مصالحة لم… ولن تتم
مصالحة لم… ولن تتم
● مقالات رأي ٢٦ نوفمبر ٢٠١٤

مصالحة لم… ولن تتم

كلما طال الزمن على الأحداث العنيفة المريرة في بلدي سوريا أشعر مثل كثيرين بأن هذه الأحداث تتغير بل وتتخبط كي تثير فينا الخوف من أن يصيبنا ما يصيب الآن «الجماهيرية الاشتراكية الليبية العظمى» ـ كما كان يسميها العقيد القائد المصروع ـ وهو مصير لا يبتهج به أحد بالتأكيد هنا سواء أكان مواليا للنظام الحاكم أم معارضا له، ففي ليبيا اليوم لا وجود حتى الآن لدولة نظامية بل لمجموعة كانتونات غير مكتملة ومتنازعة بعنف، فإذا انتهى الأمر في بلدنا إلى هذا المصير الفظيع فهذا معناه أن الربيع العربي لا حضور له في أرضنا المسكينة بعد أن تحول الربيع إلى صيف خانق محرق.
لقد نشبت الثورة في سوريا كي تحقق تغيرا طال انتظاره في اتجاه الكرامة والعدالة والتآخي الوطني بين الطوائف المتنوعة، كما ظهر ذلك واضحا في الشعارات التي رفعتها التظاهرات السلمية في البدايات، غير أن تحول هذا الأسلوب السلمي إلى الكفاح المسلح قاد البلاد شيئا فشيئا إلى صراع رهيب على السلطة بعد أن اختلط الغرباء بالسوريين كما في «جبهة النصرة» و «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» والمختصر باسم «داعش».
هكذا صرنا، نحن المواطنين الذين لم يتركوا وطنهم، لا موضوع لنا نعاني في متاهاته نقاشا مريرا لا يهدأ حول المصير الأخير لهذه الأحداث إلى أين تقودنا، وأية حفرة سوف ترمى بها جثثنا!…
لقد كان في وسع النظام الحاكم في البدايات أن يرطّب الجو الذي احتقن بسبب أحداث درعا المريعة من خلال تصرف السلطة الأمنية هناك التي اختارت في معاقبة صبيان المدارس الذين كتبوا عبارات مسيئة للنظام على الجدران عقابا مفرط القسوة، لو رطّب النظام هذا الجو حقا، بمحاسبة المسؤول الأمني هناك ولو حسابا شكليا، إذن لهدأت الخواطر في تصورنا ولم يحدث ما حدث فيما بعد في درعا ومدن القطر الأخرى.. وكان بالمقابل في استطاعة المعارضة أن تحافظ على أسلوبها السلمي في التظاهرات بدلا من استخدام السلاح.
صحيح أن هذا التغير قلب المناخ رأسا على عقب وأن المعارضة نجحت نسبيا في الصمود وهي تواجه جيشا محترفا منظما، ولكنها في الوقت نفسه لم تنجح في توحيد صفوفها في جبهة مقاتلة واحدة وبإشراف قيادية إدارية واحدة وهذا ما أدى إلى وضع موجع مديد ومستمر حتى كتابة هذه الأسطر. لم يكن لهذا الوضع البائس من معنى سوى مزيد من الدمار وتشريد الملايين ومصرع الأطفال والنساء بمئات الألوف، والأفظع والأوجع من كل هذا الخراب تشويه الوجدان الوطني والروح الاخلاقية، وهكذا باتت المصالحة الوطنية بين النظام الحاكم والمعارضة المسلحة ضرورة حضارية وأخلاقية لا بد منها لإنقاذ البلاد التي ندعي حبها من كارثة مريعة شاملة لجميع الأطراف إذا ما استمرت الأحوال على ما هي عليه سنوات أخرى من سيئ إلى أسوأ» إذ لن يستطيع النظام أن يقضي على المعارضة قضاء مبرما كما يبدو، وبالمقابل لن تستطيع المعارضة القضاء على النظام بالمعنى المطلق نفسه. الطرفان الآن بحاجة لا تقبل النقاش إلى هذه المصالحة ولو تطلب تقديم التنازلات من الطرفين حفاظا على الدولة أولا، بدلا من الفوضى كما هو الحال في ليبيا، وثانيا إنقاذ ما تبقى من الأطفال والنساء من الجوع والجهل والحرمان والذل والموت.
ليس من حل في تصورنا سوى مصالحة وطنية حقيقية بعيدا عن التعصب والعنف والكراهية والحقد والأطماع المادية السخيفة والمذلة.
لقد فرحتُ منذ أشهر حين اتصل بي هاتفيا مدير التراث في وزارة الثقافة يطلب مني المشاركة في ندوة سوف تُعقد قريبا، كما قال، تحت شعار المصالحة الوطنية. وما زلت حتى الآن أنتظر عقد هذه الندوة إذ لم يتصل بي أحد بعد ذلك وكأن الندوة أُلغيت أو أن مشاركتي الشخصية فيها أُلغيت.
ماذا يحدث في سوريا؟ من يحكمها فعلا؟ ولماذا يحاسبنا لنظام على أننا أعداء لا يجوز التعامل معهم إطلاقا؟ البلد يموت يا ناس! ولن يبقى من سوريا التي تتشدقون بحبها سوى فتات الموائد ونفاياتها. أهذه هي سوريا التي تحبونها فعلا وتريدون أن تجعلوا منها بلدا جميلا متقدما كي يغدو، كما قال عنه رئيس وزراء سوريا الأسبق في الخمسينات خالد العظم رحمه الله، كما أذكر حين قال: «سأجعل من سوريا «سويسرا» الشرق.. إذا ما أحسن حكامها قيادتها.. فاتركوني أعمل لهذا الهدف ثم حاسبوني بعد ذلك على تقصيري..» ولكنهم لم يتركوه يعمل وكان قادرا على ذلك! الله! الله! يا خالد العظم!.. أين أنت؟ وأين سوريا السويسرية التي تحدثت عنها؟ ماذا بقي منها كي تصبح سويسرا الشرق.. يا سيدي أو مثل أفغانستان على الأقل؟!
قليلاً من الحياء والتعقل يا بشر!!!

المصدر: القدس العربي الكاتب: شوقي بغدادي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ