نداء استغاثة للسماح بدخول كافة أشكال المساعدات الإنسانية إلى السويداء والمشردين قسرياً
وجهت الشبكة السورية لحقوق الإنسان نداء عاجل لإيصال المساعدات الإنسانية إلى السويداء ودعم آلاف المُشرَّدين قسرياً، داعية إلى فتح وصول فوري وغير مشروط للمساعدات إلى السويداء والمناطق المستضيفة للنازحين في درعا والقطاع الحدودي الجنوبي.
وقالت الشبكة إن محافظة السويداء، جنوب سوريا، تشهد منذ 13 تموز/يوليو 2025 وحتى تاريخ صدور هذا البيان، تدهوراً واسع النطاق في الوضعين الإنساني والخدمي، نتيجة تصاعد التوترات الأمنية وأعمال العنف المسلح، وما تبعها من اضطراب شامل شلّ مختلف جوانب الحياة المدنية.
وقد أدى ذلك إلى نزوح جماعي قسري لعشرات الآلاف من السكان المدنيين، وانهيار شبه كامل للبنية التحتية الأساسية، خصوصاً في قطاعات الصحة، والغذاء، والمياه، ما فاقم من معاناة الفئات الأشد ضعفاً، لا سيما النساء، والأطفال، وكبار السن، والمرضى.
يقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أعداد النازحين بما لا يقل عن 93 ألف مدني فرّوا من مدينة السويداء وعدد من قراها، لا سيما في الريفين الشمالي والغربي، نحو مناطق أكثر استقراراً في ريف محافظة درعا الشرقي والمناطق القريبة من الحدود السورية الأردنية، في ظروف إنسانية بالغة القسوة، تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحماية والرعاية، وسط حاجة ملحَّة إلى تدخل إنساني عاجل واستجابة منسّقة.
وتفيد المعلومات الميدانية بحدوث انهيار خطير في منظومة الخدمات الأساسية في محافظة السويداء، ما أدى إلى انتهاك مباشر لحقوق السكان في الحصول على الغذاء والماء والرعاية الصحية، وخلّف آثاراً إنسانية فادحة على حياة المدنيين. فقد سُجّل انقطاع شبه كامل في شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات منذ أكثر من ستة أيام متواصلة، إلى جانب ضعف شديد في خدمة الإنترنت، ما أدى إلى عزلة معلوماتية حرمت السكان من التواصل وطلب المساعدة.
كما توقفت معظم الأفران والمحال التجارية عن العمل، ما أجبر الأهالي على الاعتماد على مؤونات منزلية محدودة، في ظل غياب بدائل لتأمين الغذاء. وقد وثّقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان نقصاً حاداً في المواد الغذائية ومياه الشرب، إلى جانب تسجيل حوادث نهب وتخريب استهدفت متاجر وأسواقاً رئيسة، مما زاد من هشاشة الأمن الغذائي للسكان.
أما في القطاع الصحي، فقد خرج المشفى الوطني في مدينة السويداء عن الخدمة بشكل كامل، بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد الأدوية والمستلزمات الطبية، ما أدى إلى توقف جلسات غسيل الكلى وعدم تقديم العلاج للحالات المزمنة والطارئة. كما تم توثيق وجود جثامين متحللة داخل المشفى، دون إمكانية التعامل معها، نتيجة تعطّل وحدات التبريد وغياب وسائل النقل اللازمة.
ويعمل مشفى صلخد حالياً بطاقته الدنيا، وسط تهديد فعلي بالتوقف عن تقديم الخدمات، في ظل نقص الكوادر الطبية والمستلزمات، ما ينذر بانهيار شامل للرعاية الصحية على مستوى المحافظة.
وقد نجم عن هذه الأوضاع انتهاك صارخ للحق في الصحة والكرامة الإنسانية، حيث يعيش آلاف المدنيين أوضاعاً كارثية، خاصة النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، وسط غياب شبه تام للاستجابة الإنسانية. كما وردت إفادات عن وجود جثث لمدنيين في الشوارع لم تُنتشل أو تُدفن حتى لحظة إعداد هذا البيان، ما يشكل تهديداً للسلامة العامة وانتهاكاً للحق في الحياة والكرامة بعد الوفاة.
وأوضحت الشبكة أنه على الرغم من المساعي الحكومية والمجتمعية وجهود الوكالات الدولية والأممية لتأمين الاستجابة الإنسانية، إلا أنَّ إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة داخل محافظة السويداء لا يزال يواجه صعوبات كبيرة.
وقد أُعلن عن تجهيز قوافل طبية وإغاثية من قبل وزارات الصحة، والشؤون الاجتماعية، والطوارئ، والهلال الأحمر العربي السوري، غير أنَّ العديد منها لم يتمكن من الدخول نتيجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة، واستهداف بعض القوافل أو تقييد حركتها، لاسيما مع استمرار الاشتباكات المسلحة في بعض المناطق، إلى جانب تنفيذ غارات جوية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي على محيط المدينة، ما تسبب في تعطيل أو تأجيل عمليات الإغاثة.
كما أسهم قرار حكمت الهجري، القاضي برفض دخول الوفد الحكومي المرافق للقوافل الإنسانية، في عرقلة أو تأخير إيصال جزء كبير من المساعدات الجاهزة، والتي تتضمن مستلزمات طبية وإسعافية حيوية.
وفي السياق نفسه، تعرّضت فرق الهلال الأحمر العربي السوري لعدة انتهاكات أثناء تنفيذ مهامها الإغاثية، من بينها إطلاق نار على سيارة إسعاف، واحتراق أحد المستودعات الإغاثية، إضافة إلى اعتداءات استهدفت متطوعين، وعمليات خطف طالت رئيس مركز منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) في محافظة السويداء. ورغم هذه التحديات، تمكنت بعض القوافل من الدخول وتوزيع جزء محدود من المساعدات، وسط غياب ضمانات كافية تكفل استمرارية وسلامة عمليات الإغاثة.
وطالبت الشبكة الجهات الحكومية والمؤسسات الرسمية ذات الصلة بتعزيز جهود الاستجابة الإنسانية العاجلة، وتوفير الدعم الفني واللوجستي لضمان إيصال المساعدات الطبية والغذائية إلى جميع المناطق المتضررة، مع إعطاء الأولوية للمناطق ذات الاحتياجات الحرجة.
وأكدت على ضرورة ضمان استمرارية عمل المرافق الخدمية والصحية، من خلال تأمين إمدادات الطاقة والاتصالات والمياه والمواد الطبية، وتنسيق الجهود بين الوزارات المختصة والسلطات المحلية، وتيسير وصول الفرق الإغاثية والطواقم الطبية إلى المناطق المتضررة، مع تقديم الضمانات اللازمة لسلامتهم وضمان انسيابية عملهم، دون تمييز أو تأخير.
وشددت على أهمية دعم مراكز الإيواء المؤقتة في مناطق النزوح، وتوفير الموارد الضرورية لتحسين ظروف الإقامة والخدمات المقدّمة للنازحين، لا سيما في محافظتي السويداء ودرعا، وتعزيز التنسيق مع المجتمعات المحلية والفعاليات المدنية لتذليل العقبات التي قد تعرقل الاستجابة، وتسهيل الإجراءات الميدانية على أسس إنسانية وشفافة.
وطالبت بإجراء مراجعة دورية لأوضاع الخدمات العامة في المحافظة، والعمل على معالجة مكامن القصور، ضمن خطة طوارئ مدروسة تأخذ في الحسبان الواقع الأمني والمعيشي.
وطالبت القوات العسكرية والاجتماعية في محافظة السويداء، بالمساهمة في تيسير عمل القوافل الإغاثية والفرق الطبية، بما يضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها دون عوائق، وفقاً لمبادئ الحياد والاستقلالية الإنسانية، وتعزيز التعاون المجتمعي لضمان توزيع عادل وفعّال للمساعدات، والمساهمة في تخفيف حدة التوترات التي قد تعيق وصول الخدمات الأساسية للمدنيين، وتفعيل دور القيادات المحلية في دعم جهود التهدئة وضبط الأوضاع، بما يسهم في خلق بيئة مساندة لعمليات الإغاثة والتعافي.
ودعت الشبكة، منظمات الإغاثة الوطنية والشريكة، الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية داخل مراكز الإيواء والمجتمعات المستضيفة، خاصة في مجالات الرعاية الصحية الأولية، المياه، التغذية، والدعم النفسي الاجتماعي، وتعزيز التنسيق الميداني بين الفرق العاملة لتفادي الازدواجية، وتحديد الأولويات الحقيقية، مع إجراء تقييمات دورية محدثة للاحتياجات، وتوثيق التحديات الميدانية التي تعيق العمل الإنساني بشكل دقيق، بهدف تحسين الاستجابة ورفع كفاءة التدخلات الإنسانية على المديين القصير والمتوسط.