشرقي، ودخل في 20 أيار 2015، مدينة تدمر التاريخية، وقام بتدمير جل المواقع الأثرية فيها، كما استخدم سجونها للاعتقال والقتل والتنكيل بالمدنيين.

تصاعد المواجهة بالعراق وبدء الانتقام

استطاعت القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض على حساب التنظيم الذي استشاط في عمليات القتل والاعتقال والتنكيل، فكانت استعادة السيطرة على الرمادي في 9 فبراير 2016، ومدينة الفلوجة في 26 يونيو، نقطة فاصلة، دفعت التنظيم للرد بتفجير انتحاري انتقاما في 3 يوليو، أدى إلى مقتل 300 شخص، في بغداد، وكان الأسوأ في البلاد منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003.

تراجع التنظيم بسوريا وصولاً لسقوط عاصمة الخلافة

اتخذ تنظيم داعش من مدينة الرقة السورية عاصمة للخلافة المزعومة، وتوسع منها إلى حلب وإدلب وحمص ودرعا والسويداء، وخاض معارك فاصلة في مناطق عدة خرج منها مدحوراً لاسيما في إدلب ومدينة حلب وغرب حلب أمام تقدم فصائل الجيش السوري الحر بدون أي دعم دولي، وبات التنظيم يفقد مناطقه واحدة تلو الأخرى خلال عامي 2015 و 2016، بعد معركة "بركان الفرات" بمدينة عين العرب "كوباني" والتي تمكنت فيها قوات حماية الشعب الكردية ولواء ثوار الرقة من السيطرة على عشرات المناطق وصولاً لجسر قرقوزاق، والتوسع باتجاه الرقة وصولاً لمدينة تل أبيض التي سيطرت عليها في 15 حزيران من عام 2015.

وفي أيار 2016 أطلقت قوات سوريا الديمقراطية حملة جديدة ضد تنظيم الدولة باسم " حملة تحرير شمال الرقة" عبر ثلاث أجنحة ، الأول من بلدة عين عيسى ، والثاني يبدأ من مطعم النخيل ، والثالث من اللواء "93" ، بدعم جوي كبير من طيران التحالف الدولي،

وفي تشرين الثاني 2016 أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن بدء معركة السيطرة على مدينة الرقة وريفها تحت عنوان معركة "غضب الفرات"، حظيت العملية بمشاركة عشرات المستشارين الأمريكيين و الفرنسيين دعماً لـ”قسد” بغطاء و دعم جوي و لوجستي و استشاري من التحالف الدولي، تلا ذلك الإعلان عن انطلاقة المرحلة الثانية من معركة "غضب الفرات" بريف مدينة الرقة الغربي، تمكنت خلالها قوات قسد من التوسع على حساب تنظيم الدولة حتى قلعة جعبر، وبدء مرحلة للسيطرة على سد الفرات بعد قصف جوي عنيف ومركز استهدف المنطقة لأسابيع عدة، تخللها عمليات إنزال جوي ومعارك للتوسع باتجاه مطار الطبقة العسكري وصولاً للسيطرة على مدينة الرقة في 17 أكتوبر لتسقط عاصمة الخلافة، وتبدأ مرحلة التوسع شرقاً باتجاه دير الزور لملاحقة فلول التنظيم.

أيضاَ قام التنظيم بمنح النظام السوري السيطرة على مساحات واسعة من المناطق التي أخذها من قبضة الجيش الحر والفصائل الأخرى، قبل أن يخسرها لصالح النظام لاسيما في منطقة القلمون الغربي والشرقي، والبادية السورية بريف حمص ومناطق حقول النفط بشاعر و مدينتي تدمر والسخنة وصولاً للبوكمال والميادين، كذلك مناطق أحياء الحجر الأسود واليرموك والتي سلمها للنظام بموجب اتفاق بعد معارك عنيفة، وريف السويداء الشرقي ومنطقة حوض اليرموك جنوب سوريا، وعقيربات وشرقي سكة الحديد بريف حماة ومناطق من ريف الرقة الجنوبي.

اندحار الخلافة في العراق

شهدت مدن وبلدات العراق معارك طاحنة بين التنظيم والقوات العراقية المدعومة من التحالف، بالتوازي مع المعارك التي يخوضها التنظيم في سوريا، ليتم الإعلان رسمياً في 10 يوليو 2017، الانتصار على "داعش" وانتهاء خلافته المزعومة في العراق،

خسارة آخر معاقله بدير الزور

24- في سبتمبر، وديسمبر 2018، تمكنت قوات النظام المدعومة من القوات الروسية من استعادة المناطق، التي كان يسيطر عليها التنظيم غربي الفرات، والسيطرة على الميادين والبوكمال، على الحدود العراقية السورية.

كان عام 2018 نقطة تحول فارقة في نهاية تنظيم داعش، حيث بدأت في 10 سبتمبر، قوات سوريا الديمقراطية "قسد" هجوما بريا، بدعم من قوات التحالف، للسيطرة على آخر معاقل التنظيم في منطقة الباغوز بعد خسارته مناطق واسعة شرق الفرات وانحصاره لبلدة الباغوز التي كانت آخر معقل يلجأ إليه عناصر التنظيم، ليعلن في شهر آذار من عام 2019 سقوط الباغوز واستسلام الآلاف من عناصر التنظيم.

الخليفة الهارب حتى مقتله في إدلب

سجل البغدادي ظهوراً جديداً بعد أن بثت حسابات جهادية مناصرة لتنظيم داعش في 29 نيسان 2019، بفيديو دعائي للتنظيم، بعد غياب المعلومات عن مصيره في ظل خسارة داعش جل مناطق سيطرتها في سوريا، بعد انتهاء معارك الباغوز، لتبدأ مرحلة البحث عن الخليفة الهارب على الحدود السورية العراقية ومنطقة البادية السورية.

ورغم كل التصريحات التي أطلقتها خلية الصقور العراقية الاستخباراتية، والتصريحات الصادرة عن مسؤولين في التحالف الدولي حول اختباء "البغدادي" في منطقة الحدود العراقية، وشن عمليات أمنية واسعة للبحث عنه، إلا أن الأخير كان قد خالف كل التوقعات والتحليلات، بعد أن تبين أنه موجود في ريف إدلب، والتي كانت نهايته فيها في 27 تشرين الأول من عام 2019، بعد عملية إنزال أمريكية نفذتها قوات خاصة في منطقة باريشا بريف إدلب الشمالي الغربي.

وفي ذات اليوم، وبعد قرابة 20 ساعة من العملية، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رسمياً، مقتل زعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، في هجوم اعتبره "جريئا"، ليسجل نهاية الإرهابي رقم واحد في العالم أمام العدالة، وفق تعبيره، في الوقت الذي لم تتوقف التحذيرات من تنامي قوة داعش من جديد، وانطلاق عملياته الانتقامية بعد مقتل مؤسس التنظيم، من خلال الخلايا التي زرعها في مختلف بلدان العالم.

ابتكار أساليب القتل والتفنن بتنفيذها

ابتكر تنظيم داعش منذ بداية تأسيسه أنواع وأساليب مختلفة لتنفيذ الأحكام، بحق مقاتلي الجهات التي حاربته أو المدنيين وحتى الشخصيات الأجنبية التي اعتقلها من صحفيين وناشطين إنسانيين وغيرهم، فكانت عمليات الذبح أبرز تلك الأساليب ويعود إليه شعار "جئناكم بالذبح"، الذي استخدمه في ترهيب العالم كله ونفذ مئات العمليات بالذبح بالسكاكين بإصدارات عديدة.

"الإعدام حرقاً" كانت من الوسائل التي ابتكرها التنظيم وتفنن في تنفيذها لاسيما عملية حرق الطيار الأردني "معاذ الكساسبة" الذي أسره التنظيم بعد سقوط طائرته في سوريا في كانون الأول 2014، والطيار السوري "عزام عيد" الذي كان قد أسره في القلمون الشرقي حيث بث مشاهد لإحراقه على مدى 58 دقيقة.

ومن الوسائل التي اتبعها التنظيم في ترهيب العالم "الإعدام بالقذائف الصاروخية"، وتفخيخ الضحايا بالمتفجرات، ومنها العملية الشهيرة لربط رقاب مجموعة من الرهائن بسلك متفجر وتفجيره لتطير رقابهم في لحظة واحدة، كذلك "الإعدام غرقا"، حيث يضع الرهائن في أقفاص محكمة الإغلاق قبل إغراقهم في حمام سباحة، كما حدث مع مجموعة من الأشخاص في العراق، والطعن بالقلب مباشرة بالسكاكين، وعشرات الوسائل التي قام بتنفيذها عناصر التنظيم لترهيب العالم كله، لن يزول خطره رغم مقتل مؤسسه.

المصدر: شبكة شام الكاتب: أحمد نور
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ