لعنة “التهجير” التي يفرضها الأسد و حلفاءه .. مناطق عديدة باتت خالية من ثوارها و من تبقى يواجه الموت البطيء
لعنة “التهجير” التي يفرضها الأسد و حلفاءه .. مناطق عديدة باتت خالية من ثوارها و من تبقى يواجه الموت البطيء
● أخبار سورية ٧ يونيو ٢٠١٧

لعنة “التهجير” التي يفرضها الأسد و حلفاءه .. مناطق عديدة باتت خالية من ثوارها و من تبقى يواجه الموت البطيء

تتنوع معاناة المواطنين السوريين الذين فضلوا البقاء في بيوتهم و قراهم ، بعد سلسلة عمليات التهجير التي قام بها نظام الأسد و حلفاءه في عدة مناطق سورية و لاسيما في محيط العاصمة دمشق ، من شتى صنوف الضغط و الترهيب ، التي تشهد تصاعداً متوتراً مع تضيّق المساحة التي بات محررة.

لم تعد سوريا كما كانت عليه قبل آذار 2011، منذ انطلاق الثورة السورية ، بل إن تغييراً في نسيجها الاجتماعي جعل من أكثر نصف سكانها بين مهحرين إلى دول الجوار و نازحين في المناطق التي تعيش أكثراً أمناً أو بعيدة عن يد سلطات النظام و قبضته الأمنية ، وهو  واقع فرضته الحرب التي يخوضها الأسد و حلفاءه ، والتي أتت على غالبية المناطق منذ ست سنوات خلت.

اتخذ تغيير البنية المجتمعية و السكانية في سوريا عدة أشكالات أبرزها الانتقال من منطقة إلى أخرى هرباً من المعارك و القصف ، ومن خلال “التهجير” عبر اتفاقات يبرمها النظام مع المناطق المحررة ، بعد انتهاج سياسة باتت منهجاً بالحصار و القصف لاجبار السكان على مغادرة مناطقتهم إلى أخرى ، والتي كان أول ظهور لها في أيار / مايو عام 2014 مع تهجير سكان حمص القديمة ، إلى ريف حمص الشمالي.

و كانت العاصمة السورية دمشق و ريفها ، المكان الأبرز لسلسلة طويلة من الاتفاقات ، التي يسميها النظام بـ”المصالحات” فيما تعرفمصطلحاً دوليا و قانونياً واحداً وهو “تهجير” ، حيث شهدت دمشق حتى أيار/ مايو الحالي ثمان عمليات تهجير بدأت بمدينة داريا  في آب / أغسطس 2016 ، مع افراغ المدينة كاملة من الثوار و السكان الذين تجاوز عددهم الـ 8000 نسمة باتجاه الشمال السوري ، لتكون المدينة الأولى التي تم اخلائها بشكل تام من سكانها ، وتفتح الطريق أمام سلسلة أتت على غالبية المناطق المحررة في العاصمة دمشق ، التي لم يبق لها سوى مركزين اثنين في دمشق و محيطها يتمثلان بأحياء دمشق الجنوبية و الغوطة الشرقية .


و يكاد الشكل الذي يتعامل به النظام مع المناطق المحررة يكون واحداً ، حيث تبدأ الاستراتيجية بحصار خانق يمنع من خلاله كافة مقومات الحياة و أبسطها ، عن جميع من يقطنون في المنطقة المستهدفة ، مما يتسبب بحالات من المجاعة مثل ما حدث في بلدة “مضايا” بريف دمشق الشرقي ، والتي فقد على إثرها أكثر 60 مدنياً حياتهم نتيجة الجوع ، ويتلو عملية الحصار الغذائي و الدوائي بحملات عسكرية تستهدف أسس الحياة من مشافي و مراكز الدفاع المدني و كذلك البنى التحتية مما يحول الحياة في تلك المناطق إلى مستحيل ، ويجبر الثوار على الرضوخ للشروط المفروضة عليهم و ترك المنطقة و تسليمها للنظام.

وعمليات التهجير تتم بدرجتين ، إما إخلاء كلي كما حدث في داريا  و الزبداني ، اذ رفض النظام ابقاء أياً من المعارضين في هاتين المنطقتين وتم اخلائهما كلياً ، و قد يكون الاخلاء جزئي ، و ذلك باخراج كل من يرفض “المصالحة” مع النظام و العودة للخضوع لسلطاته.

وتتخذ الاتفاقات التي يبرها النظام مع المناطق المحررة ، شكلاً موحداً تقريباً ، حيث يتم من خلالها اخراج من لايرغب بـ”المصالحة” خارج المنطقة المستهدفة باتجاه ادلب ، فيما يبقى الموافقين في بيوتهم مقابل “تسوية أوضاعهم” مع السلطات الأمنية ، مع اعطاء مهلة ستة أشهر للمطلبين للخدمة العسكرية في قوات النظام أو الفارين منها لترتيب أمورهم ، على أن يتم بعدها الزج به في أتون الحرب في مواجهة زملاء سابقين له في الثورة .


و أكثر ما يقض مضجع المتبقين في المناطق التي “المصالحة” بها هو هاجس الخدمة الالزامية في قوات الأسد ، و يقول “رائد صالحاني” رئيس تحرير موقع “صوت العاصمة” ، أن مؤخراً بدأت شعبة التجنيد في مدينة “معضمية الشام” ، التي تم اخلائها في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 ، بابلاغ المتخلفين عن الخدمة الالزامية و مع وصول قوائم تتضمن 2000 اسم ، بعد انتهاء الشهر الست التي منحوا اياها لتسوية أوضاعهم ، و ذات الأمر تكرر في مدينة الهامة التي وصلتها قوائم لـ 2400 مطلوب اضافة لالتحاق أكثر من 4000 آلاف آخرين بما يعرف بـ”الدفاع الوطني”.

و بيّن “الصالحاني” ، في حديث للأناضول ، أن غالبية الشبان الذين يسلمون أنفسهم للنظام ، يتم تحوليهم لمراكز تدريب مؤقتة و من ثم يتم الحاقهم بمليشيات عديدة أهمها ما يطلق عليها “درع العاصمة” و “درع القلمون” ، التي تقوم بمهام مراقبة المناطق التي خضعت مؤخراً لسيطرة النظام ، مع استخدامهم في المعارك مخط هجوم أول في عدة مناطق ، و أهمها المناطق القريبة من دمشق التي يعمل النظام على فرض “المصالحة” عليها كما حدث في أحياء دمشق الشرقية (القابون - تشرين) ، حيث تم الزج بمئات المقاتلين الجدد مما سوو أوضاعهم في مواجهة رفقاهم السابقين ، وفق ما قاله “الصالحاني” .

و أكد رئيس تحرير موقع “صوت العاصمة” ، وهو موقع مختص بتوثيق ما يحدث من تجاوزات في دمشق و ريفها ، أن ليست وحدها قضية “الخدمة الالزامية” ما تواجهه المناطق التي خضعت بطريقة “المصالحة” و إنما يعد غياب الأمن هاجس أشد وطئة على النساء و الأطفال ، و يؤكد “الصالحاني” أن المناطق التي خضعت للنظام حديثاً تحولت إلى  مرتعاً لعناصر الميليشيات الموالية للنظام السوري والفرقة الرابعة الخاضعة لشقيق رئيس النظام ماهر الأسد ، و أردف “الصالحاني” بالقول : “ شهدت مدينة التل (شمال شرق العاصمة) على سبيل المثال  عمليات واسعة من السرقة و التشبيح واعتداء بالضرب، وعمليات طعن بالسلاح الأبيض بحق أهالي المدينة نفذها عناصر الميليشيات الموالية في الأسابيع الماضية، جرت حميعها على مسمع ومرأى النظام السوري”.

و اعتبر “الصالحاني “ ، أن تلك المناطق “ لا قانون فيها ولا سلطة” ، اذ غالبية المدن و القرى “ تحكمها مافيات مسلحة مجهولة التمويل، غير مرتبطة بنظام أو سلطة، تعتقل وتعذب وتهين وتقتل وتسرق وتنهب كما يحلو لها”.

أما فيما يتعلق بالشق الانساني و الاغاثي ، فلازالت عدة مناطق تخضع لحصار من قبل النظام السوري رغم اخلائها من معارضيه ، و ضرب “الصالحاني” مثلاً على مدينة التل (شمال شرق دمشق) ، التي يقطنها وفق احصائيات الهلال الأحمر الدولي أكثر من نصف مليون مدني ، وتعاني المدينة من منع لدخول المواد الاغاثية و الأغذية اذ لابد أن تخضع هذه المواد لسلطة الحواجز التابعة للنظام و المليشيات الموالية التي تفرض عليها “أتوات” (رسوم مرور) ، مما يضاعف أسعار المواد على سكان المدينة الذي يقطنها غالبية عظمى من النازحين من بقية المناطق السورية و ريف دمشق .


و ما إن يتم تهجير المعارضين من تلك المناطق ، يتم التعامل مع المنطقة بعدة سيناريوهات ، منها ادخال النظام لمؤسساته داخل المناطق (المصالحة) ، فيما كان مصير بعضها انحداراً أمنياً كبيراً كما حدث في مدينة حلب ، حيث تسلمت المهام الشرطة العسكرية الروسية ، التي فشلت في ضبط الأمن مما أدى لانتشار العصابات و المافيات ( و التي يطلق عليها عرفاً بـ”الشبيحة”) ، مما حول حياة المتبقين في الأحياء التي كانت خاضعة للمعارضة السورية جحيماً ، و يخشى معارضون تكرار سيناريو حلب ، في حي “الوعر “ في حمص  ، و الذي دخلته الشرطة العسكرية الروسيةبعد تهجير ما يزيد عن ٢٠ ألفاً من سكانه .


أبرز عمليات التهجير التي شهدتها سوريا :

اتفاق تهجير حمص القديمة

 في آيار عام 2014، أبرمت أول اتفاقية عرفت بـ "هدنة حمص"، بإشراف إيران والأمم المتحدة لخروج الثوار وأهاليهم من مدينة حمص القديمة، التي تسكنها اغلبية سنية، إلى ريف حمص الشمالي.
 كما نص الاتفاق على انسحاب الثوار مع أسلحتهم الفردية، مقابل إفراج الثوار عن 70 أسيراً بينهم إيرانيون، والسماح بإدخال الإمدادات الغذائية إلى بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين في ريف حلب (شمال سوريا).

وغادر المدينة وفق الاتفاق، نحو 3000 شخص أغلبهم من المدنيين، تم نقلهم عبر حافلات إلى الريف الشمالي، كما شملت الإتفاقية إخراج الجرحى في سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر السوري.

تسويات ريف دمشق أواخر 2016

داريا

في 27 آب/ أغسطس 2016، بدأ التهجيرالقسري في مدينة داريا بعد توصل ممثلي المدينة إلى اتفاق مع النظام، إلى إفراغ المدينة كلياً من عسكريين ومدنيين .
تم خروج نحو 8000 شخصاً بينهم 700 مقاتل، حيث سمح النظام بإجلاء مقاتلي داريا وعائلاتهم إلى محافظة إدلب في الشمال، فيما نُقل المدنيون إلى مراكز إيواء في ريف دمشق لتسوية أوضاعهم.

قدسيا والهامة

في 13 تشرين الأول/ أكتوبر  2016  انضمت بلدتي قدسيا والهامة إلى قائمة المناطق المهجرة ، جاء ذلك بعد تصعيد عسكري عنيف من قبل قوات النظام وحلفاءه، مع محاصرة البلدتين وقطع الخدمات عنهما، ما دفع الأهالي بالخروج إلى الشوارع ومطالبة الثوار بإنجاز اتفاق التسوية ، حيث تم إجلاء أكثر من 2000 شخص، في 22 حافلة إلى إدلب، من بينهم أكثر من 300 مقاتل.

معضمية الشام

وفي 19 تشرين الأول/ أكتوبر  2016، كانت عملية التهجير من معضمية الشام وثوارها، حيث م تضمن الاتفاق عودة "مؤسسات الدولة" إلى المدينة، عدا فروع الأجهزة الأمنية، وتأسيس مخفر مشترك بين النظام وأهالي المعضمية ، أخلي آنذاك ما يقدر بـ3000 شخص مابين مدنيين ومقاتلين.

خان الشيح

و في ٢٩ تشرين الأول / أكتوبر كانت خان الشيح (غرب دمشق ) مع التهجير حيث تم تهجير 5500 شخصاً على دفعتين باتجاه ادلب  .


التل


في 2 كانون الأول/  ديسمبر 2016، كان موعد تهجير  مدينة التل ، حيث تم تهجير  2000 شخص بينهم 500 مقاتل.

وادي بردى


في 29 كانون الثاني/ يناير 2017، بدأت عملية تهجير وادي بردى، جاء ذلك بعد حصار طويل وقصف عنيف دام 40 يوماً، حيث تم تهجير 2100 شخص من مقاتلي ومدنيي بردى إلى إدلب بينهم 700 مقاتل.

 أحياء دمشق الشرقية

بدأت عملية التهجير في 8  أيار / مايو ، في حي برزة  بعد اتفاق النظام و ممثلين عن الحي لخروج المعارضين للنظام السوري باتجاه ادلب عبر دفعات متتالية ، و تلاها اتفاق مماثل في القابون و حي تشرين .


اتفاق تهجير الوعر

13آذار/ مارس 2017، برعاية روسية وقع الثوار ونظام الأسد اتفاقاً حول حي الوعر بمدينة حمص، يقضي بخروج المقاتلين والمدنيين منه، لتصبح حمص المدينة خالية تماماً من الثوار ، و تم يوم ٢١ أيار / مايو الجاري ، الانتهاء من عملية تهجير الحي مع خروج آخر الدفعات الاسبوعية ، حيث بلغ عدد المهجرين ما يناهز 25 أبفاً من أصل 50  ألفاً كان يقطنون الحي .

الاتفاق تضمن 5 بنود أساسية هي:
*خروج الدفعة الأولى من المقاتلين خلال (سبعة أيام) من تاريخ توقيع الاتفاق وبعدد (1500) شخص على أن يكون بينهم من (400-500) مقاتل.
* تستمر عمليات خروج الدفعات بشكل أسبوعي وبنفس العدد حتى انتهاء الاتفاق.
* تتحمل قوات الأسد والقوات الروسية المسؤولية الكاملة عن سلامة الخارجين من الحي.
* تنظيم عملية الخروج إلى إحدى المناطق التالية: (جرابلس – ادلب – ريف حمص الشمالي).
*يتم تشكيل لجنة عامة مؤلفة من ممثلي (لجنة حي الوعر – اللجنة الأمنية بحمص – الجانب الروسي) تتولى الإشراف على تطبيق الاتفاق ومعالجة الخروقات.
و تم خروج أكثر من ٢٠ ألفاً باتجاه إلى مناطق درع الفرات و ادلب و ريف حمص الشمالي .


اتفاق تهجير المدن الخمسة نيسان 2017

في 11 نيسان/ أبريل 2017، توصل مندوبون عن "هيئة تحرير الشام" و"أحرار الشام" من جهة، وممثلون عن إيران من جهة أخرة، لاتفاق يقضي بتفريغ بلدة مضايا ومدينة الزبداني في ريف دمشق، من مقاتليها ومن يود الخروج من سكانها، مقابل تفريغ بلدتي كفريا والفوعة المواليتين بريف إدلب الشمالي، فيما عرف بـ "اتفاق الخمسة الأربع" ، بعد انضمام مخيم اليرموك في جنوب دمشق إلى الاتفاق.

وخرج في 15 نيسان، 2300 شخص من مضايا باتجاه إدلب، و5200 شخص من كفريا والفوعة باتجاه حلب، على أن تستكمل العملية في الأيام المقبلة.
وتنص الاتفاقية أيضًا على إخلاء سبيل 1500 معتقلة لدى نظام الأسد، وخروج مقاتلي "هيئة تحرير الشام" من مخيم اليرموك جنوب دمشق.

المصدر: الأناضول - شبكة شام
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ