الأسد محطّماً الرقم القياسي في التوحّش
الأسد محطّماً الرقم القياسي في التوحّش
● مقالات رأي ١٦ يوليو ٢٠١٦

الأسد محطّماً الرقم القياسي في التوحّش

لم يكن الشاعر السوري محمد الماغوط يجهر بنبوءة خارقة حينما قال أن "الطغاة كالأرقام القياسية، لا بد من أن تتحطم في يوم من الأيام"، فصاحب "سأخون وطني" كان يرى وقائع الطغيان بادية أمام حواسّه كلها، ومن حسن حظه أنّ نبوءته تحققت بعد رحيله، فجاء بشّار الأسد ليحطم الرقم القياسي في التوحّش، وربما سيحتفظ به زمناً طويلاً.

ومن حسن حظ الشاعر أيضاً أنه لم يستمع لتصريحات من أطلقتُ عليه منذ بداية الثورة السورية "دراكولا العصر"، وهو يأمل "بأن يذكرني التاريخ بأني الرجل الذي حمى بلده من الإرهاب ومن التدخل الخارجي، وحافظ على وحدته وسلامة أراضيه" وفق ما قال في مقابلة مع شبكة "إن بي سي نيوز" نشرَتها الخميس، الرابع عشر من الشهر الجاري.

ومثل سائر الطغاة في التاريخ، لا يزال دراكولا يحلم ويأمل، بعد أن حوّل سورية إلى أرض من حطام ولعنات، وقتل أكثر من 300 ألف شخص، وجرح ما ينوف على 1.5 مليون، وهجّر أكثر من عشرة ملايين سوري، وما انفك العدد مرشّحاً للمزيد من الضحايا، ما دام الطاغية، الذي لا يرتاح إلا بين الموتى، يأمل ويحلم.

هكذا كان كاليغولا أيضاً. ذات مرّة استبد به الألم، لأنّه خشي من أنّ التاريخ لن يذكره، والتاريخ مولع بالتراجيديا، لذا افتعل كاليغولا مجاعة في روما، وقام بإغلاق مخازن الغلال، وراح يتلذّذ برؤية أهل روما يموتون جوعاً.

ويمثل "الإنكار" أحد الميكانزمات الأساسية في شخصية الطاغية، فهي تزوّده بالذرائع، وتزيّن له سوء أعماله، فتتورّم أناه إلى حد لا يعود يرى إلا ذاته في مرآة أورامه وأوهامه. ويمتد "الإنكار" وفقدان الصلة بالواقع إلى حاشية الطاغية وأهله، فنرى زوجة الأسد أسماء الأخرس، حريصة على عدم انقراض طائر أبو منجل الأصلع الشمالي بسبب سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة تدمر الأثرية، أكثر من حرصها على البشر الهالكين، والآثار التي سُويت بالأرض، وصارت كهوفاً لسكنى الهاربين من جحيم الموت.

بمثل هذا الترف، تصرّف نيرون، قبل أكثر من ألف وتسعمائة سنة، وهو يحرق روما ويحوّلها إلى كتلة من نار أتت على عشرة أحياء من المدينة، ثم ارتقى إلى برج مرتفع، وراح يتلذّذ برؤية اللهيب المجنون وهو يلتهم الأجساد والصرخات والتاريخ. لقد خلب الموت المشتعل لبّه، فخلّده العار!

وعلى رغم محاولته الدؤوبة في التقاط روح الشر الكامنة لدى "فلاد الثالث" الملقب دراكولا، إلا أنّ الروائي الإنكليزي برام ستوكر، قلّل من العنف الحقيقي عندما رسم شخصية كونت دراكولا، مصاص الدماء الأشهر، في روايته الصادرة عام 1897.

لقد كان دراكولا الأول يجد متعته الباهرة وفاتحة شهيته، لدى تناوله الطعام، في رؤية ضحاياه يتعذّبون فوق الخوازيق، وعلى الدرب نفسه سار دراكولا العصر الجديد بشار الأسد الذي سيدخل التاريخ لا محالة من أوسع أبوابه الدموية، لا باعتباره حمى سورية من الإرهاب، وحافط على سلامة أراضيها، كما يهرطق، بل لأنه برع في إنتاج الجحيم الذي صوّرته الكتب السماوية، وحسب ذلك أن يشحن ذاكرة التاريخ بجرائمه التي بوّأته موقعاً "مرموقاً" في موسوعة الموت والهمجية!

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: موسى برهومة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ