رؤية سورية
رؤية سورية
● مقالات رأي ١٩ مايو ٢٠١٥

رؤية سورية

 

إنني هنا استجابة لدعوة مركز كارتر للدراسات, ذلك الرجل الإنساني و الذي لاأزال أتذكر وانا طالب في المرحلة الأعدادية خطابه الذي ودع فيه البيت الأبيض ليسلمه إلى خلفه ريغن وكان خطاباً إنسانياً بامتياز ومنهجاً يخدم البشرية ، ومما قاله بالحرف : “أنجزتُ معاهدة صولت 2 مع السوفييت حرصاً مني على ألا تعيش أجيالنا الإنسانية القادمة على أنقاض حضارة قضت على نفسها” .

إننا نشاركه الرأي ونحن السوريين نريد أن نكون شركاء في هذا العالم وليس متسولين فيه، نشارك في الحضارة الانسانية و نرفع مستوى التعليم و الصحة و الزراعة و الصناعة و غيرها من الانشطة في مجتمعنا كما فعل غيرنا في هون كونغ و سنغافورة و كوريا الجنوبية و في دولة الامارات الشقيقة.

في هذا الظرف الذي تمر به بلدي و أمتي لم أجد بداً من أن أقول ما يجول بخاطري بعيداً عن إرضاء أحد أو كسب أحد أو الخوف من أحد، حيث أنا آمن في المكان الذي أنا فيه، فلا أزاود بالشجاعة و البطولة و الفداء .

أقول و قد رأيت تدمير بلدي بعيني و قتل أهلي و جيراني و أبناء جلدتي و استبيح الدم حتى سال كالماء، واستبيح العرض و المال و الأهل، و عمت الفرقة و الفتنة فلا يكاد قلب سوري يتآلف تآلفاً حقيقياً مع قلب سوري، أقول أن الواقع السوري الأن بدت فيه مسلمات يجب علينا أن تذكرها كما فهمناها عسى أن ينتفع بها من هو موجود أو من سيأتي بعدنا و أقول الكلام كلام مودع بعد أن أشرف الامل على الأفول و كأني أرى تدمير بلدي بعيني و تكملة التدمير لما بقي فيها على شكل إدارة لصراع لا ينتهي ليس بين طرفين فقط و لكن بين أطراف تدار من القوى العالمية و تتبادل تدمير الحجر والشجر و الانسان و نحن لاحول ولا قوة إلا ما نستطيع من تقديمه فرادا و دعاء للناس و تضرع إلى الله بالفرج .

التحالف بين المتناقضات

التحالف المتناقض الأول:

بشار الاسد العلماني، كما يدّعي ومن معه، يتحالف مع منظمات دينية متطرفة تريد قتل أكبر عدد ممكن من السوريين و تدمير كل شيء بما فيها المساجد و المدارس و الكنائس و الحضارة بل و تدمير التاريخ القديم أيضاً و معالم الحضارة في فكر يرى أن يحاكم التاريخ و ينتقم منه و بشكل واضح و شعارات مكتوبة مرفوعة مثل شعار : ” يا لثارات الحسين ” أليس شعار انتقام؟ و السلوك بعده سيكون سلوك انتقام، و تجد من يدافع عن هذا من كتاب و مفكريين و سياسيين و أن هذه الشعارات فقط هكذا رغم أن الشعار مرفوع و التطبيق قائم على قدم و ساق بالقتل و التدمير و الانتقام، شعار يطبق ليل نهار .

التحالف المتناقض الثاني:

بين الجيش الحر و التطرف “النصرة و داعش” بينما النصرة ترفع شعار يقول إن كل من هو غير النصرة كافر أو مرتد، سواء كان من الائتلاف و الحكومة والمنظمات و الشعب، هذا شعار مرفوع مكتوب مقروء على لسان قادتها و على رأسهم الجولاني، وهذا الشعار يطبق على قدم وساق، فلا يقع معارض للفكر التكفيري إلا قتل فوراً، إلا ما يحدث من توازن قوى لا يلبث أن يختل لتتم العودة إلى تطبيق الشعار بالقتل و التدمير و استباحة المال و ربما العرض .

بينما يرفع الجيش الحر شعار أن النصرة فصيل حليف مشارك ضد النظام، ليس هناك اسخف من هذا التحالف و أكثر منه هشاشة إنه تربص و حقد و عداء، فالنصرة لا تقبل حتى بألوان علم الثورة .

التحالف المتناقض الثالث:

إن هذا التطرف يأتيه الدعم بصورة أو اخرى و يدار بطريقة منظمة تحتقر الناس و تذلهم و تقتلهم و تكسر رأس النظام أحياناً حيث يراد ذلك و تُهزم أمامه عندما يراد لها في توازن سلبي رهيب و مدروس، أقول توازن لا غالب و لا مغلوب، توازن سلبي يحصد أكبر قدر من الخسائر بين الطرفين.

وبعد ذلك ها نحن نكابر عن فهم الحقيقة: الشعارات كلها واضحة و معلنة و مطبقة “شعارات الفرقاء” و المجتمع الدولي واضح موقفه كعين الشمس، و نحن لا نريد حتى تصور هذا الواقع المأساوي ربما لأننا سوف نفقد الأمل، وبلا أمل لا نستطيع العيش، ولكن فهم الواقع و التبصر فيه ربما يشكل لنا الخطوات الأولى على الطريق الصحيح، ونتساءل كسوريين رغم أن ما تكلمت عنه ينطبق على العراق و ربما لاحقاً على المناطق بأجمعها، و لا يفهم من حديثي مقاتلة أحد أو معاداة أحد بقدر ما أتلمس الواقع عسى أن نتلمس معاً كسوريين حلاً في الأفق .

لقد طرح اسامة بن لادن فكر معاداة العالم ولكنه لم يطرح معاداة المجتمعات العربية والاسلامية ورغم ذلك أضر بأكثر من ثلاثمئة مليون مسلم أي أفغانستان وباكستان، أما ما يطرح الأن فهو إضافة لمعاداة العالم، معاداة للمجتمع الاسلامي والعربي نفسه بطريقة متناقضة وتطبيق بشكل عشوائي وفوضوي بعيداً عن عملية بناء أي شيء.

إدارة الأزمة

تأتي الحلول من وراء ادارة الازمة السورية على شكل دم أيضاً و هو قتال المنظمات المتطرفة بعد أن أصبحت قوى على الارض و بأعداد كبيرة لتتسلم التوازن السلبي أيضاً بين الشعب السوري ، أعني بالتوازن لا غالب و لا مغلوب، سلبي: قتل أكبر عدد من السوريين و تدمير بلدهم.

هذا الكابوس أضع تفاصيله بين أيديكم عسى أن نستطيع أن تقدم إلى بلدنا شيء لابد أن يكون أوله التواضع و التسامح و نزيح الحقد و الكراهية و الانتقام لنعلم أي تعليم نريده وأي زمن يحتاج، بينما تطابق أفكار داعش و النصرة شعاراً و تطبيقاً، نجد الخلاف بينهم صراع وجود يهدف كل طرف إلى إزالة الاخر و يروج كل واحد للسوريين أنه نصرتهم و منقذهم، لا يستغرب أن تنشأ فرق دينية ينقسم فيها الفكر الاسلامي إلى شعب جديده لأن المنفذين يريدون تشريعاً على قياسهم و تعديل الدين عندهم أسهل من تعديل فكرهم و سلوكهم و قد بلغ الكبر و التجبر والحقد كل مبلغ، و الغريب أننا لم نستطع أن نتواضع لبعضنا لحد الأن و ترى الكبر يقطر في كل نفس و في كل قول و في كل فعل.

الجسم الانتقالي

هذا الجسم الذي سيجمع بين كل هذا المتناقضات إن لم يكن بمشاركة مباشرة من هذه القوى فإن أفكارها اجتمعت جميعاً في ثنايا المجتمع و انتقامات الدم و الثأر، فكيف يمكن أن يعمل هذا الجسم الانتقالي و الذي يجب أن يكون بسبعة أرواح مثل القطط والعفاريت، وكل روح تفكر و تعمل بطريقة مختلفة، وعلى مستوى المنطقة بشكل عام حرص المجتمع الدولي على بقاء ايران دولة ايديولوجية رغم أن الربيع في أيران بدأ قبل الربيع العربي و ذلك لإبقاء المشاريع التنموية و مشاريع بناء الدولة معدومة، بينما تكون البدائل أمام الشعوب غاية في السوء، فإيران تريد تصدير ايديولوجية محددة إلى دول المنطقة الأخرى و المجتمع الدولي يرغب بذلك و هذا بحسب تحليلي وهو لإبقاء التوازن السلبي على مستوى المنطقة أيضاً، توازن لا غالب و لا مغلوب، سلبي يستغرق الشباب و المال و الجهد و الوقت .

لولا سياسة إدارة الأزمة في المنطقة لانهار النظام الايراني قبل الأنظمة العربية، ونجحت إيران بتصدير ثورتها إلى العراق وقدمت نموذجاً سيئاً متخلفاً بعيداً عن أي ميزان حضاري لكل شيء في الدولة، فبعد أن سيطرت إيران على العراق، وتحت انظار الولايات المتحدة وعلى مدى اثني عشر عاماً وهو زمن كبير جداً كان لتطبيق العدالة، نجد في العراق اليوم 4 ملايين برميل نفط يومياً وبغداد عاصمة بلا كهرباء، وهو نموذج سيء طرحته الولايات المتحدة يخلق ثقافة رديئة وسيئة و ثقافة كراهية.

النماذج المتوفرة والمطروحة أمام الشعب السوري

النموذج الطالباني:

نموذج مبني على معاداة العالم أجمع و ما تطرحه النصرة و داعش اليوم يزيد على عداوة العالم أجمع فإنه يعادي الأهل و الجيران و يتفلت من جلده ليعادي نفسه، نظام مبني على القتل والكراهية و خلق غطاء شرعي إسلامي له و ربما يخلق وهو لا يمت إلى الاسلام بصلة سوى إستخدام الاسلام لقهر الضعفاء و تجنيد العقول التي جنحت عن الانسانية و هي موجودة عند كل شعوب الأرض ومحيدة عن إدارة الدول و الشعوب لكنها تريد ادارة البلاد و الشعوب بسياسة أساسها القتل والتخلص من كل مخالف بالرأي و لو بكلمة .

النموذج الدولي :

وهو يطرح مشروع التعددية و الديمقراطية لكنها ليست ديمقراطية كديمقراطية الأخرين تحفظ حقوق الأنسان و تفتح له الأبداع لنقل المجتمعات إلى حال أفضل، بل هو نموذج قدمته الولايات المتحدة في العراق و يقوم على التوازن السلبي من جديد “توازن اللا غالب ولا مغلوب” يجلب المزيد من الاستنزاف و التخلف و هو نموذج يشل الدولة و يقتلها .

النموذج الياباني و الألماني:

و هو الذي كان السوريون في ثورتهم يتمنونه، ابعاد التطرف و الانسجام مع العالم و مساعدة الجميع لهذا الشعب للأخذ بيده إلى المشاركة في بناء الحضارة الانسانية بدلاً من أن تكون مسؤولية على أكتاف هذه الحضارة شركاء في هذه الحضارة و ليس متسولين عليها.

النموذج اللبناني :

طرح هذا المشروع في بداية الثورة فكان تعليقي عليه أنه يشل الدولة و لا يمكن أن تعمل مؤسسات بهذا المبدأ، و أمامنا النموذج اللبناني حيث لا يستطيع أغنياء لبنان أن يخدموا بلدهم مثل السيد (الحلو)،الذي هو رقم كبير في العالم بينما استثماره في لبنان صفر، إذ أن الاستثمار في لبنان يتطلب ميليشيا مساندة، تعيش على تحويلات المغتربين و لا تقدم أي تطوير في بلدها .

إن الانسان هو أهم ركن في عملية الانتقال هذه، إذا اردنا لعملية الانتقال هذه أن تنجح و ينتشر السلم الأهلي و يعم العدل و ينتشي الاقتصاد و ينعم الناس بالأمن و الأمان، بأن يكون فريق الانتقال فريقاً مهنياً خبيراً متسامحاً بعيداً عن كل التجاذبات يعرف ماذا يفعل و يؤمن بالعدالة الانسانية و يؤمن بحقوق الناس و يحترمهم و يعطف عليهم و يدرك مهامه و واجباته و الادوات التي يستخدمها .

هذه الصفات هي صفات القيادة التي تزرع ثقة المجتمع بهذه القيادة و الالتفاف حولها ( هذه الخبرات في تناقص كبير في سوريا بسبب الهجرة ) و في كثير من النماذج نجح هذا بشكل معقول كما حدث في ألمانيا و اليابان حيث حرصت القيادات على النزاهة والتفاني في العمل، وانتقلت البلاد إلى الوضع الطبيعي خلال فترة قياسية لا ننسى أن المجتمع الدولي أراد ذلك لهذا البلدين فساعدهم على ذلك و شد على أيديهم.

إن المجتمع و الناس بشكل عام يقبلون بهؤلاء القيادات و يقبلون الالتفاف حولها مالم يوضع في نظام الدولة معايير تخالف هذه القيم مثل التقسيم و كراسي البرلمان على أساس طائفي و عرقي أو غير ذلك فترتبك الدولة و تشل.

هناك نماذج ساعدت المعتدين و القتلة و المجرمين بل وكافأتهم، فخلقت قالباً سيئاً يسعى إليه المجرمون في كل مكان، ففي هذه النماذج تم تكريس الحرب الأهلية في تركيبة الدولة بطريقة لا يوجد مثيل لها بالعالم، حيث أصبح عدد المهاجريين ثلاثة أو أربعة أمثال المقيمين في داخل البلد، و ورث المتقاتلون أبناءهم و أحفادهم في نظام بعيد عن الدولة العصرية، و هذا ما قاله أركان النظام بداية الثورة عندما كنا نعترض على القتل وأن العواقب و خيمة، كانوا يقولون إن في لبنان رؤؤس للقتلة هم اليوم في السلطة.

والأمر ذاته في سوريا اليوم، فإذا كان هؤلاء القياديون لديهم مشكلة في النزاهة و الخبرة و فهم الادارة، فستضيع ثروة البلاد و تتوقف التنمية و يتخذ الفساد مساحته من جديد و يؤخر كل شيء، و تزداد الضغينة في النفوس، وتشل الدولة و يصبح المسؤولون و الموظفون الجيدون إن وجدوا، مجرد تغطية للسرقات و الجرائم التي يرتكبها الفاعلون الحقيقيون.

المصدر: الفيس بوك الكاتب: وليد الزعبي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ