غوطة دمشق .. هزمت فرنسا وتتحدى الأسد وروسيا
غوطة دمشق .. هزمت فرنسا وتتحدى الأسد وروسيا
● أخبار سورية ٢٤ فبراير ٢٠١٨

غوطة دمشق .. هزمت فرنسا وتتحدى الأسد وروسيا

بين 1925 و2018 حصاران عاشتهما غوطة دمشق الشرقية على وقع معارك ضارية، اختلف فيها الخصم المهاجم، وتوحد فيها المقاوم المدافع عن واحدة من مناطق ريف دمشق التي كانت -وما زالت- عصية على الانكسار.

الغوطة الشرقية جزء من الغوطة التي تشكل الجزء الأكبر من ريف العاصمة، تتصدر المشهد السوري وسط تواصل قصف قوات النظام المسنودة بالطائرات الروسية، في أقسى هجمة تشهدها المنطقة.

وفي الفترتين المذكورتين استبسل ثوار الغوطة آنذاك في وجه الاحتلال الفرنسي، واليوم يدافعون عنها في ظل محاولة القوات السورية والروسية السيطرة على المنطقة، التي تشكل آخر معاقل المعارضة المسلحة قُرباً من دمشق، بحسب تقرير لـ "الخليج أونلاين".

وفي مسلسلات البيئة الشامية والتي لم تكن تخلو من مواضيع مقاومة المحتل الفرنسي، اشتهرت الغوطة بثوارها في مقارعة العدو، وارتبط اسمها ببسالة المقاومين في المعارك التي كانت تشهدها المنطقة هناك، قبل 93 عاماً، وعلى مدار 3 سنوات لم تنجح قوات النظام في استعادة السيطرة على الغوطة؛ لأسباب تتعلق بتضاريس المنطقة الجغرافية ووعورتها، فضلاً عن صعوبة القتال فيها؛ لكونها مغطاة بمساحة خضراء شاسعة ومرتفعات جبلية على امتدادها.

والغوطة تشكل سوار دمشق الشرقي، وتأخذ شكلاً مستطيلاً واسع الجنبات، إذ يبلغ طولها 32 كيلومتراً، وعرضها 24 كيلومتراً، وتمتاز بخصوبتها المروية من فروع نهر بردى.

وتقع الغوطة الشرقية ومركزها مدينة دوما على امتداد الشرق والجنوب من مدينة دمشق، وتتميز بمزارعها الخضراء التي أحرقتها نيران الغارات التي يشنها النظام منذ 7 سنوات، ويعيش فيها حالياً نحو 400 ألف شخص.

وتواصل غوطة دمشق امتدادها إلى مناطق وقرى وبلدات أصبحت مدناً الآن؛ مثل زملكا وجرمانا والمليحة وعقربا وحزّة وكفربطنا وعربين، إلى أن تلتقي بالغوطة الغربية لتكمل احتضان دمشق بالبساتين.

ونظراً للطبيعة الوعرة فيها اتخذ الثوار منها مركزاً لهم في قلب الأدغال، واستمروا في هجماتهم المتكررة على أرتال الفرنسيين (سنة 1925)، وقوات النظام السوري (منذ 2012)، وساعدت في قطع الطريق أمامهم.

في 1924 تم إعلان الانتداب الفرنسي على سوريا، الأمر الذي رفضه العديد من الوطنيين، فكان بداية ظهور بوادر القومية العربية لدى الشعب السوري، الذي بدأ بتنظيم الثورات المُطالبة بالحرية والاستقلال.

وعلى إثر ذلك قامت الثورة السورية الكبرى (1925-1927) في أنحاء متفرقة من البلاد، وشهدت الغوطة تحديداً معارك عدّة، حاولت خلالها القوات الفرنسية السيطرة عليها، لكن الثوار هناك حموها من الانكسار.

وفي 12 ديسمبر 1925، أرسلت سلطات الانتداب الفرنسي حملة عسكرية على غوطة دمشق لتعقب الثوار بقيادة حسن الخراط، وهاجمت المنطقة بالقصف المدفعي والطائرات.

آنذاك كان تعداد الثوار الموجودين في الغوطة نحو ألف ثائر منقسمين إلى مجموعات تجمعهم قيادة منظمة واحدة، وقد عجزت التجريدات الفرنسية عن النيل من ثورتهم أو معرفة مكان تموينها.

وعندما عجزت القوات الفرنسية عن التوغل في الغوطة، طوقتها بالتحصينات وأحاطت تخومها بشبكة من الألغام، والأسلاك الشائكة، وهنا كانت أول هزيمة أحاطت بالفرنسيين عند محاولتهم القضاء على ثوار المنطقة، وعندما عجز الفرنسيون عن السيطرة على الغوطة، أرسلوا إليها حملة عسكرية سرعان ما فشلت حينما انقض عليها الثوار وجردوها من خيولها وأسلحتها، ثم تركوا أفرادها يعودون سيراً على الأقدام دون سفك دماء، وسُمّيت بمعركة "الزور الأولى".

وفي نوفمبر 1925، جابه ثوار الغوطة حملة فرنسية كبيرة قُدر عدد أفرادها بـ8 آلاف مقاتل معززين بالمصفحات والمدفعيات، حيث تركوها تتورط في طرق الغوطة الملتوية، ثم انقضوا عليها بعد وقوعهم في كمين مُحكم، واستطاع الثوار في هذه الواقعة القضاء على معظم أفرادها واستولوا على أسلحتهم وعتادهم، واستطاعوا أن يغنموا بعضاً من الأسلحة الرشاشة، استعملوها لاحقاً في عملياتهم الحربية، وقد سُميت بمعركة "الزور الثانية".

عدد كبير من المعارك خاضها الثوار في الغوطة، لم يستطع أن يثني عزيمتهم أمام الاحتلال الفرنسي، واستمروا في السيطرة عليها، نظراً لما تشكّله هذه المنطقة من ثقل سياسي واقتصادي وأمني على العاصمة.

ومع بدء الثورة السورية انقسمت الساحة بين قوات تابعة للنظام مدعومة من روسيا وإيران و"حزب الله" اللبناني، وقوات الثوار التي تسلّحت بعد سنوات قليلة من الثورة التي بدأت سلمية، وانقسمت على الأرض التوزيعات الجغرافية بين النظام وقوات الثوار التي سيطرت على مناطق تركزت في الشمال السوري، وكان من ضمنها غوطة دمشق الشرقية، التي شهدت منذ عام 2015 حصاراً من طرف قوات الأسد.

وعلى اعتبار أن دمشق العاصمة ذات الثقل السياسي والاقتصادي والإعلامي، حاولت قوات النظام السيطرة على الغوطة الشرقية التي لا تزال قوى الثوار تسيطر عليها، ولم تنجح قوات النظام المدعومة روسياً وإيرانياً على مدار 3 سنوات في استعادة السيطرة على المنطقة التي تمثل آخر وأهم معاقل الثوار، على اعتبار أنها الأقرب من العاصمة دمشق.

واتخذت المعارضة السورية المسلحة الغوطة الشرقية قاعدة لها، مستغلة تضاريس هذه المنطقة لكونها زراعية وتمتلك غطاء نباتياً كثيفاً؛ ما جعلها محل استهداف لقصف القوات السورية.

وظلت عمليات النظام مستمرة على مدار سنوات الثورة التي بدأت في 2011، حتى جاء 2015 الذي كان عام بدء الحصار وتضييق الخناق على الغوطة والمدنيين فيها.

ومنذ منتصف الشهر الجاري تتوالى الضربات الروسية-السورية على مدن وبلدات غوطة دمشق الشرقية، آخر معاقل المعارضة قرباً من العاصمة، لليوم السادس على التوالي، في الهجوم الأعنف منذ 3 أشهر.

في هذه المعركة التي بدأت قبل 3 سنوات وزادت حدّتها مؤخراً، كانت حشود قوات النظام على جبهات الغوطة الشرقية تتبدل من حين إلى آخر، ولم يتوقف الأمر مطلقاً، وقد ألحقت المعارضة المسلحة بهم خسائر كبيرة جداً.

ولعل الفارق بين هذه المعركة وما سبقها من معارك، أن الحالية ترتكب فيها المجازر من قبل قوات النظام والطائرات الحربية الروسية بالجملة، وبأسلحة فتاكة وبمشاهدة حية ومباشرة من العالم الذي ما زال مجلس أمنه عاجزاً عن اتخاذ موقف عملي لوقف تلك المذابح ضد المدنيين، فهل ينتصر العالم للغوطة أم يسمح بانكسارها بصمته؟

المصدر: شبكة شام الكاتب: فريق التحرير
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ