ما خلف ستار الاتفاق النووي الإيراني
ما خلف ستار الاتفاق النووي الإيراني
● مقالات رأي ٣١ أغسطس ٢٠١٧

ما خلف ستار الاتفاق النووي الإيراني

الاتفاق النووي مع إيران هو ثمرة الود المتبادل بين رئيس أميركا الرابع والأربعين والجمهورية الإسلامية في إيران الذي سمح للوبي الإيراني في واشنطن بالتحرك بحرية في العاصمة الأميركية وأدى إلى فتح قنوات هيأت لنجاح محادثات مجموعة 5+1 بالمضي قدماً حتى الإعلان عن الاتفاق في العام 2015 بما يخدم مصالح إيران في المنطقة.

حظيت العلاقة بين إيران والبيت الأبيض في عهد أوباما بود لم يسبقها له أي رئيس أميركي منذ الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979، وصلت إلى ذروتها، خصوصاً بعد أن أدار أوباما ظهره لانتفاضة عام 2009 أو ما سمي بالثورة الخضراء في إيران التي اندلعت احتجاجاً على إعادة انتخاب أحمدي نجاد. هذا الود الذي كان ثمرة عمل لأكثر من عقد من الزمن بعيداً عن الأنظار لإنشاء اللوبي الإيراني بهدف التغلغل في الداخل الأميركي وزرع العديد من الأسماء داخل المؤسسة السياسية في واشنطن للدفع بالسياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران على نحو أكثر قرباً. تمتع العديد من الأعضاء المعروفين في جماعات الضغط الإيرانية وغيرهم بإمكانية وصول غير مسبوقة إلى البيت الأبيض. العديد من مراكز الفكر Think Tank في واشنطن ونيويورك أيضاً عملت عن قرب مع اللوبي الإيراني في واشنطن لأجل الترويج للنظام الإيراني ووضع حجر أساس لتلك العلاقة لتجنب الخيار العسكري واتخاذ نهج أقل حدة لصالح تفضيل خيارات الدبلوماسية والتفاوض للتمهيد من أجل التعايش مع النووي الإيراني.

اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة: شخصيات ومنظمات:

المجلس الوطني الإيراني الأميركي National Iranian American Council NIAC ، وهي منظمة ضغط مقرها واشنطن أسسها تريتا بارسي Trita Parsiعام 2002، شكلت حجر الأساس للعمل لخدمة المصالح الإيرانية في واشنطن، ومن خلال المحافظة على وجود نشط في العاصمة الأميركية، تقوم NIAC على التأثير على آراء كبار المسؤولين الأميركيين والسياسيين، والعمل من أجل سياسة أكثر صداقة مع إيران وتعزيز مصالح طهران في الكونغرس ومعارضة العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى مواجهة نفوذ اللوبي الإسرائيلي.

تريتا بارسی: عند الحديث عن NIAC لابد من الإشارة لهذه الشخصية الأكثر تأثيراً، مؤسس ورئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي، سويدي الجنسية من أصل إيراني وحاصل على الإقامة الدائمة في أميركا، وأهم اللاعبين في دعم مصالح طهران في واشنطن، وصف عدد قليل من المحللين في واشنطن بارسي "بصانع القرار في إيران"، بما يصل إلى 33 اجتماعاً في البيت الأبيض في الفترة من 2013 إلى 2016. من خلال عدة مقالات في الصحف روج بارسي للاتفاق، حث فيها الإدارة الأميركية وصانع القرار بتبني الخيار الدبلوماسي ومحذراً من أن الحياد عن الدبلوماسية ستكون له آثار غير محمودة، وإن الولايات المتحدة قد تواجه بكوريا شمالية أخرى يصعب السيطرة عليها، في مقالات أخرى تحدث عن إمكانية تحقيق سلام مستقبلي بين إسرائيل وإيران.

في العام 2006 خلال فترة رئاسة الرئيس بوش، في خطوة تهدف لشن المزيد من الضغط ضد إيران، تم إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي. بدأ النظام الإيراني حملة لإقامة اتصالات مع السياسيين المناهضين لبوش، واستغلال الانقسامات السياسية في واشنطن حول السياسة مع إيران. في العام 2006 سلم جواد ظريف وثيقة المساومة الكبرى -التي تم إعدادها في العام 2003- إلى بارسي الذي قام بدوره بالإفراج عنها لاحقا للصحافة لاستخدامها في حملة لإثبات أن إيران كانت على استعداد للسلام والحوار بينما كانت الولايات المتحدة تسعى فقط إلى الحرب مع إيران. أطلق بارسي "مشروع التفاوض الإيراني" "Iran Negotiation Project" ، وبدأ بترتيب الاجتماعات بين ظريف وبعض أعضاء الكونغرس مثل Gilchrest ممن يعارضون سياسات بوش وعارضين تولي بعض المخاطرة السياسية، وطالبوا بالإجتماع مع أعضاء البرلمان الإيراني. تظهر الوثائق الداخلية أنه خلال الفترة 2006-2007، كيف لعب بارسي دورا هاما في هذه الحملة، ونظم اجتماعات بين جواد ظريف، السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة -آنذاك – وبعض أعضاء الكونغرس الأميركي الذين قالوا لبارسي: "خاب أملهم إزاء السياسة الخارجية لبوش وهم متعبون من الجلوس على الهامش حيث يقوض بوش موقف الولايات المتحدة العالمي. إنهم على استعداد لاتخاذ الأمور في أيديهم ويقبلون المخاطر السياسية التي تأتي معها".

في أغسطس 2013، أدلى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بخطاب تأكيد أمام البرلمان الإيراني، وأوضح أنه خلال فترة عمله سفيرا لإيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بعد أن حصل على موافقة السلطات العليا للنظام، أقام اتصالات مع مجموعة من السياسين الأميركيين المعارضين لسياسات بوش في خطوة تهدف لاستغلال الانقسام بين صناع القرار. وثائق تم الإفراج عن جزء منها توضح وبصورة أكثر تحديدا تبادل البريد الإلكتروني بين جواد ظريف وتريتا بارسي، مسلطة الضوء على تكتيكات طهران للتأثير على السياسة الأميركية تجاه إيران، وعلاقة ظريف بأعضاء الكونغرس، وكيف قام بارسي بتنسيق الجهود الرامية إلى تحييد الضغوط الأميركية ضد إيران. نجح بارسي في بناء شبكة علاقات عامة استطاع من خلالها جذب الكثير من الأسماء للمشاركة في حلقات نقاش حول تفضيل الخيار الدبلوماسي حيال النووي الإيراني.

بعد توقيع الاتفاق أصدر كتابا بعنوان "خسارة عدو: أوباما وإيران، وانتصار الدبلوماسية"، مروجا لنجاح الدبلوماسية التي صنعت الاتفاق، أشار إلى سعي أوباما لمقابلة الرئيس روحاني والسلام عليه عند حضور الأخير في سبتمبر من العام 2013 لدورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وتردد روحاني بالموافقة على مقابلته ثم اتصاله بأوباما قبل مغادرته لنيويورك، كأول محادثة بين رئيسي الولايات المتحدة وإيران منذ الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979.

سيد موسافيان: الدبلوماسي الإيرانى الذي عمل سفيرا لإيران لدى ألمانيا في التسعينات (1990-1997) عندما كانت السفارة هي العقدة المركزية لشبكة الإرهاب الأوروبية الإيرانية لاغتيال المنشقين الإيرانيين في أوروبا. المتحدث باسم إيران خلال المفاوضات حول النووي الإيراني مع المجتمع الدولي (2003-2005)، كما عمل أيضا مستشار السياسة الخارجية لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي (2005-2007). زار موسافيان روبرت مالي مسؤول مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ومستشار الرئيس السابق حول الشرق الأوسط وتنظيم داعش، وتمت استضافته في البيت الأبيض ثلاث مرات على الأقل، ساعد بارسي وموسافيان البيت الأبيض على صياغة الرسائل المؤيدة لإيران ونقاط النقاش التي ساعدت على قيادة الاتفاق النووي مع إيران، وكانت هذه الجهود جزءا من صفقة أكبر مؤيدة لإيران "غرفة صدى" بقيادة كبار مسؤولي إدارة أوباما الذين كلفوا بتضليل الكونغرس حول طبيعة الصفقة. في خطبه المتكررة للترويج للصفقة مع إيران، يتحدث عن الاعتدال الإيراني المزيف، لديه أبحاث تركز على استكشاف مسارات للدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة والحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة والبناء عليها.

سحر نوروزداه: أيضا أحد أبرز الأسماء التي عملت من داخل البيت الأبيض بهدف تعزيز نهج النظام المؤيد لإيران، أحد المنتمين للمجلس الوطني الإيراني الأميركي وأحد أهم الأفراد في مجموعة الضغط داخل البيت الأبيض"، وفقا للصحافة الغربية سحر نوروزاده أميركية إيرانية تتمتع بمنصب متميز في السياسة الخارجية، بدأت حياتها المهنية في الخدمة العامة في عام 2005 خلال ولاية الرئيس بوش، انضمت إلى وزارة الخارجية الأميركية كموظف للشؤون الخارجية، وبدأت في عام 2014 دورة لمدة عامين كعضو في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض الخاص بإيران تحت الرئيس أوباما. وكانت سحر جزءا من فريق الرئيس أوباما المسؤول عن دعم المفاوضات النووية مع إيران. اتهمتها وسائل الإعلام المحافظة بالجاسوسة الإيرانية، وانتقدت علاقتها بالمجلس الوطني الإيراني الأميركي مطالبة بإبعادها عن البيت الأبيض، وبعد وصول فريق ترمب مؤخرا تمت إعادتها إلى وزارة الخارجية الأميركية، وتعمل حاليا في مكتب تخطيط السياسات الخاص كمسؤولة عن الشؤون الإيرانية والخليج.

دعم المدافعين عن مصالح إيران، وليس مصالح أميركا

السماح لبارسي بزيارة البيت الأبيض أكثر من 30 مرة، على الرغم من مواقفه التي تتماشى تماما مع مصالح النظام الإيراني، وعلاقاته القريبة مع رموز النظام الإيراني يوفر نظرة مثيرة للاهتمام حول المدى الذي وصلت له إدارة أوباما في مساعدة الموالين لنظام ملالي إيران، ففي الوقت الذي كانت إيران مستمرة في وصفها لأميركا "الشيطان الأكبر".

هذه الأسماء هي جزء من منظومة كبيرة تعمل من أجل مصالح طهران في واشنطن، ولايزال اللوبي الإيراني في الداخل الأميركي يعمل للحفاظ على الاتفاق مع الإدارة الحالية ولترسيخ أن هذا الاتفاق التاريخي هو ثمرة نجاح الدبلوماسية، والترويج بأن العقوبات الاقتصادية التي فرضت على إيران لم تجد نفعها، وأن أميركا أوباما هي من بدأت بمد يد المفاوضات لإيران، وحدث ذلك خلال ولاية المتشدد أحمدي نجاد. لكن توفر معلومات حول حقيقة بارسي ومنظمته وتتبع نشاطها القريب مع السلطة في إيران والعديد من الأسماء التي عملت عن كثب حتى توقيع الاتفاق النووي يوفر المعرفة اللازمة حول حقيقة الاتفاق النووي المعيب جدا والمختوم بموافقة إدارة أوباما مع طهران.

كل هذا يدل على ضرورة أن تقوم إدارة ترمب بإصلاح الوكالات التي تتعامل مع إيران، ومعرفة خلفيات العاملين فيها وأجنداتهم وفرض تغييرات جذرية على سياستها تجاه إيران تماما.

المصدر: العربية الكاتب: رقية الزميع
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ