وزارة العدل تدعو المتضررين من ممارسات قضاة "محكمة الإرهاب" المنحلة لتقديم شكاواهم
دعت وزارة العدل في الحكومة السورية يوم الأحد 10 آب/ أغسطس، المواطنين الذين تعرضوا للظلم أو الابتزاز نتيجة أعمال قضاة محكمة قضايا الإرهاب المنحلة، إلى التوجه لتقديم شكاويهم.
وحددت طريقة تقديم الشكاوى عبر ديوان محكمة النقض في دمشق، أو الحضور شخصياً خلال أوقات الدوام الرسمي، مصطحبين ما لديهم من معلومات أو أدلة، أو للتقدم بطلب الاستماع إليهم كشهود للحق العام أمام قاضي التحقيق في محكمة النقض في المزة بدمشق.
وأوضحت الوزارة أن قاضي التحقيق المكلّف من قبل الهيئة العامة لمحكمة النقض، والمختصة بالنظر في القضايا الجزائية، بدأ تحقيقاته مع القضاة السابقين في المحكمة المذكورة حول الممارسات التي جرت خلال فترة عملهم.
وأكدت الوزارة أن هذا الإجراء يأتي استناداً إلى بلاغ نشره قاضي التحقيق، يتيح لكل متضرر أو من تعرض لأي شكل من أشكال الظلم أو الابتزاز، التقدم بشكوى رسمية أو تقديم إفادة أمام القضاء، بما يسهم في كشف الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.
وفي قرار منفصل، أصدرت الوزارة التعميم رقم /9/ لضمان سلامة الإجراءات القضائية، وشددت على ضرورة الالتزام بالقانون في استلام وتوثيق وتسليم الأمانات الجرمية ضمن المستودعات المختصة، حفاظاً على الأدلة ومنع العبث بها أو ضياعها.
في أعقاب تصاعد الحراك الشعبي السوري في عام 2011، سارع نظام بشار الأسد إلى تعديل أدواته القمعية، مُبدّلاً الأسماء ومُحافظاً على الوظيفة. فجاء تأسيس "محكمة قضايا الإرهاب" عام 2012 كأداة جديدة بلبوس قانوني، استُخدمت بفعالية خلال أكثر من عقد لسحق المعارضة وملاحقة النشطاء وتصفية خصوم النظام، تحت مظلة "مكافحة الإرهاب".
ووثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن المحكمة كانت الأداة الرئيسة لملاحقة عشرات آلاف السوريين، بما فيهم طلاب جامعات، إعلاميون، أطباء، عاملون في منظمات إغاثية، وحتى قُصّر. كما استُخدمت المحكمة لإصدار أحكام بالإعدام والسجن المؤبد بناء على تقارير أمنية أو نشاط إعلامي، وسط تجاهل تام لقواعد المحاكمة العادلة.
لم تكتف المحكمة بحرمان المواطنين من حرياتهم، بل تجاوزت ذلك إلى مصادرة ممتلكاتهم. فبموجب المرسوم رقم 63 لعام 2012، أُعطيت المحكمة صلاحية الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لأي شخص تُوجه له تهمة الإرهاب، حتى وإن كانت غيابية.
في شباط/فبراير 2025، وبعد انهيار نظام الأسد، أصدرت وزارة العدل السورية قراراً بإحالة 87 قاضياً من محكمة الإرهاب إلى التحقيق، لفتح ملفات التجاوزات التي ارتكبوها بحق المعتقلين. وقد بدأت بالفعل عمليات جمع شهادات ناجين وتدقيق الملفات القانونية، تمهيداً لمحاكمات قضاة ثبت تورطهم بأحكام تعسفية وبالفساد القضائي.
وأثبتت محكمة قضايا الإرهاب أنها لم تكن يوماً مؤسسة عدلية، بل سيفاً بيد النظام لتصفية خصومه. واليوم، بعد سقوط هذا النظام، تُطرح الأسئلة الملحة حول مصير هذه المحكمة، وضرورة تفكيكها، ومحاسبة كل من أسهم في أعمالها، سواء كانوا قضاة أو محققين أو موظفين قضائيين.
في المقابل، يؤكد حقوقيون أن بناء قضاء سوري جديد لا يمكن أن يتم دون الكشف الكامل عن الجرائم التي ارتُكبت تحت عباءة "العدالة"، ووضع إطار قانوني يضمن استقلال القضاء ويحمي حقوق الإنسان، ويعيد الاعتبار لمفهوم الدولة القانونية بعد سنوات من التلاعب به باسم مكافحة الإرهاب.