الغوطة بين المطرقة والسندان
الغوطة بين المطرقة والسندان
● مقالات رأي ١٠ أبريل ٢٠١٦

الغوطة بين المطرقة والسندان

 

١
تعد الغوطة الشرقية أحد أكبر العوائق الواقفة في وجه مشروع عصابات الأسد الطامح إلى جعل السيطرة في سورية محصورة في فئتين فقط، هما: قواته المجرمة وعصابات داعش الإرهابية. فما الذي يمكن أن يخدم الأسد وعصاباته، في استثمار ما يسمّى الحرب العالمية على الإرهاب، في ضرب الغوطة الشرقية؟

٢
إنّ عصابات الأسد تشنّ منذ سنوات حرباً إعلامية وأمنية على الغوطة الشرقية من داخل الغوطة نفسها. حيث استغلّت بدايةً بعض الخلافات الفكرية والمنهجية الموجودة بين فصائل الغوطة، وأرادت إدخالهم في مهاترات وصراعات جانبية، تحرفهم عن هدفهم الأساس وهو إسقاط النظام. هذا الهدف الذي يُفتَرض أن تتضافر لتحقيقه كل الجهود وبمختلف المشارب، لكن -مع الأسف- انساق بعضهم (من قادة، وأمنيّيين، وإعلاميين، وشرعيين يزيّنون لهم سوء أعمالهم) وراء تلك المهاترات الفارغة، والتي هي -في الحقيقة- حربٌ داخلية، خطرها أكبر من حرب الميدان والسلاح.

٣
كانت الحرب المركزة من قبَل عصابات الأسد تستهدف بشكل كبير ومباشر جيش الإسلام، ولا عجب في ذلك، فهو القوة الأكبر في الغوطة، والمرابط على أكثر من ٨٠٪ من جبهاتها، وبإضعافه تضعف الغوطة كلها. فكان ما رأيناه من تشويه وتحريض وطعن ومحاولة إسقاط داخلية، شارك بها من يعلم ومن لا يعلم أنه بفعله هذا يسير في مخطط رسمته له عصابات الأسد. هذا المخطط لا يختلف كثيراً عما حدث في كثير من الأراضي السورية، وكانت عصابات داعش ركيزة أساسيّة فيه.

٤
نعم، مخططٌ تكون داعش أبرز ركائزه، ويُراد تنفيذه حتى في الغوطة الشرقية الخالية من داعش!
عصابات داعش قد استؤصلَت -بحمد الله- (جسداً) من الغوطة، لكنها بقيت بقيت (فكراً) في أدمغة بعضهم دون أن يعلنوا ذلك. هذا الفكر متفشٍ بشكل كبير في صفوف جبهة النصرة، التي لم ينسَ أهل الغوطة لها مؤازرتها لداعش يوم استئصالها (بشهادة من قاد هذه المؤازرة من النصرة).
أصحاب هذا الفكر حافظوا على مراكزهم داخل النصرة، إلى أن ساعدتهم الظروف لينتقلوا الى تصدر القيادة، وذلك بحسب عناصر من النصرة من التيار المناهض لداعش فيها.

٥
وعبر النصرة، كانت بدايةُ مشروع داعش من جديد، لكن هذه المرة باحترافية أكبر وخبث أشد، رُسم مخططه على استغلال الخلافات بين مكونات الغوطة، لتتكلل هذه المرحلة بولادة "جيش الفسطاط" الذي يخضع بشكل تام لإدارة النصرة وفكرها المتدعشن.
"جيش الفسطاط" المولود سفاحاً، جاء ليوظّف المعطيات لمصلحة مشروعه:
- خلاف بين جيش الإسلام وأحرار الشام، سمّه إن شئت خلافاً فكرياً أو قل إنه نزاع على السلطة.
- نزاع بين جيش الإسلام ولواء فجر الأمة (الذي كان جزءاً من الاتحاد الإسلامي ثم انسحب)، بسبب أنفاق الغوطة ومواردها وغيرها.
- فيلق الرحمن الذي كان قريباً جداً من جيش الاسلام، تحوّل قربه بعد مدة قصيرة إلى خلاف، بعد أن انضم له الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، ناقلاً إلى الفيلق خلافاته الفكرية مع الجيش.

٦
ما أسلفنا ذكره لم يكن سوى توصيف لحال الغوطة، وأبجديات لفهم ما يجري فيها، ولسنا نتهم أيّاً من هذه الأطراف بعمالة أو نحوها، وإنما بالغفلة والتعصب الفكري والمناطقي والمنهجي. ناهيك عن عدم استطاعة جيش الإسلام احتواء هذه الخلافات، حيث يقع عليه اللوم الأكبر، كونه -كما وضحنا سابقاً- الفصيلَ الأقوى المطالَب باحتواء المشاكل والحفاظ على الغوطة. نعم، استطاع جيش الإسلام استئصال داعش التنظيم، ولكنه فشل في استئصال الدعشنة الموجودة فيه وفي باقي الفصائل الأخرى، والتي دائماً ما تفضي إلى الصدام بين رفاق السلاح ((الدعشنة هنا دعشنة التصرف والتعامل الجلف)).

٧
إن المشروع برمّته هو عملية تضييق على الغوطة الشرقية، وشيطنة لها أمام المجتمع الدولي، لتصوّر عصابات الأسد له أن حربها على الغوطة إنما هي جزء من حربها على داعش. وذلك عبر مخطط ذي شقين: تتولى جبهة النصرة قيادته داخلياً، مع اقتراب داعش إلى مشارف الغوطة خارجياً.
ربما هي صفقة بين عصابات داعش وعصابات الأسد (تدمر-الغوطة)، وربما يُفتَح المجال لتدخل عصابات داعش الغوطة من شرقها، بعد إضعاف الجبهة الداخلية وخلخلتها.
ومما يغيظ المؤمن، أن يرى جموعاً في داخل الغوطة تسير بغفلة خلف ما يُكاد لها، دون تصوّر المفاسد المترتبة، فكلٌ يسير خلف رؤيته متشبثاً بها.

۸
في النهاية ليس في المقدور إلا ان نوجه رسالة إلى قادة الغوطة، على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والمناطقية والتنظيمية، فنقول:
ما يُمكر لكم أكبر من أن تختلفوا في وجوده. وما ستضيعونه بخلافاتكم من دماء وأرواح وأراضٍ محررة، أكبر بكثير مما ستحصلون عليه من مكاسب جزئية.

الكاتب: ملهم عزالدين
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ