لخمس سنوات مضت.. الغوطة واجهت الموت والجوع .. و روسيا تحاول تقسيمها لكسر شوكتها
لخمس سنوات مضت.. الغوطة واجهت الموت والجوع .. و روسيا تحاول تقسيمها لكسر شوكتها
● أخبار سورية ٧ مارس ٢٠١٨

لخمس سنوات مضت.. الغوطة واجهت الموت والجوع .. و روسيا تحاول تقسيمها لكسر شوكتها

لم تنفع سياسية "الجوع أو الركوع" التي اتبعها الأسد وحلفائه طيلة سنوات مضت في كسر إرادة أهالي الغوطة الشرقية في قبول مايفرض عليهم من اتفاقيات مصالحة أو تسليم أو تهجير، رغم كل الحملات التي واجهتها الغوطة وشلالات الدم التي سالت في شوارع بلداتها والحملات العسكرية التي استهدفت جبهاتها.

أثبت أهالي الغوطة الشرقية خلال خمس سنوات مضت أن إرادتهم وصبرهم أقوى من الجوع ومن الطائرات والصواريخ والحصار الذي مورس بحقهم برعاية دولية صامتة عن كل ما يحصل من انتهاك لحقوق الإنسان وخرق لقرارات المجتمع الدولية وليس بأخرها قرار الهدنة

للعام الخامس على التوالي يواصل نظام الأسد حصاره لأكثر من 350 ألف مدني في غوطة دمشق الشرقية، يكابدون الموت جوعاً وقصفاً منذ سنوات على مرأى ومسمع العالم أجمع، والذي لم يحرك ساكناً لتخفيف الحصار عن المدنيين لا ذنب لهم إلا أنهم ثاروا على نظام استبد بهم، فكان رد الأسد بسياسة الجوع أو الركوع من خلال الحصار الجائر والذي لم يكسر عزيمتهم خلال خمس سنوات مضت.

لموقع الغوطة الشرقية الاستراتيجي على الطرف الشرقي من العاصمة دمشق مركز قيادة نظام الأسد وعاصمته السياسية أهمية بالغة بالنسبة لوجوده، حاول جاهداً منذ بدء التدخل الإيراني والروسي لمساندته على كسر الطوق حول دمشق من خلال اتباع سياسة الحصار على العديد من المدن والبلدات، كانت جنوب دمشق داريا التي كسرت شوكة الأسد لسنوات وتحدت كل صنوف الموت الذي مورس ضدها، كذلك مضايا وبقين ومعضمية الشام والعديد من المناطق التي واجهت الحصار والموت لسنوات عدة.

استطاع الأسد خلال السنوات الماضية فك عقد الطوق حول دمشق من خلال عمليات التهجير التي مارسها بمساعدة روسيا وبمباركة من المجتمع الدولي، فأجبر غالبية المناطق الثائرة على توقيع المصالحات، ومن رفض وقاوم وصمد كل آلة القتل والتجويع أجبر على الخروج من أرضه وبلده باتجاه الشمال السوري، ليأتي الدور على الحزام الشرقي للعاصمة ممثلا في الغوطة الشرقية.

خمس سنوات مرت ونظام الأسد يحكم الحصار على بلدات ومدن الغوطة الشرقية، ويعمل جاهداً على تضييق المساحة المحررة تباعاً من خلال سلسلة عمليات عسكرية لاتزال مستمرة تمكن خلالها من السيطرة على سلة الغوطة الغذائية في القطاع الجنوبي، والسيطرة على الأحياء الشرقية للعاصمة دمشق والتي كانت مصدراً رئيسياً لإمداد الغوطة الشرقية بالمواد الغذائية ومستلزمات الحياة عبر الأنفاق، وأخرها الحملة العسكرية التي مكنته من التقدم في اوتايا والشيفونية وحوش الضواهرة وحزرما والنشابية.

يعيش اليوم قرابة 370 ألفاً من المدنيين في بقعة جغرافية صغيرة مؤلفة من مدن وبلدات "دوما، حرستا، مسرابا، عربين، بيت سوى، حمورية، زملكا، سقبا، حزه، عين ترما، كفربطنا، جسرين، افتريس، المحمدية، حوش الأشعري، الريحان، مديرا، حي جوبر"، وسط محاولات نظام الأسد المستمرة للتوسع وتضييق الخناق أكثر على المنطقة من خلال عمليات عسكرية مستمرة على جبهات عين ترما وحي جوبر والشيفونية والمشافي وإدارة المركبات شرقي العاصمة دمشق.

يبلغ تعداد النازحين داخلياً ضمن بلدات الغوطة الشرقية بحسب إحصائيات تقريبية 24 ألفاً من بلدات القطاع الجنوبي "المليحة، زبدين، دير العصافير"، و 40 ألفاً من بلدات المنطقة الشرقية والمرج، و 7900 شخص من أحياء العاصمة دمشق الشرقية، فيما بلغت عدد حالات الإصابة بإعاقة دائمة أكثر من 5 آلاف شخص، والأفراد المصابين والمعاقين أكثر من 4 آلاف، مع وجود 252 حالة طبية حرجة بحاجة الى إخراج فوري إلى مراكز العلاج خارج الغوطة.

ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أخر تقرير عن الغوطة أن قوات الحلف السوري الإيراني الروسي قتلت منذ آذار/ 2011 حتى 24 شباط 2018 ما لا يقل عن 12763 مدنياً، بينهم 1463 طفلا، و 1127 سيدة، في وقت لا يزال قرابة 6583 شخصا من أهل الغوطة الشرقية قيد الاعتقال ومعظمهم أصبح في عداد المختفين قسرية، لدى قوات النظام وحلفائه.

وأوضحت الشبكة أن الحصار المفروض منذ تشرين الأول / 2013 حتى الآن تسبب في وفيات بسبب نقص الطعام والدواء بشكل خاص، وقد سجلت مقتل 427 شخص، بينهم 221 طفلا، و 72 سيدة، كما سجلت 46 هجمة بأسلحة كيميائية على مناطق في الغوطة الشرقية، هدفها الأساسي إرهاب المجتمع.
تعرضت بلدات ومدن الغوطة الشرقية طيلة خمس سنوات لقصف جوي ومدفعي عنيف استخدمت فيها شتى أنواع الأسلحة منها صواريخ أرض - أرض ثقيلة ومتوسطة، وصواريخ الفيل والبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والارتجاجية وقذائف المدفعية والصواريخ، بالإضافة لاستخدام السلاح الكيماوي المحرم دولياً والذي أوقع أكبر مجزرة في تاريخ الثورة السورية المعروفة بمجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، خلف القصف بشتى أنواعه قرابة 18840 شهيداً، بينهم 4845 طفل، و 1279 امرأة.

يضاف لذلك سلسلة التدمير الممنهج للبنية التحتية السكنية في بلدات الغوطة الشرقية، وتدمير المئات من المدارس والمراكز الطبية والمستشفيات ومراكز الدفاع المدني، حتى كوادر الإسعاف والدفاع المدني لم تسلم من القصف والاستهداف في مراكزها وخلال عملها سجلت استشهاد وإصابة العشرات من كوادرها، وخرج غالبية المرافق الخدمة فيها عن الخدمة الأمر الذي يضاعف شدة الحصار على المدنيين.

سعى الأسد وحلفائه من خلال تضييق الحصار في السنوات الماضية مع السماح بدخول بضائع بين الحين والآخر وبضع قوافل إغاثية لا تسد رمق المحاصرين، لإيصال المدنيين لنقطة القبول بالمصالحات أو التهجير القسري على غرار مافعله في داريا ومعضمية الشام ومضايا ومناطق أخرى، يقابله إصرار أهالي الغوطة الشرقية على الصبر والثبات وتحمل الحصار وتبعياته والموت الذي يلاحقهم كل يوم، رافضين التخلي عن أرضهم والخروج منها بأي وسيلة كانت قدر استطاعتهم على تحمل رؤية أولادهم يموتون جوعاً أمام أعينهم لن تكون سحر أخر ضحايا الموت جوعاً.

ولعل صبر أهالي الغوطة وإصرارهم على مواجهة كل أصناع الموت جوعاً أو قصفاً أو خنقاً، وبعد أن هدأت الجبهات وأتم السيطرة بمساعدة حلفائه عبر اتفاقيات التهدئة وخفض التصعيد، عاد الأسد وروسيا وإيران لإعادة الضغط على الغوطة الشرقية و إركاعها وإنهاء مسيرة صمودها، من خلال حشد جل قوته العسكرية على مشارف الغوطة الشرقية بعد تكسر الفرقة الرابعة والتاسعة والميليشيات المتعددة وفضلها في تحقيق أي تقدم خلال الأشهر الماضية، لتبدأ مرحلة جديدة في مسيرة الغوطة الشرقية من القصف والقتل وشلال الدم، تزامناً مع العمليات العسكرية التي تمكنت من تحقيق تقدم في خاصرة الغوطة المكشوفة في حوش الظواهرة وأوتايا، في وقت لاتزال تتكبد فيها القوات المهاجمة خسائر كبيرة.

وتعمل قوات الأسد وحلفائها على اتباع سيناريوهات مشابهة لما حصل في مدينة حلب إبان الحملة التي واجهتها قبل أكثر من عام بإشراف روسي من القتل والتدمير الممنهج لكل مايقدم الحياة ضمن بلدات ومدن الغوطة، ثم فتح ما تسميه المعابر الإنسانية لدفع المدنيين على الخروج، ومواصلة الضغط عسكرياً في محاولة لتقسيم الغوطة الشرقية لقسمين والدخول في العمق من خلال الضغط لفصل القسم الشمالي من الغوطة "دوما وحرستا والريحان" عن القطاع الأوسط والجنوبي " عربين وحمورية وجسرين وكفربطنا ووعين ترما".

ولعل توجيه قوات الأسد قوتها والتركيز على محور أوتايا وحوش الضواهرة والنشابية وبيت نايم يشير لخطتها في قسم الغوطة لشطرين، ثم البدء بفصل مدن وبلدات الغوطة عن بعضها البعض عبر محاور سعلة التحرك تجنبها الخوض في حرب المدن والمناطق السكنية التي لا تستطيع فيها المواجهة لإدراكها حجم التحصين والأنفاق والقوة التي تملكها الفصائل في حرب المدن على عكس المناطق المكشوفة والتي تعطيها أفضلية براً وجواً.

وبحسب المعطيات تشير التطورات الحالية للمعركة إلى أن اتباع قوات الأسد هذا السيناريو في فصل الغوطة وتقسيمها لعدم نيتها الحسم العسكري الشامل في الغوطة بقدر ما تريد تقسيمها وإحكام الحصار عليها من جديد وفق قطاعات تتيح لها تركيز القصف والتجويع أكثر والوصول لما تريد من خروج للمدنيين بعملية تهجير جديدة ربما تكون برعاية دولية عبر اللاعب السياسي الروسي.

وتلعب روسيا والنظام على الحرب النفسية إضافة للحرب العسكرية من خلال خلق حالة من الوهن النفسي بين أهالي الغوطة الشرقية لإجبارهم على الخروج في وجه الفصائل أولاً والقبول بالخروج عبر ممراتها الإنسانية، وتمكين الهزيمة النفسية بشكل أكبر من خلال التقدم الذي تحرزه اكثر والحرب الإعلامية مع استمرار القصف، كونها تدرك حجم الإصرار لدى أهالي الغوطة الشرقية في التمسك بأرضهم والقوة التي تتمتع فيها فصائل الغوطة أيضا ضمن المدن والبلدات والتي قد تستنزف قوات الأسد كما حصل معها في حي جوبر وجبهات عين ترما وحرستا.

صمدت الغوطة الشرقية خلال خمس سنوات مضت في وجه كل ألة الموت والتجويع، واستطاع أكثر من 350 ألف مدني مواجهة الحصار بأجسادهم رغم كل حملات القصف والموت الذي عانوه، ومع استمرار القصف وحملات الموت لايزال يؤكد أهالي الغوطة الشرقية ثباتهم وإصرارهم على البقاء والتسمك بأرضهم ورفضهم أي تسوية للخروج ولعل هذا هو أكثر ما يواجه الأسد وروسيا، ترسم الأيام القادمة طبيعة التطورات القادمة وما ستؤول إليه العمليات العسكرية من معطيات.

المصدر: شبكة شام الكاتب: فريق التحرير
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ