سبع سنوات وشلال الدم السوري يجري برعاية "أممية ودولية"
سبع سنوات وشلال الدم السوري يجري برعاية "أممية ودولية"
● أخبار سورية ١٥ مارس ٢٠١٨

سبع سنوات وشلال الدم السوري يجري برعاية "أممية ودولية"

خلال الأشهر الأولى من عام 2011، استقطبت التظاهرات السلمية التي عمّت المناطق السورية ضد نظام بشار الأسد، اهتماماً وتعاطفاً كبيرين على مستوى المنطقة والعالم، وتصدّرت تطوراتها اليومية نشرات الأخبار وتصريحات المسؤولين في مجمل الدول. وتدفق الدعم الإعلامي والسياسي والمالي على التنسيقيات والناشطين المحليين، مع غياب أي قيادة واضحة لتلك التحركات الشعبية التي اتسمت عموماً بالعفوية، وبالطابع المحلي.

ومع أسلوب القمع المفرط الذي اتبعه النظام في مواجهة المتظاهرين السلميين وإزهاق أرواح المزيد منهم كل يوم على الهواء مباشرة، تعالت نبرة التصريحات الدولية المنددة، وصرح كثير من المسؤولين الأميركيين وفي مقدمتهم الرئيس السابق باراك أوباما، بأن "الأسد فقد شرعيته ولم يعد له مستقبل في سورية وأن أيامه باتت معدودة". وهو ما شكّل أملاً زائفاً لدى السوريين الثائرين على النظام، وربما كان فخاً لهم أغراهم بالانتقال إلى العمل العسكري بدلاً من التظاهرات السلمية بغية تسريع إسقاط النظام، آملين في وقوف العالم معهم إذا عمدوا إلى محاربة النظام عسكرياً، خصوصاً مع ازدياد وتيرة القمع والاعتقالات من دون رادع فعلي من المجتمع الدولي، بحسب تقرير لـ "العربي الجديد"
"
التلاعب بثورة السوريين بدا أكثر وضوحاً في مرحلة الحراك العسكري

" غير أن التلاعب بثورة السوريين بدا أكثر وضوحاً في مرحلة الحراك العسكري الذي حقق في أشهره الأولى اندفاعة كبيرة، أوشكت على الإطباق على النظام في دمشق وعموم المدن السورية، لكن، وهذا ما اتضح لاحقاً، فإن "إسقاط النظام" كان ممنوعاً بتوافق دولي لأسباب عدة، إقليمية ودولية، وصولاً إلى الصراع الأميركي ـ الروسي الحالي على سورية.

في تلك الفترة، أي اعتباراً من عام 2012، تدفق المال والسلاح على فصائل المعارضة التي بدأت بالتكاثر ودحر النظام عن كثير من المناطق، غير أن هذا الدعم لم يُوجّه أبداً إلى "قيادة الجيش الحر"، وتوافق مجمل الداعمين على عدم تشجيع قيام جسم عسكري موحد محترف، بل حرصوا على توجيه هذا الدعم مباشرة إلى فصائل محددة، سرعان ما دخلت في التنافس والتناحر. كما أدت أموال الدعم دورها في شراء الولاءات وإفساد القيادات غير المؤهلة في الأصل والتي ليس لها خلفية عسكرية أو سياسية.

وكان التناحر بين هذه الفصائل على المستوى العسكري، وتشتت كتلها على المستوى السياسي، ذريعة أمام القوى الدولية، والولايات المتحدة خصوصاً، للإحجام عن تقديم دعم عسكري وغطاء سياسي للمعارضة السورية. وتعاملت الولايات المتحدة في عهد الإدارة السابقة بسلبية كبيرة مع المعارضة، فلم تقدّم لها سوى أشكال بسيطة من الدعم تحت شعار "أسلحة غير فتاكة" أو برامج تدريب خائبة، تخرّج منها بضع عشرات من العناصر سرعان ما انفرط عقدهم وابتلعتهم الفصائل الأخرى.
وبدلاً من تقديم دعم جدّي للمعارضة السورية، أو محاولة تجميعها في تشكيل واحد، فضّلت الولايات المتحدة الاعتماد على العنصر الكردي كشريك على الأرض لمحاربة تنظيم "داعش"، قبل إعلان واشنطن بوضوح أن "هدفها في سورية يقتصر على محاربة الإرهاب وتنظيم داعش تحديداً، ولن تدعم أية تشكيلات تحارب النظام".

" وعلى الرغم من ذلك، استطاعت فصائل المعارضة بالمستوى المحدود من الدعم الذي تلقته من دول إقليمية، تشكيل تهديد جدي للنظام منتصف عام 2013 وسيطرت على أكثر من نصف مساحة البلاد، حتى بات النظام محصوراً في مراكز المدن الرئيسية التي خسر اثنتان منها، وهما الرقة وإدلب، إضافة إلى مجمل الأرياف في البلاد. وبات وجوده في العاصمة نفسها مهدداً بالرغم من الدعم الإيراني اللامحدود بالأموال والخبرات والمليشيات، فانهارت قوى النظام واستنزفت إمكاناته مع خسارته لمعظم قواته الضاربة وفي مقدمتها سلاح الجو، الذي تعرّض لشبه انهيار مع سقوط المزيد من المطارات بيد المعارضة، وإسقاط الكثير من طائراته الحربية والمروحية.

بالتالي جاء التدخل العسكري الروسي في 30 سبتمبر/ أيلول 2015 بمثابة "حبل نجاة للنظام"، مكّنه من صدّ هجمات المعارضة، ومدّه بالمزيد من أسباب البقاء في ظلّ انكفاء أميركي متزايد ترك الساحة مفتوحة على مصراعيها لروسيا التي وضعت سلاحها الجوي وخبراتها العسكرية في خدمة الآلة الحربية للنظام. ثم تطوّر الموقف الروسي لاحقاً، فأصبحت موسكو هي القائد والمخطط الفعلي للعمليات العسكرية في البلاد، فضلاً عن تحكمها بالقرار السياسي والخيارات الأساسية للنظام.

وعملت الشراكة بين روسيا في الجو، وإيران من خلال ميليشياتها على الأرض، على تغيير موازين القوى لصالح النظام تدريجياً، فتمّ قضم مناطق المعارضة تباعاً سواء في محيط دمشق، أم في حلب وشرق البلاد، وصولاً إلى الغوطة اليوم، بينما حصرت الولايات المتحدة اهتمامها بمحاربة "داعش" فوضعت يدها عبر حليفها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) على مجمل المناطق التي كان تحت سيطرة "داعش"، وتحديداً مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط والمياه.

أما تركيا التي سعت لسنوات لإقناع الولايات المتحدة باتخاذ خطوات جادة لدعم المعارضة وإسقاط النظام، وسيطر خلال ذلك الوقت التردد على مواقفها متجنبة اتخاذ مواقف أحادية غير منسقة مع الولايات المتحدة، فقد اقتنعت أخيراً بأن لا فائدة من انتظار تغيير في الموقف الأميركي حتى بعد مغادرة إدارة أوباما للسلطة. فعمدت إلى تبديل تحالفاتها وأولوياتها وطوت شعار إسقاط النظام، وتقاربت بدلاً من ذلك مع داعمَي النظام، روسيا وإيران، في ظل ما عرف بمسار أستانة، والذي سعت من خلاله بالدرجة الأولى إلى انتزاع اعتراف من هاتين الدولتين بضرورة مراعاة مصالحها واحتياجاتها الأمنية في سورية، وحماية حدودها مما تصفها "تنظيمات كردية إرهابية تهدد أمنها القومي". من هنا جاءت عملية "درع الفرات" لطرد "داعش" من بعض مناطق ريف حلب الشمالي، ومن ثم عملية "غصن الزيتون" لطرد المسلحين الأكراد من منطقة عفرين، على الحدود السورية الشمالية الغربية، بحسب تقرير "العربي الجديد".

" أما الدول الأوروبية التي انخرط بعضها في ما سمي مجموعة "أصدقاء الشعب السوري"، فكانت مواقفها متشابهة مع الموقف الأميركي، وظل همها الرئيسي طوال السنوات الماضية ملخّصاً في محاولة ضبط حركة اللاجئين إلى أوروبا، وعدم تسرّب "الإرهاب" من سورية إلى أوروبا، من دون وجود حرج في هذا الإطار بفتح قنوات للتواصل مع أجهزة أمن النظام سراً وعلناً.

واليوم بات النفوذ الخارجي في سورية موزعاً على مجمل البلاد، فتركّز النفوذ الروسي على الشريط الساحلي مروراً بحمص، عبر مجموعة من القواعد البحرية والمطارات العسكرية، بينما بسط الطرف الأميركي نفوذه على جميع مناطق شرق نهر الفرات وشمال شرقي سورية وصولاً إلى الحدود مع تركيا، بما في ذلك آبار النفط والغاز، إلى جانب قاعدة التنف القريبة من المثلث الحدودي ما بين سورية والعراق والأردن، وبنائه قواعد عسكرية ومطارات في تلك المناطق.

أما تركيا فبدأت بالعمل على تشكيل حزام آمن لها من جرابلس إلى عفرين، معلنة قبل أيام بلسان الرئيس رجب طيب أردوغان، أنها "لن تكتفي بذلك وسوف تعمل على طرد المسلحين الأكراد من كامل الشريط الحدودي مع سورية البالغ طوله نحو 900 كيلومتر، بما يعني السيطرة على منبج وعين العرب (كوباني)، وصولاً إلى القامشلي في أقصى شرق البلاد".

أما إيران فانصبّ اهتمامها بالدرجة الأولى على العاصمة دمشق ومحيطها، متخذة من منطقة السيدة زينب، شرق دمشق، قاعدة عسكرية و"روحية" لمد هذا النفوذ الممتد من كامل الريف الدمشقي، إلى مناطق في القنيطرة وشمال درعا، فضلاً عن مناطق في ريف حلب الغربي، خصوصاً تلك القريبة من بلدتي نبل والزهراء.

وهناك لاعبون آخرون، كالأردن، الذي يساوم جميع الأطراف على معابره الحدودية مع سورية، وإسرائيل الساعية إلى فرض منطقة عازلة على طول الحدود مع سورية، وامتلاكها يداً طويلة استهدفت عبر طائراتها حزب الله والحرس الثوري الإيراني. أما حصة العرب من "أصدقاء الشعب السوري" في ترك السوريين وحيدين، فهي تبقى كبيرة، إذ انقسمت الدول العربية المؤيدة لشعار الثورة السورية سابقاً بين معسكرين: من التحق عملياً بالرؤية الروسية لـ"الحل"، مثل السعودية والإمارات ومصر مثلاً، وهي رؤية النظام، وجزء آخر مثل دولة قطر التي لم تتجاوز السقف الأميركي للمسموح وللممنوع تجاه الملف السوري، وبدت أقرب إلى الموقف التركي إزاء الحدث السوري، فبقيت لفظياً وإنسانياً مع الشعب السوري، من دون أن يتواصل دعمها العملي لفصائل مسلحة تواجه الإبادة الحرفية اليوم.

المصدر: شبكة شام الكاتب: فريق التحرير
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ